أدّت نظريات واكتشافات الآلاف من الفيزيائيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى رؤية رائعة للبنية الأساسية للمادة. لقد وُجد أن كل شيء في الكون يتكون من عدد من اللبنات الأساسية تسمى "الجسيمات الأساسية"، تحكمها أربع قوى أساسية. في أفضل فهم لدينا لكيفية ارتباط هذه الجسيمات مع ثلاث قوى تم دمج بعضها البعض في "النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات". وقد تم تطويره في أوائل السبعينيات، ونجح في شرح معظم النتائج التجريبية تقريبًا وتوقع بدقة مجموعة متنوعة من الظواهر. وبمرور الوقت ومن خلال العديد من التجارب، أصبح النموذج القياسي بمثابة نظرية فيزيائية تم اختبارها جيدًا.

النموذج القياسي عبارة عن مجموعة من الصيغ والقياسات الرياضية التي تصف الجسيمات الأولية وتفاعلاتها. إنه مشابه للطريقة التي يصف بها الجدول الدوري للعناصر الذرات، ويصنفها بناءً على خصائصها، ولكن بدلاً من ذلك يصنف النموذج القياسي الجسيمات الأولية - الفرميونات والبوزونات.

تم تطوير النموذج على مراحل بدءًا من أوائل السبعينيات، وجمع النموذج بين ما كان معروفًا عن الجسيمات والقوى في ذلك الوقت لتطوير نظرية كمية متسقة تمامًا حول المادة.

تطلّب الوصول إلى نموذج قياسي كامل وقتاً طويلاً؛ وبدأ الأمر مع اكتشاف طومسون للإلكترون في 1897، ومن ثمَّ إيجاد العلماء باستخدام مصادم الهادرونات الكبير للقطعة الأخيرة من اللغز "بوزون هيغز" في العام 2012.

عائلات الجسيمات

يصنف النموذج القياسي الجسيمات الأساسية إلى مجموعات ذات صلة، كما هو موضح في الجدول أدناه.

الفرميونات " جسيمات المادة"

تعتبر كمثل لبنات لعبة الليجو بالنسبة للمادة، وبالتداخل معًا يتشكل الكون. القاعدة الأساسية لهذه الأشياء هي "لا تجلس حيث أجلس". من سمات خصائصها الكمومية أنه لا يمكن لاثنين من الفرميونات شغل نفس المكان في وقت واحد، مما يسمح لهما ببناء كل شيء من الذرات إلى الكواكب.

يمكن تصنيف الفرميونات إلى كواركات ولبتونات. تتحد كواركات الفرميون في البروتونات والنيوترونات الأكثر شيوعًا. على سبيل المثال، يتكون البروتون من كوارك سفلي واثنين من الكواركات العلوية، والتي يتم لصقها معًا بواسطة ما يسمى بالقوة النووية القوية. لكن هذه القوة لا تؤثر على الفئة الثانية من الفرميونات، اللبتونات.

تشمل اللبتونات الإلكترونات التي تحوم حول نواة الذرات. الجسيمات الشبيهة بالإلكترون مثل taus و muons ؛ والنيوترينوات - جزيئات صغيرة بالكاد تمر عبر الكوكب بأعداد كبيرة تشبه الأشباح ، بالكاد تتوقف مؤقتًا لتلقي التحية.

البوزونات

هذه هي الهمسات التي تبقي الفرميونات على اتصال، والقوى الوسيطة التي تربط المادة وتطردها لشرح سبب عدم قدرتنا على السير عبر الجدران، ولماذا يأتي الضوء بألوان مختلفة، ولماذا يمكن للذرات الصغيرة أن تنضغط معًا لتكوين ذرات أكبر، ولماذا تلك الذرات الأكبر تنهار في بعض الأحيان.

وهي تشمل الفوتونات، وهي جزيئات الضوء التي تنقل القوة الكهرومغناطيسية؛ الغلوونات ، التي توفر القوة النووية الشديدة التي تربط الكواركات معًا لتشكيل البروتونات والنيوترونات ؛ W & Z bosons ، التي تتعامل مع القوة النووية الضعيفة ؛ وجسيم هيغز الشهير ، وهو ما يفسر سبب امتلاك بعض الجسيمات للكتلة في ظل ظروف معينة.

القوى الأساسية في الكون والجسيمات الحاملة للقوة

هناك أربع قوى أساسية تعمل في الكون: القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية. إنهم يعملون على نطاقات مختلفة ولديهم قوى مختلفة. الجاذبية هي الأضعف، ولكن لها نطاق لانهائي. تمتلك القوة الكهرومغناطيسية أيضًا نطاقًا لانهائيًا لكنها أقوى بعدة مرات من الجاذبية. تكون القوى الضعيفة والقوية فعالة فقط على مدى قصير جدًا وتسيطر فقط على مستوى الجسيمات دون الذرية. على الرغم من اسمها، فإن القوة الضعيفة أقوى بكثير من قوة الجاذبية، ولكنها بالفعل أضعف القوى الثلاث الأخرى.

القوة القوية، كما يوحي الاسم، هي أقوى التفاعلات الأساسية الأربعة.

ثلاث من القوى الأساسية ناتجة عن تبادل الجسيمات الحاملة للقوة، والتي تنتمي إلى مجموعة أوسع تسمى "البوزونات". تنقل جزيئات المادة كميات منفصلة من الطاقة عن طريق تبادل البوزونات مع بعضها البعض. كل قوة أساسية لها بوزون خاص بها - القوة الشديدة محمولة بواسطة "الغلوون"، القوة الكهرومغناطيسية محمولة بواسطة "الفوتون"، والبوزونات "W و Z" مسؤولة عن القوة الضعيفة. على الرغم من عدم العثور عليه بعد، يجب أن يكون "الجرافيتون" هو الجسيم المقابل الذي يحمل القوة للجاذبية. يتضمن النموذج القياسي القوى الكهرومغناطيسية والقوية والضعيفة وجميع جسيماتها الحاملة، ويشرح جيدًا كيفية تأثير هذه القوى على جميع جسيمات المادة. ومع ذلك، فإن القوة الأكثر شيوعًا في حياتنا اليومية، وهي الجاذبية، ليست جزءًا من النموذج القياسي، حيث ثبت أن ملاءمة الجاذبية بشكل مريح في هذا الإطار يمثل تحديًا صعبًا.

توحيد قوانين الطبيعة

السؤال المعلق للقوى الأساسية الأربع، هو ما إذا كانت في الواقع مظاهر لقوة واحدة عظيمة من الكون. إذا كان الأمر كذلك، يجب أن تكون كل واحدة منها قادرة على الاندماج مع الأخريات، وهناك بالفعل دليل على أن ذلك ممكن.

فاز الفيزيائيان شيلدون جلاشو وستيفن واينبرغ من جامعة هارفارد وعبد السلام من إمبريال كوليدج لندن بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1979 لتوحيدهما القوة الكهرومغناطيسية مع القوة الضعيفة لتشكيل مفهوم القوة الكهروضعيفة. يهدف الفيزيائيون الذين يعملون لإيجاد ما يسمى بالنظرية الموحدة الكبرى إلى توحيد القوة الكهروضعيفة مع القوة الشديدة لتحديد القوة الكهروضوئية، والتي تنبأت بها النماذج، لكن الباحثين لم يلاحظوها بعد. سيتطلب الجزء الأخير من اللغز بعد ذلك توحيد الجاذبية مع القوة النووية الإلكترونية لتطوير ما يسمى بنظرية كل شيء، وهي إطار نظري يمكن أن يفسر الكون بأكمله.

ومع ذلك، وجد الفيزيائيون أنه من الصعب جدًا دمج العالم الطبيعي مع العالم المجهري. حيث تهيمن قوة الجاذبية على المقاييس الكبيرة وخاصة الفلكية، وأفضل وصف لها هو نظرية النسبية العامة لأينشتاين. ولكن على المستويات الجزيئية أو الذرية أو دون الذرية، فإن ميكانيكا الكم تصف العالم الطبيعي بشكل أفضل. وحتى الآن، لم يأت أحد بطريقة جيدة لدمج هذين العالمين.

تواصل مع الكاتب: omardesouky@yahoo.com​

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة