للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

كيف يؤثر تغير المناخ وتلوث الهواء على الصحة في شبه الجزيرة العربية؟

  • الصغير محمد الغربي

    صحفي علمي

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    11:16 ص

  • تاريخ النشر

    04 أبريل 2023

ما هي الآثار المرتبطة بتغيّر المناخ وتلوث الهواء وتأثيراتها على صحة الإنسان في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها؟ سؤال أجابت عنه دراسة مراجعة قام بها باحثون من جامعة بيرمنغهام البريطانية بقيادة الباحثة المصرية هبة عكاشة، في دورية (Sustainability) العلمية، وذلك عبر تحليل نتائج الدراسات العلمية التي صدرت في دول المنطقة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2021.

منظمة المجتمع العلمي العربي

 

أظهرت الدراسة أنّ المنطقة تشهد تأثيراتٍ مباشرة لتغير المناخ من خلال درجات الحرارة المتزايدة في موسم الصيف، مع تسارع وتيرة العواصف الغبارية وشدتها. كما تسجّل أيضًا تلوثًا كبيرًا للهواء، بما في ذلك الجسيمات وثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت على وجه الخصوص. وبالتالي، تؤثر هذه العوامل على صحة الإنسان في المنطقة، ولا سيما على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية. ومن ناحيةٍ أخرى، وجدت الدراسة أنه على الرغم من زيادة القدرة البحثية في هذا المجال، إلّا أن كثافة البحث ما زالت غير متّسقة عبر دول المنطقة، حيث تنشر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق مقالاتٍ بحثية أكثر من الدول الأخرى.

نمو عدد المنشورات حول الصحة البيئية

بحسب الباحثين، هناك ارتباطٌ وثيق بين تغيّر المناخ وتلوث الهواء وصحة الإنسان، وفي شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها، تلعب العوامل المحلية مثل البيئة المتربة والصحراوية دورًا مهمًا في هذه العلاقة. وتقوم العواصف الترابية بزيادة تركيز الجسيمات الدقيقة والملوثات في الجو ونقلها من منطقةٍ إلى أخرى.

ويمثّل الجمع بين زيادة تلوث الهواء والتأثير المناخي تحديًا كبيرًا لصحة الإنسان في المنطقة، كما يقول المؤلفون. لذلك، فإنّ تقييم تغير المناخ وتأثيرات تلوث الهواء على صحة الإنسان أصبح أمرًا بالغ الأهمية، وهو ما يتضح خاصة من خلال نمو عدد الدراسات العلمية حول الصحة البيئية منذ عام 2010.

تطور عدد الأوراق العلية المنشورة بين عامي 2010 و2021 حول الصحة البيئية في شبه الجزيرة العربية
والمناطق المجاورة لها وتوزيعها حسب الدول (المصدر: دراسة المراجعة)

 

ويظهر تحليل هذه الأوراق أنّ الدراسات الإقليمية كانت أكثر وفرة من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع في كلّ بلد على حدة، مع وجود تفاوت بين البلدان في وفرة البحوث، إذ تتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق المنطقة، فيما يتعلق بالمنشورات المتعلقة بتغير المناخ وأبحاث تلوث الهواء.

كيف يؤثر تغير المناخ والعواصف الترابية على المنطقة؟

تُبرِز المنشورات التي تمت مراجعتها أن أحداث درجات الحرارة القصوى (موجات الحرارة) هي واحدة من أخطر آثار تغير المناخ في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها. وتؤثر موجات الحر هذه بشكلٍ كبيرٍ على معدلات الاعتلال والوفيات البشرية ونوعية الحياة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وترى بعض الدراسات أن ارتفاع درجة حرارة المناخ في المنطقة يكون أقوى بكثير في الصيف منه في الشتاء، خاصة في المناطق الصحراوية حيث يكون الصيف حارًا وجافًا بالفعل. وقد أدى تغير المناخ إلى زيادة تواتر الأيام والليالي الحارة، وارتفاع قيم درجات الحرارة القصوى، وقصر فترات البرد.

وبحسب المؤلفين، تشير التقديرات إلى أن العواصف الترابية في جميع أنحاء إفريقيا الصحراوية، والشرق الأوسط، وآسيا ترفع ما بين 200 و5000 مليون طن من الغبار المعدني في الغلاف الجوي للأرض كل عام. وتعد شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها أحد أكبر مصادر الغبار الصحراوي في الشرق الأوسط وتتميز بالظروف القاحلة، وطبقات كثبان رملية كبيرة.

وفي مراجعة لتلوث الهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حددت دراسة سابقة الملوثات الرئيسية في الجو التي تسبب آثارًا صحية ضارة في المنطقة. وتشمل هذه الملوثات الجسيمات التي يقل قطرها عن 10 ميكرومتر (PM 10) وتلك التي يقلّ قطرها عن 2.5 ميكرومتر (PM 2.5)، إضافة إلى غازات ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والأوزون السطحي (الموجود على سطح الأرض). وقد حظيت الغازات المذكورة إلى جانب غاز ثاني أوكسيد الكربون، باهتمامٍ كبيرٍ خلال العقود الأخيرة في المنطقة وذلك بسبب النمو الاقتصادي غير المسبوق وتطور البنية التحتية ووجود مصادر تلوث كبيرة مثل محطات تحلية المياه وقطاع الطاقة وإنتاج الإسمنت.

ووفق المؤلفين، فإنّ الوضع بشكلٍ عام، لا يختلف عنه في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها، باستثناء الوجود الإضافي للعواصف الرملية التي تسهل التلوث ونقل الجسيمات الدقيقة.

الأثر الصحي لتلوث الهواء وغبار الصحراء

بحسب منظمة الصحة العالمية فإنّ تلوث الهواء يشكّل تهديدًا كبيرًا على الصحة والمناخ في جميع أنحاء العالم، إذ يتسبب في وفاة ما يقدر بنحو 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويًا. وقد تم تصنيف تلوث الهواء كسببٍ رئيسي للوفاة، والعجز في جميع أنحاء العالم نتيجة أمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن والسرطان والالتهاب الرئوي.

ويقول المؤلفون إنّ غبار الصحراء يسبّب أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض القلب والرئة ومشاكل الصحة العقلية. وقد اهتمت العديد من الأوراق العلمية حول العالم بدراسة الآثار الصحية للجسيمات المتولدة عن طريق الإنسان، لكن القليل منها أخذ في الاعتبار التأثير الصحي لغبار الصحراء المتولد طبيعيًا. وبالمثل، فإن البحوث المتعلقة بالآثار الصحية لغبار الصحراء نادرة في دول منطقة شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها.

غير أنّ دراسة أجرِيت في المملكة العربية السعودية تظهر أن العواصف الرملية يمكن أن تؤدي أيضًا إلى عدم الراحة العامة والتهيج، وترتبط بالسعال وسيلان الأنف وتهيج العين والصداع وتوقف التنفس أثناء النوم. كما أفادت دراسة أخرى في الكويت إلى ارتباط تركيزات الجسيمات التي يقل قطرها عن 10 ميكرو متر في الجو بإصابات الربو القصبي وعدوى الجهاز التنفسي الحاد وبمعدلات الوفيات المرتبطة بالجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية.

وتذكر الدراسة أنّ التلوث الناتج عن الجسيمات المتطايرة في الجو، يُعدّ مصدر قلقٍ بيئي وصحي خطير في المنطقة، ليس فقط بسبب طبيعة البيئة الصحراوية بل أيضًا بسبب ارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة دون 2.5 ميكرومتر الناتجة من المصادر البشرية. وقد أشار تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لعام 2017 إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها أعلى مستويات التلوث في العالم فيما يتعلّق بالجسيمات الدقيقة. وفي الكويت، ارتبطت المستويات المرتفعة من هذه الجسيمات خاصة خلال ساعات الذروة وعطلات نهاية الأسبوع والصيف، بارتفاع معدل الوفيات المبكرة بسبب أمراض القلب الإقفارية والسكتة الدماغية. كما يحتل تلوث الهواء المرتبة 8 من 19 في "المخاطر الرئيسية" على الصحة في المملكة العربية السعودية .

الآثار الصحية لتغير المناخ

تتوقع منظمة الصحة العالمية، وفق الدراسة، حدوث 250 ألف حالة وفاة إضافية مرتبطة بتغير المناخ سنويًا، بين عامي 2030 و 2050، جراء الحرارة الشديدة، والأمراض المنقولة والمياه، والكوارث الطبيعية.

ويرتبط التهديد الذي تتعرض له صحة الإنسان بالإجهاد الحراري الناجم عن ارتفاع موجات الجرارة، وانخفاض جودة الهواء، وزيادة الأمراض المنقولة والمياه، وزيادة الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمخاطر المناخية. ويمكن أن يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى زيادة الرطوبة، مما يزيد من احتمالية الإجهاد الحراري عن طريق تقليل قدرة الجسم على التعرق. وبشكلٍ غير مباشر، من المتوقع أيضًا أن يؤدي تغيّر المناخ لزيادة الأمراض المنقولة، وانتشار الأمراض المعدية بشكلٍ عام. ووجدت إحدى الدراسات أن الزيادة في معدل الوفيات والمراضة بسبب الإجهاد الحراري تحدث بشكلٍ خاص في المناطق الساحلية في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها خاصة لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.

الآثار الصحية المشتركة لتلوث الهواء وتغير المناخ

بحسب المؤلفين فإنّ تغير المناخ يمكن أن يؤثر على الأرصاد الجوية وعلى تركيزات ملوثات الهواء. ويكون هذا التأثير أكثر أهمية في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها، حيث يمكن أن يؤثر على نشاط العاصفة الترابية، ويجعلها أكثر تطرفًا ويؤثر على تواترها ومدتها.

التفاعل بين تغير المناخ وتلوث الهواء في المناطق الصحراوية (المصدر: دراسة المراجعة)

 

ورغم هذه الأهمية فإنّ الدراسات التي تحلّل التأثير التآزري لنوعية الهواء وتغير المناخ على صحة الإنسان ليست وفيرة مثل الدراسات التي تتناول تأثيرات هذين العاملين بشكلٍ منفصل. وقد أكد عدد من الدراسات الدولية على أهمية تحليل التفاعلات بين تغير المناخ وتلوث الهواء بشكلٍ تآزري لتقييم تأثيرهما على صحة الإنسان.

وعثر المؤلفون على دراسةٍ واحدة فقط أجريَت في قطر تأخذ في الاعتبار الأثر الصحي المشترك لتغير المناخ وتلوث الهواء. وناقش الباحثون فيها تأثير تغيّر أنماط الطقس التي نتجت عن تغير المناخ، على تلوث الهواء وبالتالي على صحة الإنسان في البلاد. وسلطت نتائج الدراسة الضوء على ارتباط ارتفاع درجة الحرارة بارتفاع مستوى الأوزون على سطح الأرض وتركيزات الجسيمات، والتي ترتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي. كما تبرز الحاجة  للقيام بمزيدٍ من البحث حول توصيف غبار شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها للتمييز بين الغبار الطبيعي والبشري وتأثيراتهما ذات الصلة على المناخ وصحة الإنسان.

ويخلص الباحثون في نهاية الدراسة إلى أن المنطقة تواجه عبئًا كبيرًا من الأمراض يشمل الأمراض المعدية وغير المعدية، وقضايا الصحة العقلية والإصابات العرضية، نتيجة تغير المناخ وتلوث الهواء. ومع زيادة عدد السكان والتحضر والتنمية الاقتصادية، فمن المتوقع زيادة انبعاثات تلوث الهواء مما سيؤدي إلى زيادة عبء الأمراض غير المعدية في المستقبل.

وفي سياقٍ متصل، لفت المؤلفون إلى ندرة الدراسات الشاملة والكمية والتحليلية التي تبحث في الآثار الصحية التآزرية لتغير المناخ والتلوث في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة لها. وعلى الرغم من ذكر بعض الدراسات لتأثير تغير المناخ على ارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات المحتملة، فإنه نادرًا ما يُنظَر إلى تغير المناخ على أنه تهديد مباشر لصحة الإنسان في المنطقة.

ومع أن الباحثين رصدوا نمو الأبحاث العلمية حول تأثيرات تلوث الهواء وتغير المناخ على الصحة في المنطقة بشكلٍ كبير خلال العقد الماضي. لكن رغم تلك الزيادة الإجمالية، تظهر هذه المراجعة أن قوة هذه البحوث وعمقها لم يكونا متسقين في جميع دول المنطقة، مما يؤدي إلى اختلالات محتملة في المعرفة.

 

المصدر

https://www.mdpi.com/2071-1050/15/4/3766

 

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • Dr. Musleh Alotaibi04 أبريل, 202304:56 م

    بحوث و دراسات مهمة

    وجدت من خلال قراءة المقال إن هناك بحوث ممتازه في عذا المجال... بارك الله فيكم

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */