تُعد البكتيريا والعتائق (البكتيريا القديمة) Archaea أكثرَ أنواعِ الكائناتِ الدقيقةِ وفرةً على سطحِ الأرض. ومع ذلك، لم ينجح البشر في عزلِ وتنميةِ سوى جزءٍ بسيطٍ منها؛ ولهذا السبب يمكننا القول إننا لا زلنا نجهل كثيراً من صفات وسلوكيات وقدرات هذه الكائنات الدقيقة التي لا تتوقف عن ابهارنا بكل ما هو جديد يوماً بعد يوم.

يتراوحُ طولُ معظمِ أنواعِ البكتيريا بين 1-5 مايكرومتر, وقد حصدت بكتيريا Thiomargarita namibiensis العملاقة المعروفة باسم لؤلؤة الكبريت الناميبية لقبَ أكبرِ أنواعِ البكتيريا حيث يصل طولها الى 750 مايكرومتر, وقد نجحت في الاستحواذ على اللقب لفترة طويلة؛ الى أن استطاعت بكتيريا Thiomargarita magnifica التي تم تحديدها والتعرف عليها مؤخراً والمعروفة بلؤلؤة الكبريت الكبيرة أن تسحبَ البساط من تحتِ أقدامها, فقد بلغ متوسط طولها 9000 ميكرومتر, وسجَّلت أكبر عينة لها طولاً وصل الى 2 سم, أي بحجم ذبابة المنزل و ربما أكبر قليلاً.

اكتُشفت هذه البكتيريا أول مرة منذ حوالي عقد من الزمان، ولكنها لم تكن مُعرَّفة في ذلك الوقت على انها بكتيريا، فقد ظهرت ناميةً على شكلِ حزمٍ من الخيوط البيضاء على أوراق نبتة الأيكة الساحلية Mangroveفي مستنقع الكاريبي، واستبعد مكتشفها عالم الأحياء المائية أوليفييه غروس - بحجمها هذا- أن تكون بكتيريا أو كائن وحيد الخلية اصلاً. وقد جاء تعريفها على أنها بكتيريا مؤخراً بعد سلسلةِ تحاليلٍ مفصلة بجهودٍ مكثفةٍ قام بها فريقٌ دوليٌ من الباحثين بما في ذلك مجموعة علماء من المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا, ومختبر لورانس بيركلي الوطني في الولايات المتحدة الامريكية.

لا تقتصر العملقة في بكتيريا لؤلؤة الكبريت الكبيرة على شكلها الخارجي فحسب؛ بل كشف التحليل الجيني أن الجينوم الخاص بها هو ضخمٌ ايضاً, فهو يحتوي على 11 مليون قاعدة و حوالي 11000 جين, وهو ما يقرب من ثلاثة أضعاف جينومات الانواع البكتيرية الاخرى.

من أهم الفروقات بين خلايا الكائنات بدائية النوى مثل الخلايا البكتيرية وخلايا الكائنات حقيقية النوى مثل الخلايا الحيوانية والنباتية والفطريات أن خلايا الكائنات وحيدة النوى لا تحتوى على نواة ولا غلاف نووي؛ أي أن المادة الوراثية تسبح داخل الخلية, بينما خلايا الكائنات حقيقية النوى تحتوي على نواة محاطة بغلاف نووي.

ولكن الغريب في بكتيريا لؤلؤة الكبريت الكبيرة أنَّ مادتها الوراثية لا تطفو بحرية داخل الخلية كما هو الحال في انواع البكتيريا الاخرى, بل انَّ الجينوم الخاص موجود في حجرة خاصة تشبه النواة؛ وبهذا يصبح امر التفرقة بين بدائيات وحقيقيات النوى ضبابياً بعض الشيء.

كما تحتوي بكتيريا لؤلؤة الكبريت الكبيرة على كيس غشائي أكبر حجما يملأه الماء، ويسهم بما نسبته حوالي 73% من حجم الميكروب، تكمن أهمية هذا الكيس في مساعدة البكتيريا على النمو بشكلٍ كبيرٍ جداً مع الحفاظ على عُضيَّاتها في حيِّزٍ ضيق لكنه يسمح بانتشار الجزيئات؛ وبهذا تكون بكتيريا لؤلؤة الكبريت الكبيرة قد تجنبت فرضية تقييد الانتشار Diffusion-constraint hypothesis التي تفترض ان البكتيريا مُقيَّدة بحجمٍ معين لا يمكن تجاوزه بسبب معدل انتشار المغذيات.

ان مثل هذه الاكتشافات تثير أسئلةً حول الكثير من الكائنات الحية الدقيقة التي لا زلنا نجهلها؛ ليس لأنها غير موجودة، بل لأننا لم نتمكن من عزلها والتعرف عليها بعد. وقد يكون اكتشاف بكتيريا لؤلؤة الكبريت الكبيرة بمثابة فرصة للعلماء للحصول على معلومات جديدة من خلال دراسة هذ البكتيريا وحيدة الخلية الأكبر حجماً، ولكنها من المؤكد ستعيد تعريف البكتيريا من جديد بسبب وجود غشاء يحيط بمادتها الوراثية على غرار خلايا حقيقية النوى.

المرجع

- Volland, J.-M., Gonzalez-Rizzo, S., Gros, O., Tyml, T., Ivanova, N., Schulz, F., Goudeau, D., Elisabeth, N. H., Nath, N., Udwary, D., Malmstrom, R. R., Guidi-Rontani, C., Bolte-Kluge, S., Davies, K. M., Jean, M. R., Mansot, J.-L., Mouncey, N. J., Angert, E., Woyke, T., & Date, S. V. (2022, January 1). A centimeter-long bacterium with DNA compartmentalized in membrane-bound organelles. bioRxiv.

> Retrieved March 9, 2022, from: https://www.biorxiv.org/content/10.1101/2022.02.16.480423v1

للتواصل مع الكُتاب: rawaaan10001@gmail.com | elmanama_144@yahoo.com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة