كما ذكرنا في مقدمة هذا الفصل، سينتهي الأمر بغالبية الأشخاص الذين يجرون دراسة الدكتوراه في مهنة خارج الأوساط الأكاديمية. بل ربما يكون من الأدق القول إن الأوساط الأكاديمية هي المسار الوظيفي البديل وليس الأساسي لحاملي الشهادات العليا. يمكن أن تكون ممارسة مهنة خارج الأوساط الأكاديمية تجربة غنية ومجزية. ومع ذلك، من الضروري أن يكون لديك خطة واضحة لما تريد القيام به، ولماذا تريد القيام به؟ وكيف تنوي تحقيق ذلك؟

التخطيط الوظيفي نشاط يجب أن يستمر معنا طوال فترة حياتنا وليس فقط، كما يتصور البعض، في بداية التخصص أو التخرج أو نيل شهادة الدكتوراه. ذلك أن ظروف الحياة تتغير، فهناك عوامل كثيرة داخلية في أنفسنا وخارجية في محيطنا تؤثر علينا، وما كان صالحا أو ربما أملاً في يوم من الأيام، قد لا يكون كذلك بعد حين. والمهم أن تكون في المكان والمهنة والوظيفة التي ترتاح وتسعد بها والتي تلبي احتياجاتك وشغفك وقدرتك على العطاء.

يبدأ ذلك باختيارك للتخصص وهو قرار مهم. من خلال اختيار تخصص يتناسب مع اهتماماتك وقيمك وشخصيتك وظروفك، فمن المرجح أنك ستستمتع بالدروس التي تدرسها وتشعر بالتحدي الأكاديمي وتكون متحمسًا للنجاح في شهادتك.

يأتي معظم الطلاب إلى الكلية مترددون بشأن تخصصهم ومستقبلهم. في الواقع، نجد نسبة كبيرة من الطلاب الجامعيين يغيرون تخصصهم مرة واحدة على الأقل قبل التخرج. هذا يعني أنه من المقبول أن تكون فضوليًا وأن تستكشف جميع خياراتك عندما يتعلق الأمر باختيار التخصص والمسار الوظيفي في المستقبل. العلم والتعلم مجال مفتوح ومستمر ما استمرت الحياة.

إذا كنت تستمتع بالبحث العلمي، فهناك الكثير من الوظائف التي يمكنك ممارستها خارج الأوساط الأكاديمية. على سبيل المثال، يمكنك العمل في معهد أبحاث كبير غير جامعي أو وكالة أو مؤسسة حكومية، أو قد ترغب في العمل لدى شركة تصنيع، غالباً يكون فيها وظائف ومختبرات لتطوير المنتجات وضمان الجودة، أو الكشف عن الملوثات البيئية والصحية...الخ. ستسمح لك العديد من هذه الوظائف بإجراء بحث علمي ونشر مقالات في المجلات وحضور المؤتمرات، وربما الشعور بالأمان الوظيفي الذي غالبًا ما يكون غائبًا عن العديد من المناصب غير الثابتة داخل الأوساط الأكاديمية. وحسب تخصصك العلمي الجامعي، يمكنك دراسة الماجستير أو الدكتوراه في تخصص يكمل ويعزز معرفتك اللازمة لعمل خارج الوسط الأكاديمي، فضلاً عن منصات التعلم ودورات التدريب والتعليم التي يمكنك الانخراط فيها، وهذه الأمثلة لا تكاد تحصر خاصة في ظل تطور متطلبات المدنية الحديثة.

 إذا لم تعد مهتمًا بالبحث العلمي في أي مرحلة من حياتك المهنية، فهناك دائمًا الكثير من الخيارات التي يمكنك متابعتها. فعليك التفكير مليًا في أفضل السبل لتسويق مجموعة مهاراتك الفريدة لجمهور غير علمي. الباحث العلمي يمتلك الكثير من المهارات التي يبحث عنها آخرون في مجالات علمية وغير علمية، مثل التفكير المنطقي والاستنتاج الأقرب للدقة التي تدرب عليها أثناء قيامه ببحوثه، ثم مهارة حل المشاكل وتحليل البيانات وإيجاد الحلول، ...الخ. على سبيل المثال، توضح كتابة أطروحة أو ورقة بحثية في مجلة علمية محكمة أن لديك مهارات ممتازة في الاتصال الكتابي وإدارة الوقت، بينما يمثل تحليل البيانات وإعداد التجارب مثالاً على مهارات حل المشكلات لديك. يمثل تقديم بحثك في مؤتمر مهارات الاتصال الشفوي المتميزة لديك، بينما يُعبر الإشراف على الطلاب الجامعيين عن استعدادك للعمل الجماعي والقيادة، والقيام بكل ما سبق هو شهادة على قدرات تعدد المهام. إن التعرف على تجاربك كدليل على المهارات التي قد يبحث عنها الآخرون هو مفتاح تطوير سيرة ذاتية جذابة وفعالة. (راجع فصول ومقالات الكتابة العلمية ومهارات التواصل التي سبق نشرها على موقعنا هذا).

هناك العديد من الوظائف خارج البحث العلمي والتي من شأنها أن تستفيد بشكل كبير من مهاراتك القابلة للنقل. إنها مجرد مسألة العثور عليها وعدم تضييق الأفق بسبب التفاصيل الدقيقة لما قد تكون عملت عليه في الماضي، المرونة والتعلم الذاتي والمستمر، مهارات وصفات يجب أن تحرص عليها، ويجب التحرر من الأفكار التقليدية والانطلاق للفضاء الواسع. إذا كانت لديك القدرة على إيصال أبحاثك إلى جمهور متنوع، فيمكنك التفكير في مهنة التدريس، مثلاً، في بلدك (وأجزاء أخرى كثيرة من العالم)، هناك نقص كبير في معلمي العلوم المؤهلين، وخاصة أولئك الذين لديهم خبرة في الفيزياء، والرياضيات، والكيمياء، والحوسبة. أو قد تفضل أن تكون كاتباً علمياً، أو مستشارا علمياً...

إذا قررت ممارسة مهنة في الأوساط الأكاديمية كأكاديمي يركز على البحث، فلتكن واقعيًا. في معظم البلدان، يتزايد عدد طلاب الدكتوراه بمعدل أكبر من الزيادة في الإنفاق الحكومي على البحث، أو المعدل الذي قد يؤدي به عدد الطلاب الجامعيين إلى زيادة الطلب على التدريس الجامعي. هذا يعني أنه لا توجد وظائف أكاديمية دائمة كافية لكل خريج دكتوراه، ويضطر العديد من الباحثين المتميزين إلى العثور على عمل من خلال سلسلة من العقود محددة المدة التي قد توفر أمانًا وظيفيًا أقل وقد تنطوي على الانتقال لمسافات طويلة، ربما خارج بلادهم. لمنح نفسك أفضل فرصة للحصول على ذلك العمل، يجب أن تكون لديك سيرة ذاتية وخبرة تُظهر القيادة والاستقلالية، فغالبًا ما يكون التقدم بطلب للحصول على زمالات أو إعارات، بمثابة نقطة انطلاق في فترة الدراسة الأكاديمية. إن الحصول على منصب ثابت في الأوساط الأكاديمية ليس بالأمر المستحيل، لكنه بالتأكيد أكثر صعوبة مما كان عليه في أي وقت مضى.

عند التفكير في خطوتك المهنية التالية، كن على دراية بأن ترك الأوساط الأكاديمية لا يغلق الباب بشكل دائم أمام عودة مستقبلية. إذا ظهرت فرصة بعيدًا عن الأوساط الأكاديمية، فلا ترفضها دون تفكير؛ فقد قضى العديد من الأكاديميين الناجحين وقتًا بعيدًا عن الأوساط الأكاديمية، وتحسنت حياتهم المهنية بشكل كبير بسبب ذلك، بل لقد كانت الخبرة العملية التي اكتسبوها هناك ثروة وميزة جعلتهم أكثر واقعية وأوسع أفقاً وأكثر اتساعاً لشبكاتهم ومعارفهم.

مقترح: اكتب خطة خمسية

سيساعدك وجود خطة مدتها خمس سنوات على التركيز على أهداف حياتك المهنية المستقبلية. إن تخصيص الوقت الآن للتخطيط لما تريد تحقيقه على مدى السنوات الخمس المقبلة سيساعد أيضًا في ضمان زيادة فرصك إلى الحد الأقصى، وسيكشف عن المهارات التي تحتاجها للتطوير أكثر والأماكن الأفضل لتركيز وقتك وطاقتك. فكر في المنح أو الزمالات التي ترغب في التقدم لها، وعدد المنشورات التي تهدف إلى إنتاجها، وأي جوائز أو أوسمة ترغب في الحصول عليها.

____ والله الموفق ،،،

البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org

سلسلة ضع بصمتك على الإنترنت

- المدونة والبودكاست
- يوتيوب YouTube
- وسائل التواصل الاجتماعي
- تويتر Twitter
- فيس بوك
- مزيدا من وسائل التواصل
- التعاون الرقمي

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة