للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

مأساة الفول المدمس وأهل مصر المحروسة

  • الكاتب : د. قاسم زكي

    أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة المنيا، مصر

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    01:44 ص

  • تاريخ النشر

    30 مارس 2016

يعتبر طبق الفول المدمس من معالم الشارع المصري منذ القدم، فلقد اشتهرت مصر المحروسة بزراعة الفول البلدي منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم، و يعد من أهم المحاصيل الغذائية الرئيسية، حيث يعتمد عليه معظم سكان مصر نظراً لارتفاع قيمته الغذائية و رخص سعره. و هنا نلقى الضوء على هذا المحصول و قيمته الغذائية و المشاكل التي تؤثر على إنتاجه و تدفع لاستيراده من الخارج بعد أن كانت مصر من المصدرين له منذ القدم، و الجهود الحالية لزيادة المنتج منه.

الفول والتراث

و لقد ذُكر في موسوعة وصف مصر، الُمَؤلف الشهير لعلماء الحملة الفرنسية منذ مائتي عام و نيف "أن الفول يزرع بوفرة في ولايات جرجا و أسيوط و المنيا وفي الفيوم و ضواحيها و تصبح زراعته في الدلتا أقل عطاءا، و نادراً ما تمتد زراعته في مصر العليا إلى ما وراء قوص، أو في الدلتا شمال سمنود. ويصل انتاج الفدان لسبعة أرادب (1120 كجم)، وكانت تصدر منه كميات كبيرة لجزيرة العرب و بلاد البحر الأبيض المتوسط". و اليوم لا يسبب لك أي اندهاش حين ترى مطاعم الفول و منتجاته تستحوذ على الغالبية العظمى من الزبائن، و خاصة مع شروق شمس كل صباح و ذهاب أفراد الشعب لأشغالهم و حقولهم و أبنائهم لمدارسهم و جامعاتهم، فالجميع يتسابق على طبق الفول أو حبات الطعمية (فلافل) ذات الرائحة الزكية التي تدغدغ حواس الشم و تحرك مراكز الجوع لدى غالبية سكان مصر.

و لم يوجد شعب على وجه البسيطة تفنن في طبخ الفول كما في المحروسة، فله أكثر من عشرة أنواع من طرق الطبخ و التسوية و الإعداد يسيل لها اللعاب، فمنها البصارة و الفول النابت و الأخضر، هذا بالطبع بجانب الفلافل و المدمس بطرقة المختلفة من سندوتشات الفول بالسلاطة والطحينة أو طواجن الفول بالطماطم والبصل والفلفل أو الفول بالبيض أو بالزبدة أو بالسمنة؛ و يشارك في هذا بعض البلدان العربية. و على الرغم من أن هذا الفول يعرفه أغلب سكان المعمورة بفول الحصان (Horse Bean) و يستخدم كعلف للحيوانات، إلا أن هذا لم يسبب أي مشكلة لأبناء الكنانة في حبهم له و شغفهم به.  و مع حلول شهر رمضان الكريم كل عام، يتزايد استهلاك المصريين للفول المدمس و الذي يعد طبقاً أساسياً على مائدة الإفطار و السحور، و تصل تلك الزيادة لحوالي 70 ألف طن تقارب قيمتها 220 مليون جنيه مصري، و في العام قبل الماضي (2014م) كان سعر طن الفول البلدي 5500 جنيه بينما تراوح سعر الفول المستورد بين 3200 و3500 جنيه، نظرا للجودة العالية للفول البلدي و طعمه المحبب و عدم استغراقه وقتاً طويلاً أثناء التدميس.

و أسعار الفول في مصر تختلف من منطقة إلى أخرى فيبدأ من 5 جنيهات للكيلوجرام في المناطق الشعبية بينما يصل إلى 12 جنيهاً في بعض المناطق الراقية. و من المعلوم أنَّ نقص المعروض من المنتج يدفع الأسعار للارتفاع بمعدلات خيالية، و خاصة أنَّ المواطن المصري يعتمد بصفة أساسية على وجبة الفول سواء كان في الإفطار أو العشاء.

القيمة الغذائية للفول

و نبات الفول البلدي (Vicia faba) هو محصول البقول الأول في مصر من حيث المساحة المنزرعة و الإنتاج الكلي و الاستهلاك حيث تستخدم بذوره الخضراء و الجافة في تغذية الإنسان نظراً لاحتوائها على نسبة مرتفعة من البروتين تصل لحوالي 28 % (ولذا فإنه يمكن أن يعتبر لحم الفقراء و بديلاً نسبياً للبروتين الحيواني وخاصة في ظل انخفاض أسعاره مقارنة بأسعار المنتجات الحيوانية)، و يحوي أيضا الكربوهيدرات بنسبة تصل إلى 58% بالإضافة إلى عديد من الفيتامينات (أهمها فيتامين ب) و بعض الأملاح المعدنية (مثل الفوسفور والحديد والنحاس والبوتاسيوم). هذا بالإضافة إلى دور الفول البلدي في تحسين خواص التربة و زيادة خصوبتها بتثبيت عنصر الآزوت، كما لا يفوتنا أن نذكر أهمية مخلفات قشر (تبن) الفول في تغذية الحيوانات.

مأساة الفول البلدي

على الرغم من ملائمة ظروف الزراعة المصرية لزراعة هذا المحصول الهام، بل وتفوق الجدارة الإنتاجية في زراعته مقارنة بأغلب الدول الأخرى المنتجة له، إلا أن مصر تعاني من فجوة غذائية ضخمة في محصول الفول البلدي، وخاصة في السنوات الأخيرة، و ربما الزيادة المستمرة في عدد السكان واعتماد الكثير من أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة في غذائهم على محصول الفول البلدي أدى إلى قصور الإنتاج عن تلبية احتياجات الطلب المحلي المتزايد، مما أدى إلى زيادة انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي، ودفع الدولة إلى الاتجاه نحو زيادة الواردات من الفول الجاف. حيث زادت الكميات المستوردة من حوالي 314 ألف طن بقيمة تقدر بحوالي 93.9 مليون دولار عام 2004م إلى حوالي 459.3 ألف طن بقيمة تقدر بحوالي 117.7 مليون دولار عام 2006م، وذلك لسد الفجوة الغذائية مما كان له أثره على زيادة العجز في الميزان التجاري.

و تصدمنا البيانات عن المساحة المنزرعة و الإنتاج في السنوات الأخيرة و عن مدى تدهورهما و تناقصهما بشكل مذهل. فتناقصت المساحة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية  (2001 – 2015) بنسبة 70% و معدل الاكتفاء الذاتي تراجع من 99% إلى 30% فقط، و أصبحت مصر تستورد الفول كما تستورد فوانيس و ياميش رمضان غالباً من الصين و أيضاً من أستراليا و إنجلترا و فرنسا و روسيا رغم قلة جودته عن الفول المصري. فكانت مساحة الفول الزراعية 322 ألف فدان في موسم 2001/2002م  (و الإنتاج 405 ألف طن)، ثم أخذت في الانخفاض حتى وصلت إلى أدناها في موسم 2011/2012م (98 ألف فدان فقط)، لتصعد قليلا في موسم 2014/2015م الماضي و الموسم الذي سبقة و لكنها مازالت بعيدة جداً عن سد حاجة السكان، و التي تقدر حاليا بحوالي نصف مليون طن سنوياً (بحساب أن نصيب الفرد في مصر سنويا قرابة 6 كجم فول). و على الرغم من ذلك فإن زراعة الفول في حالة نجاحها مربحة، حيث تقدر انتاجية الفدان بنحو 9.3 أردب (زنة الاردب  160 كجم) و سعر الاردب الواحد حوالى ألف جنيه، ما يعني أن عائده يصل إلى 10 آلاف جنيه، بينما تكلفة زراعته تتراوح بين 2000 و 2500 جنيه .و بذلك فإن صافي عائد فدان الفول البلدي يتراوح بين 7 و 8 آلاف جنيه، و حتى بعد إضافة قيمة إيجار الأرض يصبح عائد الفدان 5 آلاف جنيه.

أساب المأساة و آمال الحلول

و زيادة الفجوة الغذائية للفول البلدي جاءت نتيجة أسباب عدة، منها التنافس بين الفول و أهم محصولين استراتيجيين في شتاء المحروسة على مساحة الأرض، و هما القمح (غذاء الإنسان) و البرسيم (علف الحيوان)، بجانب انتشار الأمراض الورقية والأصداء و الحشرات و الحشائش، و منها التحدي الأكبر للفول في مصر و هو انتشار حشيشة الهالوك (Orobanche spp.) التي قضت على مزارع الفول في كثير من قرى مصر، ليأتي العام 1992م و التي أصيب فيها الفول بفيروس تبرقش الفول البلدي (Necrotic faba bean virus) ولم ينتج عنه محصول في غالبية محافظات الوجه القبلي وخاصة مصر الوسطى، و بعدها عزف المزارعون عن زراعته. لتكتمل المأساة بعدم توافر الأسمدة المعدنية، و لجوء معظم المزارعون القريبون من المناطق الحضرية إلى بيع الفول كمحصول أخضر (عائد المزارع منه 12 ألف جنيه للفدان). و ثالثة الأثافي عدم وضع سعر ضمان للمحصول بل و الاستيراد وقت الحصاد لكميات فول كبيرة بأقل جودة و بسعر منخفض من الخارج، مما يؤدي إلى إحداث حالة من الاغراق للمستورد يؤثر على إنتاج الفلاح المصري من الفول، ويتسبب في انخفاض أسعاره و خسائر فادحة للمزارعين. لذا يستلزم الأمر ضرورة فرض رسوم حماية على استيراد الفول من الخارج (كما هو الحال في الدواجن)، وتحديد سعر ضمان للفول البلدي المصري، وان يُسلم إلى هيئة السلع التموينية لتسويقه عن طريق شركاتها المنتشرة في أنحاء الجمهورية ويلتزم به القطاع الخاص، فضلاً عن ضرورة وقف استيراد الفول وقت الحصاد للفول المصري.

و لا يمكن إنكار جهود الدولة في محاولاتها المتكررة للنهوض بالفول مثل إنتاج أصناف جديدة تجمع بين الإنتاجية العالية و المقاومة للإجهادات الحيوية و البيئية السائدة في مصر، مثل الأصناف المتحملة للهالوك (جيزة 843، مصر1 ، مصر 3)، و إقامة الحملات القومية للنهوض بالفول و رفع درجات الوعي لدى المرشدين الزراعيين و المزارعين و إيصال المعلومات و الإرشادات الهامة، و لفت نظرهم للأصناف الجديدة المحسنة عالية الإنتاجية بجانب حزم التوصيات الفنية و إقامة  دورات و ورش عمل تعليمية و ارشادية، مع وجوب توفير التقاوي المنتقاة عالية الإنتاج و الأسمدة و المبيدات. و تُشجع الدولة إيجاد مساحات جديدة للفول البلدي (خاصة بالأراضي الصحراوية) دون التأثير على مساحات القمح و البرسيم و ذلك بالتركيز على التوسع في الأراضي الجديدة مثل النوبارية و وادي النطرون بالبحيرة و سهل الطينة بسيناء، و أيضاً التركيز على التحميل على زراعات قصب السكر الغرس الخريفي و البنجر و الطماطم، و أيضاً التحميل بين الأشجار حديثة العمر في الأراضي الجديدة، هذا حتى لا يغيب طبق الفول المدمس عن أهالي المحروسة.

  • د. قاسم زكي: عضو اللجنة القومية لتقييم مبادرات النهوض بالمحاصيل البقولية بمصر؛ أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة المنيا، المنيا، مصر (MU)،  وعضو اللجنة العلمية لترقيات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية (EUPC)، و مؤسس و عضو سابق باللجنة التنفيذية للمجلس العالمى للنبات (GPC)، والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم الحاصلات الزراعية (ACSS)، و عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين (ASJA))

 

بريد الكاتب الالكتروني: k.z.ahmed@mu.edu.eg

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */