للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

الفيروسات .. أوبئة وجائحات

آليات و أسباب تفشي الفيروسات

  • دكتور رضا محمد طه

    أستاذ الميكروبيولوجيا المساعد-كلية العلوم جامعة الفيوم

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    03:29 م

  • تاريخ النشر

    31 أكتوبر 2021

الكلمات المفتاحية :

تغيير المناخ وتفشي فيروس كورونا المستجد

دراسة جديدة أجراها علماء من قسم الحيوان في جامعة كمبريدج ونشرت يوم 5 فبراير 2021 في مجلة Science of The Total Enviroment كشف فيها فريق البحث عن أدلة تؤكد الدور المباشر والهام لما حدث في المناخ بدءاً من القرن الماضي وحتى الآن من تغيير وتسبب في تفشي فيروس كورونا المستجد.

ظاهرة الإحتباس الحراري تأثرت بها النباتات والأشجار وأحدثت تغييراً في طبيعة الكائنات الحية خاصة في المناطق الإستوائية وفي غابات السافانا، مما ترتب عليه تداعيات وعواقب شجعت على ظهور العديد من أنواع الخفافيش (40 نوع تقريباً). إنتقلت تلك الأنواع من الخفافيش الجديدة خلال القرن الماضي إلى مقاطعة يانان شمال الصين، فكانت أحد العوامل التي ساعدت على ظهور أكثر من 100 نوع جديد آخر، تلك الأنواع من الخفافيش تمثل مستودع مثالي للفيروسات.

من خلال تغييرات وراثية وعلاقات متنوعة ومتفاعلة مع بعضها ومع بعض الحيوانات الأخرى، حدثت طفرات فيما تحمله تلك الخفافيش من فيروسات، مما ترتب على ذلك أن قفزت بعض الفيروسات من معيلاتها الأساسية لتصيب عائل جديد من الحيوانات المختلفة، وبعد تلك القفزة، حدثت طفرات في بعض هذه الفيروسات، جعلتها قادرة على إصابة الإنسان.

وما حدث من ظهور فيروس كورونا SARS-CoV-1 في 2003 وكذلك فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS في  2012 يمثل دلالة على تلك الفرضيات والإستنتاجات التي توصل إليها العلماء.

بدأ إنتشار فيروس كورونا المستجد والذي يسبب مرض كوفيد-19 من خلال أسواق الحيوانات البرية في نوفمبر وديسمبر 2019 من مدينة ووهان الصينية، حيث انتقلت العدوى لحيوانات مثل البانجولين (آكل النمل الحرشفي) بسلالة فيروس كورونا SARS-CoV من خلال الخفافيش، وفي البانجولين حدثت لفيروس كورونا طفرة جعلته قادراً على الإنتقال للإنسان.

في نفس الوقت (الأسبوع الأول من فبراير 2021) الذي أرسلت منظمة الصحة العالمية بعثتها إلى مدينة ووهان في الصين للكشف والبحث عن أصل ومنشأ فيروس كورونا المستجد، نشرت دراسة جديدة في دورية نيتشر كوميونيكاشن يوم 9 من فبراير 2021، أجراها علماء من كلية طب ديوك إن يو إس في سنغافورة بالإشتراك مع علماء من جامعة شولالونج كوم في تايلاند. كشفت نتائج تلك الدراسة أن فيروسات كورونا SC2r-CoVs والتي ينتمي لها فيروس كورونا المستجد SARS-CoV-2 تتنقل بصورة كبيرة في الحيوانات البرية في بلدان الجنوب الآسيوي مثل تايلاند، وهو ما أكدته التجارب من خلال وجود أجسام مضادة في تلك الحيوانات مثل الخفافيش والبانجولين، تلك الأجسام المضادة تستطيع التفاعل (بتخصصية عالية) مع فيروس كورونا المستجد والإرتباط به، بما يؤكد على إنتقال تلك الفيروسات بين الحيوانات البرية، وحدوث طفرات ومن ثمّ القفزات التي تؤهلها لإصابة الإنسان، كما أضاف الباحثون أن فيروسات كورونا SC2r-CoVs  موجودة بصورة كبيرة في مناطق بلدان جنوب آسيا بما يعطي إشارة للعلماء لتسليط الضوء على الحيوانات البرية ومتابعتها في تلك المناطق حتى نستطيع التنبؤ بتفشي جائحات أخرى، ومن ثمّ أخذ الاحتياطات أو منعها من التفشي.

 

أسباب الجائحات وتفشي الأمراض الفيروسية

إستنتج العلماء العديد من الأسباب التي تؤدي لحدوث الأوبئة والجائحات الفيروسية منها:

  1. إقامة السدود والحواجز المائية، لأنه فضلاً عن تراكم الماء وحجزها وتركيز الطمي في مناطق جراء هذه السدود، ولأن السدود لها تأثيرات جذرية في حياة الناس الذين يعيشون بالقرب منها، فقد تندثر مدن قديمة بأكملها بسبب إرتفاع مياه الخزانات، أو تحجب المياه والطاقة عن بلدان المصب، ويترتب على ذلك تغيير في النظام البيئي والأحياء الموجودة، والتي قد تساعد في خلق علاقات جديدة بين بعض الحيوانات كانت غير موجودة من قبل، والتي قد تسفر عن نقل وإنتشار فيروسات جديدة للإنسان.
  2. التوسع في الزراعة والري المتزايد، فضلاً عن الأمطار الغزيرة والتي تعتبر مناخاً مناسباً لظهور بعض المحاصيل الغير مألوفة -مثل الجوز أو الأرز أو غيرها- والتي تعتمد عليها حيوانات معينة في غذائها مثل الفئران، الأمر الذي شجع على تكاثر تلك الحيوانات، ومن ثم أصبحت مستودع لبعض الفيروسات ومصدر عدوى، لذا يدخل المجال العوائلي لهذه الفيروسات عوائل جديدة مما يترتب عليه توسيع في المنافذ التي تنتقل من خلالها بعض الفيروسات. سواء عن طريق عن طريق أكل لحومها أو من خلال التلوث ببعض فضلاتها، مثل فيروس نيباه الذي انتقل من الفئران للإنسان، وكذلك من الخفافيش أو الخنازير التي كانت مصدر انتقال فيروس هيندرا منها للخيول ومنها انتقل للإنسان، والأمثلة على ذلك ما يلي:
  • فيروس إيبولا إنتقل أولاً من الخفافيش للغوريللا ثم إنتقل من الغوريللا للإنسان، وكان فيروس نقص المناعة المكتسب في القرود (SIV) قد انتقل من تلك الحيوانات للإنسان وأصبح يعرف بالإيدز HIV.
  • حدث تفشي لفيروس نيباه في ماليزيا عام 1998 وتسبب في وفاة أكثر من 100 شخص، وأكثر من مليون خنزير، وكان الفيروس قد انتقل أولاً من الخفافيش للخنازير، ومنها انتقل للإنسان.
  • في الهند وبنجلاديش، حيث من عادات بعض المناطق أن يقوموا بعمل عصير للبلح ويتركونه كي يتخمر معلقاً في أواني على النخيل، فتكون فرصة للتلوث بفضلات الخفافيش بما تحمله تلك الفضلات من فيروسات مثل فيروس نيباه.

 

وطبقاً لما صدر عن العديد من الدراسات، والتي أكّدت على أن انتقال فيروس كورونا المستجد قد حدث أولاً من خلال الخفافيش إلى حيوان البنجالون -آكل النمل الحرشفي- بعد حدوث طفرة صغيرة، ثم حدثت طفرة أخرى للفيروس داخل البنجالون فجعلته ملائماً لإصابة الإنسان. 

  1. التصحر الضخم والشديد، وسياسات العمران الغير منظمة أو محكومة (عشوائيات).
  2. مزاحمة الحياة البرية، وتغييرها عن طريق إقتحام فضاءاتها البيولوجية، ومخالطة سلالات تحمل الفيروسات (مستودع لها)، فضلاً عن ضم بعضها للنظام الغذائي للإنسان، وكذلك هجرة الحيوانات وإنشاء حدائق للحيوانات والنباتات البرية، وهجرة الطيور.
  3. السفر والتنقل بالطائرات، وكذلك الكثافة السكانية وتراجع في الصحة العامة للبشر مقارنة بالذين كانوا يعيشون منذ مئات السنين، وتلك عوامل هامّة في سرعة وسهولة إنتشار الجائحات.
  4. الحاجة المتزايدة في جميع المناطق بالعالم لنقل الدم وتجميعه في بنوك الدم من متبرعين بالدم ومتلقين له، وكذلك طرق نقل الدم المتعددة ونقل أو زرع الأعضاء، والتي قد تسفر عن إنتقال بعض الفيروسات الخطيرة من المتبرعين والمانحين للأعضاء إلى المتلقين.
  5. التغيرات الإجتماعية والسلوكيات الخاطئة للبشر مثل تعاطي المخدرات والممارسات الجنسية بعيداً عن الزواج أوالعلاقات الشاذة. 
  6. الإنتشار الكثيف والإستخدام الواسع للمكيفات والأنابيب الساخنة، والتي ساعدت في تهيئة الكثير من الناس كي يصبحوا أكثر حساسية للإصابة ببعض الأمراض الفيروسية، كما تساهم تلك الوسائل في تراجع مناعة الكثير من الناس.
  7. التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، شجعت على وزادت من حدوث الأمطار الغزيرة، وأدى ذلك إلى نمو أكثر لبعض المحاصيل مثل البندق والجوز والتي يأكلها الإنسان وكذلك الفئران، وترتب عليها فرصة أكبر لسهولة إنتقال بعض الفيروسات من الفئران للإنسان.

 

تأثيرات تفشي الجائحات على الإنسان

نظراً لوجود ما يقرب من 1,7 مليون نوع من الفيروسات موجودة في الطيور والثدييات لم يتم تعريفها وتسميتها بعد، أكثر من نصف مليون من تلك الفيروسات قادرة على الإنتقال إلى الإنسان وإمراضه، بنفس الطريقة التي انتقل بها فيروس كورونا المستجد وأصاب الإنسان، فضلاً عن الأمراض الفيروسية العديدة المشتركة بين الإنسان والحيوان والتي تهدد الإنسان وقد تتسبب في جائحات جديدة.

تكمن المشكلة في الحيوانات التي تحتوي الفيروسات وتمثل بذلك مستودع لها، وبالأخص الحيوانات البرية التي تمثل الخطر الأكبر في ظهور سلالات فيروسية أو أنواع منها جديدة. لذلك يجب سن تشريعات على المستوى الدولي تلزم البشر جميعاً بإتباعها على مستوى العالم، وكذلك تقنين التعامل مع الحيوانات البرية والمدجنة أو الأليفة المنزلية أيضاً.

 وقد إجتهد بعض العلماء في وضع نصائح إسترشادية من أجل الوقاية والنجاة من خطر الجائحات، أو منعها من الأساس، وتتمثل تلك القواعد التي يجب الإلتزام بها في ما يلي:

  • عمل لجان إستشارية حكومية على مستوى العالم، للإستفادة من كل ما هو جديد ومتطور من التعليمات والنصائح المتعلقة بالجائحات والتي تم وضعها على أسس علمية صحيحة، وتشمل تأثيرها على الإقتصاد.
  • الموافقة على ما يتم من إتفاقات أو تعهدات دولية من شأنها التقليل من مخاطر التعامل مع الحيوانات والحياة البرية وكذلك الماشية والإنسان، وتشمل ما يترتب على إقامة أو تطوير المشاريع التي تستغل الأراضي التي تسكنها الحيوانات البرية.
  • تغيير نمط وأساليب الزراعات التقليدية، والتي تضر وتؤثر سلباً على النظام البيئي.
  • تنظيم عمليات تجارة وتربية الحيوانات البرية نظراً لمخاطر نقلها الفيروسات إلى الإنسان.
  • الإهتمام بالحصول على المعلومات من السكان المحليين حيث تتفشى الجائحات، وذلك عند الإستجابة الرسمية للجائحات.
  • تعليم وتدريب أصحاب القرارات السياسية التي تبنى عليها سياسات التعامل مع الجائحات خاصة عند تفاقمها.
  • شرح المخاطر الناجمة عن إقامة المشاريع الكبيرة فيما يخص الثغرات التي قد تتفشى من خلالها الفيروسات نتيجة تلك المشروعات للتنبؤ بها قبل تفشيها.
  • يجب على السلطات والحكومات والمنظمات العالمية المعنية بما يخص مواجهة الجائحات، مراعاة الفوارق العميقة بين المجتمعات، خاصة الفقيرة منها والتي لا يوجد فيها خدمات صحية أو تعليمية أو ظروف معيشية بما يكفي من سوء تغذية.

 

الأوبئة المتفاقمة

تزداد الأمراض في المجتمعات التي تفتقر لطرق التوعية ومقاومة الأمراض، فتزيد الأمراض المزمنة، والأطفال المصابون بالأنيميا وذوي الإعاقات، وينتشر تعاطي المخدرات، والضعف العام للجسم، وتتهيأ فرص إنتقال الفيروسات، مما يترتب عليها تداعيات خطيرة ومشاكل مركبة ومعقدة. تلك المشاكل تجعل الفرصة سانحة لظهور ما يسمى بالأوبئة المركبة، وهي عبارة تفاعل نوعين أو أكثر من الأمراض في وقت واحد، يتفاعلان ويسببان المرض والعلل المركبة للمريض. أول من وصف مصطلح الوباء المركب عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي "ميريل سينجر" في تسعينات القرن الماضي، وذلك من أجل تفسير الحالة التي يتفاعل فيها أكثر من مرض بطريقة تعود بالضرر الكبير على المرضى، مقارنة بالضرر الناجم عن مرض واحد. حيث يحدث تفاعل وتحفيز للمرضين بعضهما البعض، خاصة إذا كان في ظل ظروف إجتماعية وبيئية سيئة.

الدليل على ذلك ما نتج عن جائحة كورونا من أعداد كبيرة من الضحايا، خاصة مرضى السكر ومرضى القلب وضغط الدم المرتفع وضعيفي المناعة وغيرهم من أصحاب الأمراض الأخرى، فكان الوباء المركب حيث إزدادت الإصابة بفيروس كورونا المستجد من بين هؤلاء المرضى، مما فاقم المشكلة وساعد في زيادة معدل الوفيات.  

تبعات إعادة تخليق سلالة الإنفلونزا الأسبانية الوبائية

إستخدم العلماء شظايا الحمض النووي آر إن إيه والتي تم إستخلاصها من عينات أنسجة ورئات مخزونة في مستودعات حكومية  لضحايا الوباء العالمي 1918 للإنفلونزا الأسبانية والتي كانت مدفونة في الجليد الدائم في ألاسكا، والذي قتل ما يزيد عن خمسين مليون شخص حول العالم، إستطاع جفري توبنبرجر من معهد القوات المسلحة الأمريكية لعلم الأمراض في مدينة روكفيل بولاية ميريلاند من تحديد التسلسل لجينوم سلالة الإنفلونزا تلك.

أعيد بناء السلسلة الطبيعية لسلالة الإنفلونزا بواسطة فريق قادة ترنس تمبي من مركز مقاومة الأمراض ومنعها CDC بتقنية مبنية على النظام الجيني المعكوس، والذي يعتمد على نسخ جينوم فيروس الإنفلونزا  آر إن إيه السالب -RNA إلى آر إن إيه موجب+RNA عن طريق إنزيم  RNA dependent RNA polymerase، والذي يتكون منه Mrna حيث يترجم إلى بروتين سبق فك شفرته. وعن طريق بناء آر إن إيه فيروسي من قطع أساسية، ويمكن أن تكون تخليقية المنشأ. ونظراً للصعوبات الكامنة في التعامل من آر إن إيه في المختبر، فقد كانت الإستراتيجية التكنولوجية التي تطورت حتى يتم التعامل مع فيروسات آر إن إيه تدور حول تبسيط المشكلة وذلك بالعمل على ال دي إن إيه DNA. وعادة ما يبدأ الباحثون ببناء البلازميدات والتي تحتوي نسخاً من دي إن إيه الخاص بجينات الفيروسات  مستخدمين إنزيم الناسخ العكسي وبعد ذلك يتم نسخها نسخاً منعكساً إلي آر إن إيه فيروسي Vrna في المختبر عن طريق نسخ الجين الفيروسي المزدوج السلسلة في البلازميد Mrna. وروجعت المقالات الجينومية بواسطة المجلس الإستشاري القومي العلمي للأمن البيولوجي، والذي يضم أعضاء مشهود لهم بالعلم وينتمون لمؤسسات أكاديمية وحكومية وقرروا أن نشر المقالات في الصالح العام للجمهور.

عند ذلك تتجلى مخاطر إطلاق السلالة للإنفلونزا الأسبانية 1918 بما يعدّ أمراً بالغ الخطورة، نظراً للمخاطر التي قد تهدد بجائحة عالمية جديدة تنتج عن إعادة تخليق السلالة وإطلاق فيروس إنفلونزا 1918 الأصلي، ومن ثمّ فإن إحتمالات حدوث ذلك قد تكون قاتلة بمثل ضراوة الموجة الأولى، لكن بعض العلماء يستبعدون ذلك ويعتبرون الرأي السابق عن المخاطر مبالغاً فيه.

على الرغم من أن إعادة تخليق فيروسات آر إن إيه ممرضة وحية مثل الإنفلونزا من دي إن إيه تخليقي يشكل تحدياً كبيراً حتى للخبراء، لكن من المتوقع أنه وبمرور الوقت سوف تصل تلك التكنولوجيا والمهارات اللازمة لذلك إلى أشخاص لديهم قدر أقل كثيراً من الإحساس بالتعامل الآمن مع الممرضات الناتجة. وسوف تكون الأخطار الناتجة هائلة على الصحة العامة والأمان من جراء شيوع تلك المهارات وإنتشار التقنيات. بل ليس من المستبعد أن تستخدم تقنيات تخليق دي إن إيه لأغراض دنيئة، ومن ثمّ فإن الأخطار قابلة للتفاقم، لأنه يقيناً أن أي جرثومة مخلقة سوف تشكل تهديداً يوماً من الأيام ومسببة لأوبئة أو جائحات، بالتزامن مع تزايد تطفل البشر على بيئات كانت في السابق هادئة، وكذلك الإنتقال السريع للبشر والسلع حول العالم بما يزيد من مخاطر إنتشار الفيروسات.

هذا وليس هناك ضمانات قاطعة للأمان عند إعادة تكوين فيروس الإنفلونزا 1918، مع إدراكنا أن كل خطوة تكنولوجية متقدمة للأمام يمكن إساءة إستغلالها، لكن ما يحاول العلماء فهمه هو ما يحدث في الطبيعة وكيفية تجنب جائحة عالمية جديدة، عند ذلك قد تكون الطبيعة  هي الإرهاب البيولوجي. لأن المعضلة الحقيقية كما يقول روبرت كارلسون مؤلف كتاب "Biology is Technology وترجمته ما البيولوجيا إلا تكنولوجيا" تكمن في الممرضات الموجودة طبيعياً وهي معضلة عاجلة وملحة، وسوف تحدد مسار إستثماراتنا العلمية والتكنولوجية في المستقبل إستعداداً لمواجهة الجائحات.

الإجراءات التي يجب اتخاذها لتجنب جائحات فيروسية:

  1. يجب أن يحدث تطوير على نطاق واسع في عملية إنتاج اللقاحات لتوفير مليارات الجرعات المحتملة حتى تشمل بلدان العالم ومنها البلدان الفقيرة والعالم الثالث.
  2. يتوجب على الباحثين معرفة المدة التي قد تستغرقها أي حماية مناعية يوفرها اللقاح وهذه تحتاج إلى اختبارات إضافية على نطاق واسع.
  3. وكان يُعتقد أنه يجب أن يكون 60-70 % من سكان العالم محصنين مناعيا كي يتوقف تفشي الفيروس بسهولة (مناعة القطيع) – أي مليارات الأشخاص، وحتى لو كان اللقاح يعمل بشكل مثالي، فإن الواقع يعكس غير ذلك من خلال موجات كوفيد-19 الثانية والطفرات المصاحبة لفيروس كورونا المستجد SARS-CoV-2. لذلك يجب أن تكون هناك طرق أخرى ناجعة لمقاومة الفيروس بجانب اللقاحات. 
  4. الأرقام (60-70%) سوف ترتفع بشكل كبير إذا انتشرت إصدارات جديدة أو سلالات جديدة من الفيروس لها خصائص تجعلها أكثر قابلية للانتقال والعدوى على نطاق واسع. الأمر الذي بحاجة للمزيد من الأبحاث لمعرفة أسباب ظهور الطفرات وأماكن حدوثها، ومن ثم تطوير اللقاحات بما يتناسب مع تلك السلالات الجديدة. 

 

ومن الجائحات...فوائد

بالإضافة لما كان للإغلاق والحظر والتباعد الإجتماعي والذي تم تنفيذه في الكثير من بلدان العالم وخاصة الصناعية منها بسبب جائحة كوفيد-19، من تأثير إيجابي بما سببه من إقلال كبير في نسبة الإنبعاثات وخاصة ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات الملوثة للجو والتي تؤثر سلباً على المناخ وتزيد من الإحتباس الحراري، فضلاً عن الإضرار بصحة الناس والحيوان والبيئة عموماً، فقد كان لهذه الجائحة فوائد كثيرة أخرى، منها ما جاءت في دراسة جديدة نشرت 4 يناير 2021 في مجلة بلوس وان PLOS ONE.

في تلك الدراسة والتي أجراها باحثون من جامعة فيرمونت بالولايات المتحدة حيث قام فريق البحث بإجراء استبيان (أون لاين) على 3200 مواطن من فيرمونت، وبالإستعانة بما أدلى به المشاركون في الدراسة بالمعلومات والبيانات، وذلك في الفترة من 3-19 مايو 2020 بعد إجراءات الحظر والتعليمات التي إتخذها حاكم الولاية وقتها.

كشفت نتائج الدراسة عن زيادة كبيرة في الأنشطة التي مارسها الناس خلال الحظر، حيث تبين ما يلي:

  • أكثر من 70% زيادة في معدل المشي والحركة.
  • أكثر من 64% مشاهدة والإستمتاع بالحياة البرية.
  • أكثر من 58% إسترخاء وراحة للأشخاص بصورة فردية خارج المنزل.
  • أكثر من 54% إلتقاط الناس صور ذاتية ونشاطات فنية منها رسم لوحات وغيرها من المهارات الفردية.

 

هذا إضافة للتراجع فيما كان قبل الغلق من تجمعات ومعسكرات بنسبة أكثر من 48%، وكذلك زادت فرصة الكثير للخروج من أجل الراحة والإسترخاء بنسبة 43% وذلك حرصاً على الإجراءات الإحترازية والتباعد الإجتماعي والجسدي.

كما كشفت نتائج الدراسة أيضاً عن أن ما يقرب من 60% ممن شاركوا في الدراسة قد صرحوا بحدوث تحسن ملحوظ في حالتهم الذهنية والنفسية وكذلك الجسدية بسبب خروجهم إما لممارسة أنشطتهم أو للإستمتاع بالطبيعة والحياة البرية وكذلك تغيير نمط حياتهم العادي قبل الجائحة وما كان يصاحبها من إنغماس في العمل واللهث في مارثون الحياة والتمركز حول الذات. هذا واستطاع الكثير من الناس خلال الجائحة والحظر من ممارسة أنشطة كثيرة مثل الإهتمام بالأشجار والنباتات في الحدائق والإسترخاء في وسطها، فضلاً عن التقليل من ضغوطات الحياة والإهتمام بأمور أخرى خارج نطاق عملهم مثل البحث والإستمتاع بالحياة البرية وجمال الطبيعة.   

 

المراجع العربية

1-رضا محمد طه "الفيروسات....أوبئة وجائحات وكوفيد-19". (2021). أوراق للنشر

2-روبرت  كارلسون. «ما البيولوجيا إلا تكنولوجيا». (2014). ترجمة: أيمن توفيق مراجعة: محمود خيال. المركز القومي للترجمة.

3-ماديلون كوبين فينكل. «الحقيقة والاكاذيب في قضايا الصحة العامة». (2015). ترجمة أحمد زكي أحمد. المركز القومي للترجمة.

4-محمد أبو الغار. "الوباء الذي قتل 180 ألف مصري". (2020). دار الشروق.

 

المراجع الأجنبية

  • Shifts in global bat diversity suggest a possible role of climate change in the emergence of SARS-CoV-1 and SARS-CoV-2
  • Author Correction: Evidence for SARS-CoV-2 related coronaviruses circulating in bats and pangolins in Southeast Asia
  • Chan E H, Brewer T F, Madoff L C, Pollack M P, Sonricker A L., and others. 2010. “Global Capacity for Emerging Infectious Disease Detection.” Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America 107 (50): 21701–6.
  • Charu V, Chowell G, Palacio Mejia L S, Echevarría-Zuno S, Borja-Aburto V H., and others. 2011. “Mortality Burden of the A/H1N1 Pandemic in Mexico: A Comparison of Deaths and Years of Life Lost to Seasonal Influenza.” Clinical Infectious Diseases 53 (10): 985–93. [PMC free article] [PubMed]
  • Chisholm H. 1911. “Cholera.” Encyclopedia Britannica 11 (6): 265–6
  • Daszak P, Carroll D, Wolfe N, Mazet J. 2016. “The Global Virome Project.” International Journal of Infectious Diseases 53 (Suppl): 36.

 

البريد الإلكتروني: redataha962@gmail.com​

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */