هل يمكن للاكتئاب أن يسبب تغيرات دائمة في الخلايا المناعية؟ سؤال طرحته ماريبث جالاجر Marybeth Gallagher على موقع ميديكال نيوز توداي 19 إبريل الحالي 2022. والإجابة عن هذا السؤال جاءت كما ذكرت ماريبث في الدراسة التي نُشرت 19 إبريل الجاري 2022 في مجلة Translational Psychiatry، أجراها باحثون من جامعة زيورخ في سويسرا، والجامعة التقنية في درسدن (TU Dresden)، ومعاهد ماكس بلانك لعلوم الضوء، و Max-Planck-Zentrum für Physik und Medizin Erlangen في ألمانيا.

أجرى الباحثون دراسة حالة وضوابط مقطعية باستخدام اختبار يمكن أن يحدد قدرة الخلية على تغيير شكلها باستخدام عينات دم صحية بناءً على التغيرات في صور خلايا الدم. وتوصل الباحثون لأول مرة إلى وجود صلة بين الاكتئاب والتغيرات في أشكال الخلايا المناعية ووظائفها. ووجدوا أنه يمكن أن يسبب تغيرات فسيولوجية سلبية في الجسم، بما في ذلك الالتهاب منخفض الدرجة وزيادة إنتاج بعض الهرمونات المرتبطة بالتوتر.

وجدت دراسة جديدة أن هرمونات التوتر المرتفعة والالتهابات المزمنة التي لوحظت في حالات الاكتئاب طويلة الأمد يمكن أن تتسبب في ثني أغشية الخلايا وتشوهها. حيث يمكن أن تتسبب هذه الاستجابات الفسيولوجية للاكتئاب في فقدان غشاء الخلية المناعية قدرته على الحفاظ على شكله وتنظيمه الداخلي، مما يؤثر على وظيفته وربما يؤدي إلى أمراض أخرى.

وقد توصلت الدراسة الجديدة إلى وجود صلة بين الاضطرابات الاكتئابية المستمرة على المدى الطويل والتغيرات الميكانيكية في خلايا الدم والتغيرات في شكل الخلايا المناعية ووظيفتها. اشتملت الدراسة على 69 شخصًا خضعوا للفحص المسبق ومعرضين لخطر كبير للإصابة باضطرابات الاكتئاب و 70 شخصًا يتمتعون بصحة جيدة. خضع المشاركون لتقييم إكلينيكي باستخدام عملية مقابلة سريرية معترف بها عالميًا لتشخيص حالات الصحة العقلية، تسمى المقابلة التشخيصية الدولية المركبة.

بواسطة طريقة الذكاء الاصطناعي (AI) للتعلم العميق والتي إستطاع من خلالها الباحثون عمل مسح لأكثر من 16 مليون صورة لخلايا الدم. تم تصنيف هذه الصور بعد ذلك إلى أنواع خلايا الدم الرئيسية وتم قياسها باستخدام معلمات مثل حجم الخلية، بالإضافة إلى قدرتها على تغيير الشكل وإظهار تشوه غشاء الخلية.

 اكتشف العلماء أن خلايا الجهاز المناعي المعروفة باسم الخلايا الوحيدة والخلايا الليمفاوية والعَدِلات كانت أكثر تشوهًا في المرضى الذين يعانون من اضطراب اكتئابي مستمر على مدى حياتهم مقارنةً بالمجموعة الضابطة. ويتطلب الاضطراب الاكتئابي الرئيسي (MDD) مرحلة مدتها أسبوعين ليتم تشخيصها واختيار معايير محددة، إذا تم تشخيصه. بالمثل، فإن الاضطراب الاكتئابي المستمر (PDD) يستمر لأكثر من عامين ويمكن أن يؤثر على الفرد مدى الحياة.

يسبب الاكتئاب التهابًا مزمنًا منخفض الدرجة ويزيد من إنتاج هرمون التوتر. يمكن أن يتداخل كلا هذين التأثيرين مع بنية الخلايا المناعية عن طريق تشويه شكلها. ويعتقد الباحثون أن هرمونات الإجهاد مثل الجلوكوكورتيكويدglucocorticoids  تزيد من بعض خلايا الدم البيضاء وتشير إلى الالتهاب عندما يتم تنشيط محور (ما تحت المهاد - الغدة النخامية - الغدة الكظرية) أثناء القلق أو الاكتئاب". ينتج عن الالتهاب المزمن والاكتئاب المزمن مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية، مثل الكورتيزول، الذي يشوه بنية خلايا الدم البيضاء للمناعة. وهذا التشوه (الناجم عن الاكتئاب) كما يصفها فريق البحث والذي يحدث في خلايا الدم البيضاء يقلل من قدرتها على مكافحة العدوى أو إصلاح الضرر ويزيد من خطر الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض إلى جانب الاكتئاب.

يتسبب الالتهاب المزمن في السمنة وأمراض القلب والخرف والسكري وأمراض المناعة الذاتية أو يزيدها سوءًا.  وأضاف الدكتور زابلو من فريق البحث إنه في المستقبل، يمكن أن يصبح اختبار تشوه خلايا الدم معيارًا للأشخاص الذين يعانون من التهاب مزمن أو أولئك المعرضين لخطر متزايد من الاكتئاب على المدى الطويل.

أولئك الذين يواجهون صعوبات في حياتهم قد يصيبهم اليأس ويصبحوا عرضة للإكتئاب والإحباط، والتي من عواقبها التوقف عن الحماس والإقبال على الحياة، وقد يصل الأمر بالبعض في الحالات الشديدة إلى التخلص من حياتهم.

ومن أهم وسائل الحماية من الاكتئاب وآثاره المدمرة على حياة الإنسان وصحته، هو الإيمان بالله وحكمته ولطفه وواسع رحمته، بل إنه لا ييأس من رحمته سبحانه إلا القوم الكافرون، كما قال عز وجل، في سورة يوسف:" نَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". وأمر عباده ألا يقنطوا من رحمته سبحانه. والحمد لله رب العالمين.

المراجع

- https://www.medicalnewstoday.com/articles/can-depression-cause-lasting-changes-in-immune-cells
- https://www.nature.com/articles/s41398-022-01911-3
- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6616181/
- https://sheldonzablowmd.com/

تواصل مع الكاتب: redataha962@gmail.com​

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة