للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

من جدري البشر إلى جدري القرود

  • الدكتور/ محمد نورين بن أحمد الأهدل

    أستاذ متقاعد في الفيروسات والمناعة، جامعة الفيصل، مستشفى الملك فيصل التخصصي، الرياض، السعودية

  • ما تقييمك؟

    • ( 3.5 / 5 )

  • الوقت

    11:29 م

  • تاريخ النشر

    25 مايو 2022

الكلمات المفتاحية :

منذ عام 1980 تمَّ الإعلان عن إستئصال مرض جدري البَشَر smallpox وخلو الكرة الأرضيّة تقريباً منه. يتسبب في الإصابة بهذا المرض فيروس يُدعى variola virus، والذي كان موجوداً منذ آلاف السنين. وهذا الاستئصال قد يكون نتيجةً لحملات التطعيم المُكثَّفة التي قامت بها دول العالم تحت إشراف منظمة الصحة العالمية، ونتفاجأ هذه الأيّام بظهور مرض مشابه يسمّى مرض جدري القرود monkeypox، والذي يتسبب فيه فيروس يُدعى virus monkeypox (وهو متقارب جينياً مع فيروس جدري البشر وهو شبه مستوطن في غرب ووسط إفريقيا).

في وقتنا الراهن، ظهرت الحالة الأولى منه في بريطانيا في 13 مايو 2022، ومن ثم تمَّ تسجيل حالات أخرى في عدة دول في أوروبا وكذلك في أمريكا الشمالية وأستراليا، وحديثاً في فلسطين المحتلة وسنغافورة، وأصبح عدد الحالات في العالم يزيد عن 120 حالة في أكثر من 12 دولة لم تعرف هذا المرض سابقا. وقد أكتشف هذا الفيروس في القردة سنة 1958 وأول حالة مؤكدة ظهرت في الكونغو في سنة 1970، ومنذ سنة 1971 سُجّلت حالات في أكثر من 10 دول في وسط وغرب إفريقيا وخاصة في مناطق الأدغال والغابات المطيرة، وما وُجد من حالات في دول أخرى كانت نتيجة السفر أو استيراد حيوانات موبوءة.

رغم مشابهته لمرض جدري البشر إلا أنّه أقل خطورة وإنتشارا وأكثر إعتدالا في إمراضيّته، وبالتأكيد أقل إنتشارا بكثير من أمراضٍ فيروسية أخرى كثيرة، وخاصة تلك التي تتسبب فيها الفيروسات التي تكون مادتها الوراثية من نوع الـــ "رنا RNA" مثل الكوفيد-19، والسبب الأصلي لقلق بعض الناس هو أنه أتى بعد جائحة كورونا وظهر في أقطار ليس من المعتاد أن يظهر فيها، ويتعافى المرضى منه في غضون أسابيع قليلة، وتتلاشي آثاره من ندوب وخلافه خلال أشهر قليلة أيضا، وبحمد الله، لم تُسجّل أي حالة من هذا المرض في المنطقه الجغرافيه العربية سوى الحالة الموصوفة في فلسطين المحتلة. وعليه، ليس هناك أي داعٍ للهلع والقلق، ولكن من المنصوح به أن يتم عزل الحالات المؤكدة أو المشكوك فيها، والاحتراز من ملاصقة المرضى بشكل وثيق لمده طويلة، واليَقظَة عند التعامل مع الحيوانات الضالّة.

تصنيف الفيروس المسبب للمرض

يُعتقد أن العائل الأصلي هو من مجموعة القوارض، ولكن الفيروس تمت تسميته بفيروس جدري القردة أو القرود لأن إكتشافه تمَّ في قرود جُلبت إلى امريكا لأغراض البحث العلمي، وينتمي جدري القردة إلى مجموعة تُدعى جنس فيروسات أورثوبوكس، والتي تعود إلى عائلة فيروسية مادتها الوراثية من نوع "دنا DNA" تسمى بوكسفيريدي والتي هي من أكبر الفيروسات حجما، وهذه المجموعة تحتوي أيضا على فيروس جدري البشر. وللآن هناك سلالتان من فيروس جدري القردة متواجدة في غرب أفريقيا (وهي أقل ضراوة) ووسط أفريقيا، ولطبيعة حمضه النووي فإن حدوث متحورات كثيرة منه (كما حصل مع فيروس كوفيد-19) نادرة جدا، وتجب ملاحظة أن ما يسمى بــ "جدري الماء chickenpox" (ويسمى محلياً بالــ "عنقز") هو من عائلة مختلفة تماما (عائلة فيروسات الهيربيس) وتمت التسمية قديما لمشابهته لجدري البشر في شكل الطفح الجلدي.

طرق الإنتقال

ينتقل المرض بشكل أساسي عن طريق الحيوانات (القوارض و القِردَة بشكل خاص وأحياناً الكلاب) وملامسة أجساد المرضى والأسطح الملوثة بالفيروس بشكل وثيق ولفترة طويلة نسبياً، ولا ينتقل عن طريق الهواء في الأماكن المكتظّة، وغالبية المرضى يكونون من ذوي العمر الأصغر، لأن معظم من هم فوق الخمسين عاما سبق وقد أخذوا لقاح جدري البشر والذي يُعطي حماية محدودة ضد جدري القرود، ولايزال تحت الدراسة معرفة ما إذا كان هذا المرض ينتقل عن طريق سوائل الأجهزة التناسلية، ويظل هذا المرض عالميا كفاشية في تجمعات محدودة في بعض الدول، ولكن ليس هناك أي عالم أو خبير يتنبأ بأن يتحول هذا المرض إلى جائحة عالمية تقتل ملايين الناس وتتسبب في أوضاع اقتصادية واجتماعية كارثيّة كما حصل مع مرض كوفيد-19، ومع كل هذا فإنه لابد من أخذ الإحترازات الضرورية في الدول المختلفة، وأخذ الحذر عند تعامل الأفراد مع الحيوانات غير الأليفة. وحالياً فإن سبب التنويم في المستشفيات هو لتخفيف الأعراض بالعلاج الداعم ولعزل المرضى، ولا نعلم عن أي حالة إستوجب وضعها أن تكون في وحدات العناية المركزة سوى من لديهم نقص في المناعة.

طرق الفحص المخبري

رغم أن رؤية حبيبات الفيروس بالمجهر الإلكتروني على عينات من التقرحات الجلدية جيّد ويُعطي دلائل قوية على نوعية الفيروس، إلاّ أن منظمة الصحة العالمية توصي بالفحص بالطرق الجزيئية (بي سي آر  PCR) والتي هي الأفضل والأكثر تخصصاً لمعرفة وجود الفيروس في سوائل الحويصلات الناتجه من الطفح الجلدي.

أعراض المرض والعلاج والحماية

المُلاحظ من الحالات القليلة المرصودة هو أن تظهر بداية المرض على شكل حمى، صداع، آلام في العضلات، آلام في الظهر، تضخُّم في العقد اللمفاوية، وإعياء، وتستمر فترة الحضانة إلى 21 يوما على الأكثر، ويظهر المرض جليا بعد ذلك على هيئة طفح جلدي في الوجه ثم ينتشر إلى بقية أجزاء الجسم. وبمرور الوقت يتغير هذا الطفح إلى أشكال مختلفة كأن يكون على شكل حويصلات بها سائل قبل أن يتعافى ويصبح كقشرة على الجلد تسقط بعد فترة، وتتراوح عدد الوفيات من صفر إلى 11% بين الحالات المؤكدّة، غالبيتها من الأطفال وصغار السن، ولكن هذه النسب تقل كثيراً في الدول ذات الرعاية الصحية المتقدمة.


شكل المرض والفيروس المسبب

ولا يوجد حاليا علاج متخصص لهذا المرض وإنما معالجاتٌ تدعيميّة لتخفيف حدة المرض مثل إعطاء السوائل عن طريق الوريد ومعالجة التقيؤ إن وُجد ومضادات حيوية لو حصل للمريض عدوى ثانوية، ويُعتقد أن مضادات الفيروسات التي طًوِّرت قديما ضد جدري البشر قد تفيد في التخفيف من حدة هذا المرض. وهناك لقاح ضد جدري البشر وجدري القرود تمَّت الموافقة عليه من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2019 ولكنه ليس متوفِّراً ومُتاحاً على نطاق واسع لجماهير البشر حتى الآن، ويُعتقد أن لقاح جدري البشر قد يفيد في منع حدوث المرض أو التخفيف من حِدَّته ولكن هذا اللقاح لم يعد شائعاً ومستخدماً منذ السبعينيات حين أُ علن عن إستئصال مرض جدري البشر، وهذا السبب في أن كبار السن الذين تم تطعيمهم بلقاح الجدري قديما يكونون أقل عرضه لهذا المرض.

الخاتمة

لأنه لم تُسجّل أي حاله في منطقتنا العربية سوى الحالة الموصوفة في فلسطين المحتلة، ولأن عدد الحالات في العالم قليل ومتناثر وفي مستوى غير مقلق، ولأن فيروس جدري القرود قديم ومعروف ودُرِس التسلسل الجيني لحمضه النووي (وهو ما لم يحدث في حالة فيروس كوفيد-19)، ولإن إنتقاله بين الناس محدود، ولأن إحتماليات تحوّر الفيروس قليلة جدا، ولأن الوفيات القليلة منه تُعزى إلى قلّة تواجد الرعاية التدعيمية، ولأن الرعاية الصحية والإنتباه للأمراض المُعدية أصبح أكثر وأفضل من ذي قبل (خاصةً بعد إعلان جائحة كوفيد-19)، فلا نرى أن يكون هناك أي داعٍ للهلع أو القلق، ولكن الحذر والإحتراز واليَقَظَة واجب علينا جميعا خاصةً وأن ظهور هذا المرض حديثاً لم يمضِ عليه سوى أسابيع قليلة ولانزال لا نعلم يقيناً ما يمكن أن يحدث من تطوّرات غير منظورة وغير متوقعة.


الشجره الجينية التي توضح التقارب الجيني لفيروسات الجدري

 

كتبه في يوم 23 مايو 2022م

تواصل مع الكاتب: profahdal@gmail.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */