النشر في المجلات العلمية المحكّمة بواسطة الأقران هو جزء أساسي من ثقافة وأداء المجتمع العلمي. وتظل كتابة مقالات المجلات الأكاديمية التي يراجعها الأقران ونشرها هي الطريقة الرئيسية للتواصل مع العلماء الآخرين ونقل البحوث ونتائجها بينهم. تواصل في عمليات الكتابة والتحرير والتحكيم والمراجعات والنشر والاقتباس.
ومنشورات المجلات التي تمت مراجعتها من قِبل الأقران في المجلات ذات السمعة الطيبة تمثل معيارًا ذهبيًا مرموقًا في الدقة الأكاديمية، وتوفر سجلاً دائمًا من المساهمات في المعرفة العلمية الجمعية للبشرية. وذلك لأن الضوابط والتوازنات الخاصة بمراجعة الأقران وعملية التحرير تعمل كعنصر مهم لمراقبة الجودة فيما يتعلق بدقة العمل المقدم للمجلة، وتعمل على الحفاظ على العلم صادقًا في مواجهة النقد البناء والرقابة المستقلة. مراجعة الأقران تمثل أفضل نظام نعرفه حتى الآن لضمان المساءلة والتدقيق في العلم. وقد شرحنا أهمية ذلك وإرشادات الكتابة العلمية في منشورات سابقة، (1) و (2).
أولاً وقبل كل شيء، يُقصد بمراجعة الأقران أن تكون عملية بناءة، ويجب التعامل معها بهذه الطريقة من قِبل كلٍ من المراجع والمؤلف. قد يكون إعداد ورقة للنشر تجربة شاقّة، ولكنها أيضًا ممتعة ومجزية للغاية، ومن واجبنا كعلماء نشر عملنا ولفت انتباه الآخرين من الباحثين الذين قد يتعلمون منه ويبنون عليه. فنحن نبني على عمل بعضنا البعض ونمضي قدماً إلى الأمام تدريجياً. ولو تأملنا، فإن جميع معارفنا اليوم وتدريسنا وبحوثنا قائمة ومبنية على نتائج بحوث أولئك الذين سبق لهم نشر نتائجهم حتى نتعلم منها، من هنا وكما نحب أن نحصل على معلومات دقيقة ومفيدة فإن من يأخذ نتائجنا يحب ذلك أيضاً. ونشرنا لنتائجنا يعنى انخراطنا في منظومة العلم والمعرفة الإنسانية، فكم هذا جميل حقاً!!.
الاقتباس هو محرك التقدم العلمي، والنشر هو السجل الذي يعني في أدبياتنا الأكاديمية أن عملنا مفتوح إلى الأبد للتدقيق بحيث يمكن صقله أو الخلاف فيه أو تعزيزه بمرور الوقت في ضوء الفهم والجهد المستقبليين في العالم العلمي الحديث. وتظل العملية والنتيجة النهائية للنشر هي تسجيل المعرفة والمضي قدمًا في ذلك.
دعنا الآن نستكشف كيف يمكنك تحقيق أقصى استفادة من هذه العملية في عملك.
سنقدم هنا بعض النصائح العملية حول كيفية نشر ورقة علمية راجعها النظراء. سنقوم بتتبع رحلة الورقة البحثية – من اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان لديك ما تقدمه للعلم، إلى تحديد مجلة مناسبة للنشر فيها؛ ثم كيفية التنقل في عملية مراجعة الأقران والتأكد من وصول ورقتك المنشورة إلى الجمهور المستهدف.
ما هي انجازاتك؟
مقالة أو ورقة في مجلة عبارة عن منتج أكاديمي يحتوي على مخرجات. هذه المخرجات أو النتائج هي الاستنتاجات الرئيسية للورقة التي تمثل إضافة جديدة من المعلومات لم تكن معروفة من قبل للعلم. يمكن أن تمثل قفزات هائلة إلى الأمام في المعرفة الأساسية، أو يمكن أن تمثل تقدمًا تدريجيًا أو حقائق حول الكون (أو أي شيء فيه)، أو تطبيق جديد أو تطوير لتطبيق لمخرجات العلم، فأي ورقة يجب أن تحتوي على بعض الإسهامات الجديدة في المعرفة، بغض النظر عن حجمها أو صغرها. هذا المطلب البسيط هو أحد الجوانب الأولى التي يبحث عنها المحرر أو المراجع ويُطلب منه التعليق على أي ورقة بحثية مقدمة. لذلك، فإن الخطوة الأولى في كتابة الورقة هي أن تتأكد أن لديك شيء جديد ومفيد لتقوله.
كل ما يلي هذه النقطة، لإعداد ورقة لتقديمها، يتعلق بتأطير المخرجات، لتقديم أدلة وشرح واضحين بحيث يمكن للآخرين أن يكونوا واثقين من استنتاجاتك. وحتى لا نكرر، فإني أدعوكم للعودة إلى كتاب "دليل الكتابة والنشر في المجلات العلمية (2).
اختيار المجلة الأنسب
بمجرد أن تقرر أن لديك شيئًا مفيدًا لتقوله، أي تقرر كتابة الورقة وتضمينها ذلك المفيد، فإن المهمة التالية هي تحديد المجلات العلمية التي ستتحدث بشكل أفضل عنك وعن بحثك. المجلة هي الوسيلة التي نسجل من خلالها بحثنا وننقله للآخرين بشكل دائم في أكثر صوره اكتمالاً.
السؤال المهم الذي يواجه الباحث الذي يفكر في نشر ورقة في مجلة محكّمة، هو أي مجلة يجب أن تُقدم إليها تلك الورقة؟ ما هي العوامل التي يجب أن تؤدي إلى اتخاذ قرار بشأن أنسب مكان لنشر عملك؟
تاريخيًا، تضمن اختيار المجلات مدى الصلة بالموضوع، ومعدل القبول والتداول والمكانة ووقت النشر. ولكن نظرًا لتحول المزيد من المجلات للنشر الالكتروني عبر الإنترنت، كما أن محركات البحث جعلت العثور على المقالات والوصول إليها أسهل بكثير، لذا فإن بعض هذه العوامل أصبحت أقل أهمية في الوقت الحاضر.
يوجد اليوم حوالي 30 ألف مجلة محكّمة تنشر أكثر من مليونين مقال سنويًا، وهي في ازدياد مستمر. هذه المجلات تتدرج من العامة تمامًا إلى المتخصصة للغاية، لكن الغالبية العظمى منها متخصصة في مجالات ضيقة. تخصصات المجلات العلمية مجال شاسع ومتنامي، لكن لكل مقال مكانه الصحيح فيها، وجمهوره اليقظ.
الاختيار الصحيح للمجلة يستلزم مقاربة بين عدة عوامل منها التخصص وهدف الكاتب والشريحة المستهدفة. وهناك عامل التأثير للمجلة، يتم تعريف هذا العامل، على أنه نسبة إجمالي الاقتباسات للمجلة في فترة زمنية معينة (عادةً ما تكون عامين) إلى عدد المقالات المنشورة فيها في نفس الفترة الزمنية. ومن العوامل التي تجذب العديد من الكتاب هو السمعة والمكانة للمجلة. فقد تختار مجلة عالية السمعة ولكن جمهورها لا يهتم كثيرا بموضوع ورقتك، في حين مجلة أخرى أقل شهرة يهتم جمهورها بنتائجك أكثر. وهناك مجلة أقل تخصصاً تصل إلى جمهور أكبر من مجلة أكثر تخصصا وأضيق نطاقاً وأقل جمهوراً.
في جميع الحالات، يجب أن يكون اختيارك بناء على زيادة لفت انتباه الجمهور المناسب لعملك، فاختيار المجلة مبني على اختيار الجمهور. يجب أن تكون المجلة التي تختارها مماثلة لاختيار أعلى ميكروفون موضوع في أنسب مكان لأولئك الأشخاص الذين يهتمون ببحثك والذين هم من سيستفيد منه ويبني عليه، أي أولئك الذين (يستخدمونه) وليس الذين يشيرون إليه فقط.
باختصار، اختيار مجلة لتقديم مخطوطة للنشر هو قرار مهم للغاية، قرار يستحق دراسة متأنية. وتتضمن أفضل عملية اتخاذ القرار خطوتين:
- من هو الجمهور المثالي لمقالك؟
- ما هي المجلة التي لديها قراء يتناسبون بشكل أفضل مع هذا الجمهور المثالي؟
يوفر اتباع هذه العملية أيضاً فائدة إضافية، فعادةً ما يكون محررو هذه المجلة التي اخترتها بهذا الأسلوب، هم الأفضل لتقييم عملك والمساعدة في تحسينه.
الخلاصة:
إن عملية النشر العلمي بجميع أجزائها ومراحلها هي من أهم وأكثر وسائل التواصل الداخلي للمجتمع العلمي حيث يتواصل الباحث مع أقرانه بوسائل وأساليب متعددة، فهو قد يكون كاتبا أو محررا أو محكما أو قارئا ومراجعا أو مقتبساً ومتابعا فكلها أوجه متعددة للتواصل بين أعضاء المجتمع العلمي الخاص والعام. وهذا التواصل جزء أساسي وهام في الثقافة والأداء العلمي، لذلك يجب أن نهتم بتفاصيله لنصل إلى أفضل نتيجة لهذا التواصل.