للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة

بكتيريا لعلاج متلازمة التمثيل الغذائي واضطرابات القلب

  • أ‌. د. عبدالرؤوف المناعمة - روان حسن ريده

    الجامعة الإسلامية/غزة - فلسطين

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    12:32 م

  • تاريخ النشر

    12 يونيو 2022

تُعد اضطرابات التمثيل الغذائي المرتبطة بالسُمنة واضطرابات القلب والأوعية الدموية من الأوبئة العالمية التي تتأثر بعدد كبير من العوامل البيئية المختلفة، من أهمها؛ الدور الرئيسي الذي يلعبه النبيت الميكروبي المعوي Gut Microbiota؛ حيث يتدخل في استقلاب الطاقة ومدى حساسية العائل (المضيف) للعديد من الأمراض غير المعدية. تُعتبر بكتيريا آكرمانسيا ميوسينوفيلا من أكثر الميكروبات المفيدة الواعدة في تنظيم التمثيل الغذائي للعائل؛ فهي ترتبط عكسياً بالسمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والالتهابات ذات الدرجة المنخفضة؛ فتتواجد بوفرة في الأفراد النحيفين وغير المصابين بالسكري. والى جانب هذه الارتباطات، أثبتت مجموعة كبيرة من الأدلة التأثير المفيد لهذه البكتيريا في مجموعة متنوعة من النماذج في المرحلة ما قبل السريرية.

من خصائص بكتيريا A. muciniphila أنها لا هوائية اجبارية، سالبة لصبغة جرام, و تعايشيه؛ فهي تعيش بصورة طبيعية في الجهاز الهضمي للإنسان والحيوان, تم عزلها في عام 2004, وهي من أكثر الجراثيم المعوية البشرية وفرةً؛ حيث تمثل ما نسبته 0.5 و 5 % من اجمالي البكتيريا التي تستعمر الأمعاء، ويتم العثور عليها في امعاء الرضع ثم تزداد وفرة حتى سن البلوغ, وقد عُثر عليها كذلك في حليب الأم؛ ويُعتقد أنها تنتقل من حليب الأم للطفل الرضيع خلال عملية الرضاعة, وهذا ما يفسر سبب تواجدها في امعائهم في وقت مبكر جداً من حياتهم.

لعل من أهم السمات المُميزة لبكتيريا آكرمانسيا هي قدرتها على العيش في الطبقة المخاطية التي تغطي الخلايا الظهارية المعوية، وقدرتها على انتاج إنزيمات تحلل الميوسين Mucin –بروتين سكري ذو وزن جزيئي كبيرو مكون رئيسي للطبقة المخاطية- وبعد تحليل الميوسين تقوم باستخدامه كمصدر للكربون والنيتروجين والطاقة؛ فينتج حمض الخليك والبروبيونيك. وعند تخمير الميوسين، يتم إطلاق الكبريتات. وبفضل هذه الانزيمات المحللة للميوسين، فإن بكتيريا آكرمانسيا وعلى عكس أنواع البكتيريا الاخرى- لا تعتمد على الألياف وجزيئات الطعام الاخرى التي تعرف بإسم البريبيوتكس prebiotics كمصدر أساسي للتغذية، بل إن الجسم البشري يوفر لهذه البكتيريا الركائز الميكروبية الخاصة بها وهي "المخاط"؛ وهذا يضفي لها ميزة تنافسية شديدة.

أشارت العديد من الدراسات الى انخفاض المستويات النسبية لبكتيريا آكرمانسيا في حالات السمنة واضطرابات التمثيل الغذائي لدى البشر والفئران. ولدراسة العلاقة السببية بين البكتيريا وتحسينات التمثيل الغذائي، تم التحقق من تأثير المكملات اليومية التي تحتوي على بكتيريا آكرمانسيا حية تؤخذ عن طريق الفم على ظهور السمنة ومرض السكري، تبين ان اعطاء بكتيريا آكرمانسيا الحية بجرعة 2X108  خلية بكتيرية يومياً, يقي جزئياً من السمنة التي يسببها النظام الغذائي في الفئران, وبالفعل أظهرت الفئران التي عولجت بالبكتيريا الحية انخفاضاً في معدل زيادة الوزن بنسبة 50% دون ادخال أي تغيير على نظامها الغذائي أو التخلص من الدهون الغذائية في البراز. وانعكست هذه التأثيرات الوقائية التي توفرها البكتيريا من خلال وجود انخفاض بمعدل مرتين لكتل دهنية حشويه وتحت الجلد من الفئران التي لم تتلقى البكتيريا، اضافة الى زيادة في وجود علامات اكسدة الاحماض الدهنية في الانسجة الدهنية. كما ان الحيوانات التي تلقت البكتيريا الحية لم تعد تُظهر مقاومة للأنسولين، ولا تسلل الخلايا الالتهابية (CD11c) الى الأنسجة الدهنية، وهي إحدى السمات الرئيسية للسمنة وما يرتبط بها من التهاب ذو درجة منخفضة.

يسهم اعطاء بكتيريا آكرمانسيا الحية ايضا في استعادة الإنتاج الداخلي للببتيدات المضادة للميكروبات وتزيد من الإنتاج الداخلي للدهون النشطة بيولوجياً التي تنتمي إلى عائلة endocannabinoid والمعروفة بأن لها أنشطة مضادة للالتهابات، كما وتنظم الإنتاج الداخلي لببتيدات الأمعاء التي لها علاقة بتنظيم الجلوكوز. تجدر الإشارة إلى أن كل هذه النتائج قد تم تأكيدها لاحقاً من قبل مجموعات بحثية مختلفة وامتدت لتشمل اضطرابات أخرى مثل تصلب الشرايين والتهاب الكبد وارتفاع الكوليسترول الدم.

تعزز كل هذه البيانات مجتمعة الافتراض القائل بأن بكتيريا آكرمانسيا الحية يمكن اعتبارها ميكروباً مفيداً من الجيل التالي مع خصوصية استثنائية أن هذه البكتيريا يمكن أن تعمل على جوانب عديدة من متلازمة التمثيل الغذائي واضطرابات القلب. ومع ذلك، فقد أثارت هذه الاكتشافات أسئلة أساسية مختلفة لا يزال يتعين دراستها على البشر بهدف إنشاء أدوات علاجية جديدة.

تتطلب بكتيريا آكرمانسيا ظروف استزراع استثنائية، مثل توفر الميوسين حيواني المصدر على سبيل المثال. وعلى الرغم من استطاعة هذه البكتيريا التنفس في ظروف تتوفر فيها مستويات قليلة من الاكسجين، الا أن خلاياها حساسة نسبياً له. تمثل هذه الخصائص عقبة أساسية في محاولة إعطاء بكتيريا آكرمانسيا الحية للإنسان لتقييم إمكاناتها العلاجية او الوقائية؛ وبالتالي فأن هذه التعقيدات تحد من آفاقها العلاجية. ولحل هذه المشكلة، تم تطوير وسط صناعي يسمح باستزراع البكتيريا بحيث تكون الانتاجية عالية، ولا تحتوي على المركبات التي من شأنها ألا تتوافق مع اعطاء البكتيريا للبشر.

في عام 2013، تبين أن التأثيرات الوقائية لـبكتيريا آكرمانسيا كانت قد اختفت تماماً عندما تم قتل البكتيريا باستخدام جهاز التعقيم بالبخار المضغوط Autoclave، كان هناك فضولاً لدراسة تأثير البسترة pasteurization عليها. البسترة هي طريقة تثبيط تعتمد على حرارة أقل مقارنة بالتعقيم عن طريق البخار المضغوط الذي سبق ذكره. وعند اختبار تأثير بكتيريا آكرمانسيا المبسترة (على درجة حرارة 70 درجة ولمدة 30 دقيقة) على اضطرابات التمثيل الغذائي التي يسببها النظام الغذائي في الفئران، تبين وبشكل غير متوقع أن طريقة التعطيل هذه لم تلغِ التأثير المفيد للبكتيريا بل على العكس تماماً فقد ازداد الأثر. أدى تأثير بكتيريا آكرمانسيا المبسترة إلى زيادة فقدان الطاقة في براز الفئران المعالجة؛ مما يشير إلى انخفاض في امتصاص الطاقة، وهذا يمكن أن يساهم في تفسير انخفاض الوزن. كما حسنت بكتيريا آكرمانسيا المبسترة بشكل لافت تحمُّل الجلوكوز، وحساسية الأنسولين الكبدي، ومنعت تماماً التسمم الداخلي الأيضي الناجم عن النظام الغذائي، وقللت الدهون الثلاثية في الفئران المعالجة.

إن هذه السمات الفريدة للبكتيريا لا تعني استبعاد حقيقة ضرورة إجراء التحقيقات البشرية وتقييمات السلامة، لكي تصبح مكملًا غذائياً مُفترضاً في المستقبل. ولهذا كان لابد من اختبار السلامة وتقييم السمية وظهور الآثار الجانبية المحتملة المتعلقة بإعطاء بكتيريا آكرمانسيا في البشر. أشارت البيانات الأولية إلى أن بكتيريا آكرمانسيا (نشطة أو مبسترة) يمكن تحملها لدى الأفراد المصابين بمتلازمة التمثيل الغذائي ولم تظهر نتائج تشير الى سمية او ضرر.

يُفترض أن تحقيق نظام بيئي ميكروبي متناغم للأمعاء يشكل طريقة ناجحة للتخفيف من اضطرابات التمثيل الغذائي. ولان اللاعبين في هذا النظام كثر، فإن الوصول لهذا الاتزان امرا ليس سهلاً ويحتاج عديد الدراسات والأبحاث. وربما يشكل اكتشاف بكتيريا آكرمانسيا ودور ها الإيجابي المحتمل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.

 

مرجع رئيسي

Cani, P. D., & de Vos, W. M. (2017). Next-generation beneficial microbes:
  The case of Akkermansia Muciniphila. Frontiers in Microbiology, 8.
> https://doi.org/10.3389/fmicb.2017.01765

 

للتواصل مع الكُتاب: rawaaan10001@gmail.com | elmanama_144@yahoo.com

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

تعرف على جائزة منظمة المجتمع العلمي العربي 2022

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */