يحدث التسمّم في جسم الكائن الحيّ بعد التعرض لمواد سامة تعمل على إجراء تغييرات ضارة في العمليات الفسيولوجية والكيمياء الحياتية أو في التكوين النسجي للجسم. ولكي يتم التخلّص من هذه السموم، تعمل دفاعات الجسم المختلفة على أيض هذه المواد، وجعلها سهلة الانقياد خارج الجسم بعدة طرق. 

نستعرض في هذا المقال تصنيف السموم بشكلٍ عام وكيفية دخولها إلى الجسم، ومن ثم خروجها بشكلها الأولي، أو بعد أيضها إلى تراكيب أقل سمية. إنّ معرفة هذه الآليات تساعدنا في فهم ماهية السم، وآلية التسمم، وكيفية مساعدة الجسم في التخلص من المواد السامة، فضلًا عن تشخيص التسمم، وعلاجه إنْ وُجد الترياق المناسب أو العلاج الساند لصحة الكائن الحيّ.

تصنيف السموم

يُمكن تصنيف السموم تبعًا لأجهزة الجسم التي تتأثر بالتسمّم، كالجهاز العصبي المركزي، والكبد، والكلية، والجهاز التنفسي، وجهاز القلب الوعائي، وغيرها. وتُصنّف السموم أيضًا بحسب صفاتها الفيزيائية أو الكيميائية، ومصادرها المأخوذة منها، أو بحسب غرض الاستعمال مثل مبيدات الحشرات، والتأثير الضار الناتج في الجسم، كما هو الحال مع السموم المؤثرة في مكونات الدم، أو تلك التي تُسبب تغييرات في النواقل العصبية بالدماغ. وعمومًا يمكن تصنيف السموم اعتمادًا على مصدر السم وماهية ميزاته الفيزيائية والكيميائية. وندرج في الشكل رقم (1) أهم أنواع السموم، وبعض الأمثلة عليها:
 

الشكل رقم (1): أنواع السموم

دخول السموم للجسم

تدخل المواد السامة إلى الجسم بعدة طرق، وتختلف في كفاءتها للامتصاص وإحداث التسمم. ويتم ذلك غالبًا عن طريق الفم، أو الجهاز الهضمي، أو التنفسي، أو الحقن المتعمد أو العرضي وصولاً للدم والأجهزة الأخرى. كما توجد وسائل إضافية لولوج السموم، وهي عن طريق الجلد، والأذن، والعين، والجهاز التناسلي بدرجةٍ أقل. وتُعد هذه الطرق وسائل لتعرّض الإنسان أو الحيوان للسموم التي تستهدف الأعضاء والأحشاء الداخلية في الجسم، وقد تُسبب سمية حادة، أو تحت الحادة، أو سمية مزمنة إذا استمر التعرض لأشهر عديدة بجرع غير مميتة. ونرى في الشكل رقم (2) أهم وسائل دخول السموم إلى جسم الكائن الحي مع بعض الأمثلة عليها:
 

الشكل رقم (2): طرائق دخول المادة السامة للجسم مع أمثلة عليها

ما الذي يحصل للمادة السامة داخل الجسم؟

حتى يتخلّص الجسم من المادة السامة، تُجرى عليها عدد من العمليات الأيضية التي تُقلِّل من سميّتها وتجعلها سهلة الطرح خارج الجسم. ويُعدّ الكبد العضو الأساس في الجسم لأيض الأدوية والسموم بطورين مهمين (الشكل رقم 3)، وهما:

الطور الأول للعمليات الأيضية تشمل الأكسدة، والاختزال، والتحلل المائي التي تقوم بها إنزيمات الكبد بشكلٍ رئيسي، وخاصة الإنزيمات الميكروسومية ب-450 الخاصة بالأكسدة. كما يحدث الأيض في الجهاز التنفسي والكلية والجهاز الهضمي، ولكن بنسبةٍ أقل.

الطور الثاني للعمليات الأيضية تشمل تفاعلات الاقتران لنتائج العمليات الأيضية للطور الأول، وهي الاقتران بحمض الغلوكويوروينك، أو مع الغلايسين، أو مع الأسيتيلن، أو مع مجموعة المثيل، أو الغلوتاثيون، والاقتران الكبريتي. والهدف من تفاعلات الاقتران هو جعل نواتج السموم أقل سمية وأكثر ذوبانًا في الماء لتسهيل عملية الطرح خارج الجسم.

ومن الجدير بالذكر بأن بعض المواد السامة قد تتحول إلى مواد ذات سمية أكثر من المادة الأولية، نذكر على سبيل المثال الميثانول الذي يتحول إلى الفورمالديهايد، والبنزين الذي يتحول إلى الفينول، والدايكلوروميثان الذي يتحول إلى أول أوكسيد الكاربون، وحتى الباراسيتول يمكن أن يتحول إلى الوسيط السام ن-أستيل-بارا- بنزوكوينون إيمين الذي يتخلص منه الجسم بالاقتران مع الغلوتاثيون. وتتأثّر العمليات الأيضية بعوامل عديدة، منها التكوين الجيني للكائن الحيّ، وجرعة التعرض للمادة السامة وطول مدة التعرض، ونوع التغذية، والحالة الصحية، فضلًا عن عوامل بيئية أخرى.

الشكل رقم (3): أيض السموم في جسم الكائن الحي

طرح السموم خارج الجسم

تأخذ السموم مسارات مختلفة للطرح خارج الجسم بحسب خواصها الكيميائية وطبيعتها (الشكل رقم 4). وطرق الطرح هذه هي الجهاز البولي وذلك عن طريق التبول للمواد السامة الذائبة في الماء التي تمر من مرشحات الكلية، وتعتمد على الوزن الجزيئي للمادة وقابلية ذوبانها ودرجة تأينها كالمضادات الحياتية، والفورمالديهايد بعد تحوله إلى حمض الفورميك.  والجهاز التنفسي مهم ايضًا للمواد الغازية مثل ثاني أوكسيد الكاربون والمواد المتطايرة مثل الأسيتون والكحول، في حين يكون طريق الجهاز الهضمي للمواد غير الممتصة أو تلك التي تتأيض عن طريق الكبد وتُفرز عن طريق القناة الصفراء إلى الأمعاء، ومن ثم تُطرح مع الغائط لخارج الجسم مثل المواد الذائبة في الدهون كالهيكزاكلوروبنزين ومضادات البكتريا من نوع الكينولون، فضلًا عن السيسبلاتين، والزرنيخ، والزئبق، والرصاص. ويُعدّ طرح السموم عن طريق الجهاز الهضمي مكملًا للطرح البولي الرئيسي، حيث يُلاحظ احتوائه على جزيئات كبيرة الحجم ومركبات الاقتران التي لا تعبر للبول. وتوجد طرق أخرى تُعد ثانوية نسبيًا لطرح المواد السامة، وهي الجلد (الإستيرويدات)، والشعر والأظافر (الزرنيخ)، والحليب (الرصاص، بيسفينول)، واللعاب (الخارصين)، والتعرق (النيكوتين أمايد).

الشكل رقم (4): الوسائل الرئيسية لطرح السموم خارج الجسم

إنّ تعرض الجسم للمواد السامة يتبعه الامتصاص والانتشار في مختلف الأعضاء، ومن هنا تبدأ مقاومة الجسم للتسمّم، ولو بشكلٍ جزئي، بإجراء عمليات أيضية للمادة السامة بحسب طبيعتها الكيميائية وقابلية الجسم على التعامل معها، ومن ثم البدء بطرحها إلى خارج الجسم بإحدى الطرق التي ذكرناها. وهي تعتمد بدورها على كمية المادة السامة وأيضها، وقابلية ذوبانها في الماء، فضلًا عن كفاءة طريقة الطرح التي تتأثر بالحالة الصحية للإنسان أو الحيوان، ومدى تأثر الجسم بالمادة السامة ذاتها. وتُساعد معرفة أسلوب طرح المادة السامة في كيفية إستحصال النماذج الحيوية لإجراء التحليلات الكشفية التشخيصية للمادة السامة أو لنواتجها الأيضية.

المراجع:​