للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

التكنولوجيا النووية .. والتغلب على رهاب الإشعاع

  • أ. د. عمر دسوقي

    أستاذ الفيزياء الحيوية الإشعاعية - هيئة الطاقة الذرية المصرية

  • ما تقييمك؟

    • ( 3.5 / 5 )

  • الوقت

    10:01 ص

  • تاريخ النشر

    29 مارس 2022

التكنولوجيا النووية مهددة برهاب الإشعاع. إنه ينبع من إساءة فهم التأثيرات الإشعاعية المختلفة والاعتقاد بأن الإشعاع مادة مسرطنة عند كل المستويات الإشعاعية. ويمكن تعريف رهاب الإشعاع بأنه مصطلح يصف العلاقة الاجتماعية والنفسية والثقافية بين الأفراد والإشعاع المؤين، ويتميز بعدم التطابق الواضح فيما يتعلق بالآثار الصحية الفعلية والمتصورة للتعرض للإشعاع.

الخوف من الإشعاع هو الخوف من الإشعاع المؤين. تشمل الأمثلة المرضى الذين يرفضون إجراء الأشعة السينية لأنهم يعتقدون أن الإشعاع سيقتلهم. وبالنظر إلى وجود الإشعاع الطبيعي والذي يسمى إشعاع الخلفية في كل مكان على الأرض من غاز الرادون المنبعث من التربة والصخور الأرضية والإشعاع الكوني، فإن مستويات معينة من الإشعاع تعتبر غير ضارة.

وتعتبر الهوة بين التصور العام وبيانات الضحايا الفعلية في الحوادث النووية هي شهادة على عقود من المفاهيم الخاطئة والمعلومات الخاطئة والفهم الخاطئ حول الإشعاع، والتي تعززها تلك الصور المشينة في الثقافة الشعبية. وتعتبر الأفلام مثل أفلام ما بعد هيروشيما والكتب المصورة، والروايات كانت الرسالة الأساسية هي أن الإشعاع سيء ويمكن أن يجعل البشر والمخلوقات الأخرى تنمو أو تتقلص؛ أو يمنحهم قدرات خاصة؛ أو تحويلهم إلى وحوش.

على سبيل المثال؛ أدى الانهيار الجزئي لثلاثة مفاعلات في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية اليابانية في عام 2011 إلى عمليات إجلاء جماعية غير ضرورية؛ يقول العديد من الخبراء الآن أنها أدت إلى وفيات أكثر من الزلزال والتسونامي اللذين تسببا في وقوع الحادث. وقد أدى هذا النهج إلى خسائر غير ضرورية في الأرواح بسبب عمليات الإجلاء القسري المؤلمة والانتحار والإجهاض غير الضروري بعد حادث فوكوشيما النووي ".

أهمية الإشعاع في حياتنا

يلعب الإشعاع المؤين دورًا مهمًا في حياتنا؛ فقد أحدث استخدام الأشعة السينية ثورة في تشخيص وعلاج الكثير من الأمراض. ومن الصعب تخيل رعاية طبية حديثة بدون أشعة سينية تشخيصية أو علاجية، بما في ذلك التصوير المقطعي الحاسوبي (CT)، والطب النووي واستخدام الإشعاع المؤين في علاج الأورام. كل المستشفيات متوسطة ​​الحجم في البلدان المتقدمة يوجد لديها وحدة للعلاج الإشعاعي التي توفر العلاجات لكثير من مرضى السرطان. علاوة على ذلك أكثر من 10% من كهرباء العالم يتم توفيرها من محطات الطاقة النووية. هذا بالإضافة إلى التطبيقات الصناعية المختلفة للمصادر المشعة مثل التصوير الإشعاعي الصناعي واستخدام الإشعاع المؤين في تحسين جودة الغذاء.

ما هي الآثار الصحية للجرعات الإشعاعية المنخفضة؟

يجب التأكيد على أن الجرعات الإشعاعية المرتفعة يمكن أن تقتل الإنسان وأي كائن حي آخر، بالإضافة إلى ذلك، فهو بالتأكيد مادة مسرطنة لمن نجوا من متلازمة الإشعاع الحاد، ولذلك فإن الإشعاع المؤين (مثل العوامل الخطرة الأخرى) يجب استخدامه بحذر. ولكن السؤال الرئيسى هو، ما هي الآثار الصحية الضارة للتعرض للإشعاع بجرعات منخفضة؟ مثل تلك المستخدمة في التشخيص الطبي، ومثل تلك التى نتعرض لها بشكل طبيعي؟ تُعتبر الجرعة التراكمية التي تصل إلى 100 مللي سيفرت جرعات منخفضة (السيفرت هي وحدة الضرر الإشعاعي).

تم اكتشاف الآثار الضارة الحادة للإشعاع المؤين للجرعات المرتفعة في القرن التاسع عشر، وفي ذلك الوقت كان الممارسين الطبيين هم الأشخاص الأكثر تعرضًا للإشعاع المؤين. تم تشكيل اللجنة البريطانية للحماية من الراديوم والأشعة السينية عام 1921. وفي عام 1924، تم اقتراح 0.2 رونتيجين في اليوم كمعدل للجرعة المسموح بها للإشعاع. وهذا المعدل المقترح يعادل 500 مللى سيفرت في السنة على الاقل، وفي سنة 1931 تم تشكيل اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع وقامت بقبول هذا المستوى من التعرض المهنى. ولا يوجد دليل قوي على أن مثل هذا التعرض للممارسين الطبيين (0.2 رونتيجين في اليوم) تتسبب في ضرر من أي نوع.

حدود التعرض الحالية أقل بكثير، على سبيل المثال، يحدد ICRP التعرض المهني بحد 20 مللي سيفرت / سنة (25 مرة أقل من الحد الذي تم اقراره من قبل اللجنة الدولية للوقاية الإشعاعية سنة ICRP-1931) والحد الأقصى لعامة الناس عند 1 مللي سيفرت / سنة (500 مرة أقل من ذلك الحد).

التسرطن الإشعاعي بالجرعات الإشعاعية المرتفعة تم اعتباره حاليا كتأثير صحي إشعاعي طويل الأمد. التأثير السرطاني للإشعاع عامة ضعيف (على الرغم من أن معظم عامة الناس يتصور خلاف ذلك)، لتوضيح هذا الادعاء، نذكر أن عدد الوفيات الناجم عن السرطان من بين الناجين اليابانيين من القصف الذري كان على الأرجح حوالي 900 فرد خلال الفترة 1950 إلى 2009. وبالمقارنة، توفي أكثر من عشرين ألف ناجٍ لأسباب لا علاقة لها بها بالإشعاع وبالقنابل الذرية. وفي الواقع، إن حقيقة أن الإشعاع يسبب السرطان تسبب في الغموض لعقود طويلة فيما يتعلق بالآثار الناجمة عن التعرض للإشعاع بجرعات منخفضة.

نموذج الاستجابة الخطي للتسرطن الإشعاعي

ظهر نموذج عدم العتبة الخطي (LNT) الذي يعبر عن تسبب الإشعاع في ظهور السرطان في نهاية الخمسينيات؛ واستبدل مفهوم الجرعة المسموح بها والذى تحكم في مفهوم الحماية من الإشعاع لما يقرب من أربعة عقود (منذ حوالي عام 1920). وبناء على النموذج الخطي بدون عتبة LNT ، اعتبر أن كل جرعة إشعاعية مهما كانت صغيرة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان (علاقة خطية مع الجرعة). هذا النموذج هو الأساس لتنظيم الوقاية من الإشعاع في الوقت الحالي. في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، تم افتراض أن LNT فرضية لاغية، وهو افتراض يعتبر صحيحًا حتى يثبت خطأه. ومع ذلك، بما أن التسرطن الإشعاعي ضعيف فلا الحوادث النووية واسعة النطاق ولا حتى التفجيرات الذرية في اليابان قدمت أدلة وبائية ذات دلالة احصائية تدعم صحة النموذج الخطي بدون عتبة  LNT.

تطلب القصف الذري لليابان اهتمامًا خاصًا لأن الناجين من تلك الهجمات ربما يكونون أكبر المجموعات المعرضة للإشعاع التي تمت دراستها بشكل مكثف حتى الآن. في الواقع، فإن معظم التقديرات السكانية الحالية للسرطان تعتمد المخاطر التي تعقب التعرض للإشعاع في المقام الأول وعلى البيانات من دراسات مدى الحياة (LSS) لهذه المجموعة ومع ذلك، حتى هذه المجموعة المكونة من حوالي مائة ألف ناجي ليست كبيرة بشكل يكفي لتقديم نتائج ذات دلالة إحصائية للجرعات المنخفضة.

خلال العقود القليلة الماضية، كان هناك مجموعة متزايدة من الأدلة البيولوجية فيما يتعلق بآثار الإشعاع بجرعات منخفضة. هذا الدليل متزامن مع التحول في علم الأحياء الإشعاعي من وجهة نظر تتمحور حول الضرر الإشعاعي للحمض النووي بمنظور أكثر منهجية يتضمن أنظمة حماية متعددة المستويات وغير خطية.

أظهرت دراسات عديدة أن تأثيرات الإشعاع بعيدة كل البعد عن الخطية وأظهرت الدراسات التجريبية والوبائية والبيئية أن الجرعات المنخفضة من الإشعاع المؤين يمكن أن تكون مفيدة للصحة. هناك زيادة في الاهتمام بمسألة التكيف الإشعاعي أو (الآثار النافعة للإشعاع). في عام 2005 أعدت أكاديميات العلوم والطب الفرنسية تقريرا شاملا محدث يتعارض مع نموذج عدم العتبة الخطى LNT ولخصت فيه الأدلة العلمية الدالة على وجود الآثار النافعة للإشعاع.

الخلفية الإشعاعية القاعدية

تختلف مستويات إشعاع الخلفية الطبيعية بشكل كبير في المناطق الجغرافية المختلفة حول العالم. في معظم المناطق يتراوح متوسط قيم معدل الجرعة الفعّالة من 2 إلى 4 مللي سيفرت / سنة. المناطق ذات معدل الجرعة الفعّالة المرتفعة تكون أعلى من 10 مللي سيفرت / سنة وهي بشكل عام يشار إليها بمناطق إشعاع الخلفية الطبيعية العالية. في بعض المناطق مثل غواراباري في البرازيل، ولاية كيرالا (الهند)، رامسار (إيران)، ويانغجيانغ (الصين)، يمكن أن يصل إشعاع الخلفية الطبيعية إلى عدة مئات من المللي في السنة. على سبيل المثال، في محافظة رامسار في إيران، يبلغ إجمالي الجرعة الفعالة السنوية 260 مللي سيفرت /سنة.

عند المقارنة بين السكان الذين يقيمون في مناطق عالية المستوى من إشعاع الخلفية وأولئك الذين يقيمون في مناطق إشعاع الخلفية منخفض المستوى لم يتم العثور على مخاطر صحية. في الواقع، لا السرطانات ولا وفيات الطفولة المبكرة ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بجرعات إشعاع الخلفية عالي المستوى. علاوة على ذلك، أظهرت العديد من الدراسات دليل على أن مستويات إشعاع الخلفية الطبيعية يرتبط عكسيا بوفيات السرطان. فشلت الدراسات الوبائية حتى الآن في إثبات أي آثار صحية غير مرغوبة على السكان الذين يعيشون في المناطق ذات الخلفية العالية من مستويات الإشعاع. بناء على تحليل البيانات المتاحة لايمكن للنموذج الخطى بدون عتبة LNT تفسير هذه النتائج وإنما يمكن أن يكون أفضل وأوضح بنموذج العتبة أو النموذج التكيفي.

ماذا نفعل للحد من رهاب الإشعاع؟

إذا لم نتخذ أي إجراء لوقف الاستخدام غير الملائم للفرضية الخطية غير المؤكدة، فلا توجد فرضية حدية للجرعة والاستجابة، سيستمر الخوف المرضي من الإشعاع وستكون النتيجة المحتملة تقييد استخدام التكنولوجيا النووية حول العالم كما يحدث حاليا في أوروبا حيث يتم إغلاق العديد من المفاعلات النووية كما يرفض الكثير من المرضى استخدام الإشعاع في التشخيص أو العلاج. كما أن الخوف والتنظيم الوقاية الإشعاعية للحفاظ على التكنولوجيات النووية والإشعاعية المختلفة والاستفادة منها بالكامل. يجب أن نتخلى عن ضبط النفس والصمت بشأن قضية رهاب الإشعاع. يجب أن نعلم أننا نعيش في عالم ليس خاليا من الإشعاع، وأن جميع الكائنات الحية تتعرض بشكل يومي منذ ملايين السنيين للجرعات الإشعاعية الطبيعية وتتحمل ذلك بدون تأثيرات ضارة. الإشعاع منخفض المستوى آمن تمامًا وحتى من الممكن أن يكون مفيدا، وأنه من المقبول استخدام التكنولوجيا النووية في التطبيقات المختلفة مع تطبيق اجراءات الوقاية الإشعاعية المناسب وبدون ترهيب للمجتمع من تلك التكنولوجيات. ولتفعيل ذلك لابد من الحد من الرسائل السلبية للإشعاع في وسائل الإعلام عامة مع توضيح أهمية استخدام الإشعاع في حياتنا.

 

- Health Impacts of Low-Dose Ionizing Radiation: Current Scientific Debates and Regulatory Issues. Alexander Vaiserman, Alexander Koliada, Oksana Zabuga, and Yehoshua Socol.  Dose-Response: An International Journal, 2018:1-27

- Calabrese EJ. How the US National Academy of Sciences misled the world community on cancer risk assessment: new findings challenge historical foundations of the linear dose response. Arch Toxicol. 2013;87(2):2063-2081

 

 

تواصل مع الكاتب: omardesouky@yahoo.com​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */