للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

سلسلة أمراض يمكن منعها باللقاحات

لماذا ليس لدينا لقاحات لكل الأمراض المعدية؟

  • ثقافة علمية

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    07:51 م

  • تاريخ النشر

    06 أبريل 2021

 
   أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة
  الجامعة الإسلامية - غزة/دولة فلسطين
  البريد الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com

 

       إسلام المناعمة
           الجامعة الإسلامية - غزة/دولة فلسطين
           البريد الإلكتروني: elmanama1996@gmail.com
 



باستخدام المنطق الذي ينظر إلى توظيف الميزانيات لإنقاذ الأرواح فإن الاستثمار في إيجاد لقاحات جديدة يجب أن ينافس الاستثمار في إيجاد تقنيات حربية دفاعية جديدة ومع ذلك نجد أن بعض اللّقاحات ما زالت تُنتج بنفس الطريقة التقليدية منذ عشرات السنوات. وهذا مؤشر على ضعف في الاستثمار في هذا المجال.

قد تسبّب أوقات الهدوء الوبائي الطويلة نسبياً إهمال أو ضعف الأبحاث المتعلقة بإنتاج اللّقاحات، بل على العكس ظهرت جماعات مناهضة للّقاحات وبدأت تنشر المعلومات المضلّلة حول اللّقاحات بدون أسس علمية، الأمر الذي جعل نِسب من السكان في كثير من الدول تُحجم عن إعطاء أبنائهم اللّقاحات الأساسية مما تسبب في انتشار أمراض مثل الحصبة بعد أن اختفى هذا المرض لعقود.  لكن عندما يجتاح مرض دولة أو أكثر مثل وباء كورونا العالمي فإن الجميع يلجأ إلى المطالبة بإيجاد لقاح.

إذا كانت فكرة إنتاج اللّقاحات الخاصة بالأمراض المعدية معروفة ومفهومة، ولدى البشر العديد من التقنيات والأدوات لإنتاج هذه اللّقاحات فإن السؤال الذي يبرز على السطح.... لماذا ليس لدينا لقاح للكثير من الأمراض المعدية؟ سؤال آخر لا يقل أهمية...لماذا هذا التفاوت بين هذه اللّقاحات؟ البعض يحمي حماية شبه مطلقة وطويلة الأمد، بينما آخر يوفر مناعة قصيرة الأمد وربما لا يشكّل حماية أكيدة. نناقش في هذا المقال بعضاً من العوامل التي قد تشكل مفتاحاً للإجابة على هذه الأسئلة.

قبل البدء بسرد وشرح هذه العوامل لابد من شرح الفكرة العامة للّقاحات. حيث تعتمد اللقاحات على تنشيط جهاز المناعة من خلال حقنة بمولدات (أنتيجينات) خاصة بالميكروب المراد التحصين ضده. وقد مرّت عملية إنتاج المولّدات بمراحل وتطورات عدّة لكن الفكرة الأساسية لم تتغير. أنتجين يحقن في العضل، في الجلد، تحت الجلد أو يعطى للإنسان عبر الفم. ويقوم جهاز المناعة بالتعرف على هذا الأنتجين على أنه جسم غريب ويقوم بسلسلة من العمليات تؤدي إلى أمرين أساسين: الأول إنتاج أجسام مضادة لهذا الأنتجين والثاني تشكّل ذاكرة لهذا الأنتجين.

إن الاستجابة المناعية تختلف باختلاف التركيب الكيميائي للأنتيجينات، فعلى سبيل المثال تكون الاستجابة قوية للأنتيجينات المكوَنة من الجليكوبروتين glycoprotein يليها البروتينات   Proteinsثم عديد السكريات polysaccharides. تختلف أيضاً الاستجابة المناعية باختلاف الوزن الجزيئي للأنتيجينات. كلما كان المركب أكبر وأعقد كلما زادت قوة ردة الفعل المناعية. ويلجأ العلماء إلى تقنية ربط الأنتجينات على مركبات تعرف بadjuvant , وتتأثر الاستجابة المناعية أيضاً بمدى نقاء المركبات ومناعة الافراد وصحتهم وقت التطعيم.
ردة فعل مناعية سلبية تجاه الكائن الممرض.

يجب أن يكون حاضراً في الأذهان أن هناك أمراض تنشأ من ردة الفعل المناعية ومن تكون لديه مناعة مسبقة يتأثر سلباً أكثر من الأشخاص الذين ليس لديهم مناعة مسبقة. وربما لقاح فيروس RSV virus  (الفيروس المخلوي التنفسي)  Respiratory Syncytial virus الذي أظهرت تجارب استخدامه أن الأشخاص الذين تلقّوا اللّقاح كانت العدوى أشد شراسة وفتكاً بهم من الذين لم يتلقوا اللّقاح. وعرفت هذه الحالة في ستينيات القرن الماضي بتعزيز المرض التنفسي المصاحب للقاح (( vaccine-associated enhanced respiratory disease.  هذه النتائج أدت الى عدم إعطاء ترخيص لهذا اللّقاح. 
إن الكثير من فيروسات التهاب الكبد لا تُحدث ضرراً لخلايا الكبد وان من يهاجم خلايا الكبد ويدمرها هي خلايا المناعة المعروفة بالخلايا التائية القاتلة Cytotoxic T cell. وبالتالي فإن الضرر الناجم في الكبد يُعزى لجهاز المناعة الذي يحاول التخلص من الخلايا المصابة بالفيروس.

 وهناك مثال واضح أيضاً في هذا الإطار وهو ما يحدث مع مرضى الايدز. من المعروف أن درجة المناعة تنخفض عند مرضى الايدز وقد يصابوا بأمراض مختلفة منها ما يدخل الجسم ولا يؤثر على المريض إلّا عندما يعالج المريض بمضادات الايدز ويرتفع مستوى المناعة وتعرف هذه الظاهرة بمتلازمة إعادة تكوين المناعة Immune reconstitution syndrome
ضعف الاستجابة المناعية لبعض مسببات الامراض.

كما أسلفنا، بعض الأنتجينات لا تنجح في إثارة ردة فعل مناعية بسبب تركيبها الكيميائي أو حجمها الجزيئي.  وهناك مجموعة من الميكروبات لا تتشكّل لها مناعة رغم إصابة الشخص بها نظراً لضعف تحفيزها المناعي مثل: أنواع مصلية معينة من المستدمية النزلية Haemophilus influenza وكذلك الأمر أنواع معينة من المكورات السحائية N. meningitides.
تعدد السلالات المصلية للعامل المسبب للمرض.

وجود عديد من السلالات المصلية لنفس الميكروب (multiple serotypes) يُعقّد عملية إنتاج اللّقاحات وربما يشكل فيروس الرشح مثالاً واضحاً. هذا الفيروس تقريباً أكثر الفيروسات التي تصيب البشر انتشاراً على كوكب الأرض وربما لم ينجو من الإصابة به الّا القليل من البشر ومع ذلك لم يتمكن العلماء من إنتاج لقاح ولم تستثمر الشركات في إنتاج لقاح قد يرغب به كل سكان الأرض بسبب وجود العديد من السلالات المصلية التي قد تفوق المائة صنف.  ويتمكن الفيروس في التطور والتحور لتنشأ سلالات جديدة بشكل مستمر وهذا أيضاً يجعل من اللّقاح غير كافٍ للوقاية من السلالات الجديدة.
بينما مثال مغاير يتمثل في فيروس شلل الأطفال الذي يحتوي على 3 سلالات فقط، الأمر الذي مكّن العلماء من تصنيع لقاح يشمل الثلاث سلالات وبفضل هذا اللّقاح اختفى مرض شلل الأطفال من معظم دول العالم وانخفضت الإصابات من ملايين الى عدة عشرات.

خطورة المرض

لا تشكّل بعض الأمراض خطورة كبيرة على صحة البشر مثل فيروس الهربس من النوع 1  Herpes simplex type I، وبالتالي لم تستثمر الشركات في إنتاج لقاح للوقاية من هذا المرض.
جوانب اقتصادية قد لا تتشجع الشركات الطبية المصنعة للقاحات لإنتاج لقاح بسبب عدم الجدوى الاقتصادية خاصة اذا كان انتشار المرض محدود بمنطقة جغرافية محددة ولا يصيب عدد كبير من الناس او خطورته تعتبر منخفضة.

طبيعة العامل المسبب

فيروس الايدز من أكثر الفيروسات التي تم دراستها وفهم طبيعتها ودورة تكاثرها في العائل وهناك مئات المحاولات لإنتاج لقاح، لكن حتى تاريخ كتابة هذا المقال لا يوجد نجاح رغم تقدم التقنيات مثل تقنية التحرير الجيني واستخدام فيروسات كنواقل. فقد تفوّق فيروس الايدز على جهاز المناعة والعلماء على حد سواء.  تقريباً طفيل الملاريا والذي تسبب في إصابة ملايين البشر وما زال يعيق التنمية في كثير من الدول في أفريقيا...لم يتمكن العلماء من إنتاج لقاح ذو فعالية مطلقة.

وعلى النقيض فقد تم إنتاج لقاح لفيروس ايبولا يعطي مناعة تصل الى 100% ومن المعروف أن فيروس ايبولا شرس ويسبّب نسب وفيات مرتفعة قد تصل إلى أكثر من 50% من المصابين. بينما لقاح الانفلونزا لا يعطي حماية مطلقة ولكنه يقلل فرص احتمال الإصابة. حتى الآن، لا يوجد أيضاً لقاحات لفيروسات مرشّحة لأن تسبب أوبئة عالمية مثل فيروس نيباه، فيروس لاسا وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وحتى لا يُفهم بأن الجدوى الاقتصادية أو التوزيع الجغرافي للمرض هي العوامل الحاسمة لإنتاج اللّقاحات فلا بد من التأكيد على توفر لقاحات لعدّة أمراض تنتشر في بلدان استوائية مثل الحمى الصفراء، الكوليرا، وحمى الضَنك.

تباين تعقيد تركيب الكائنات الممرضة

الفيروسات غالباً بسيطة التركيب بالمقارنة بالبكتيريا والطفيليات، فقد تحتوي الفيروسات على عدة أنتيجينات بينما قد تصل إلى عدة آلاف في البكتيريا وربما أكثر في الطفيليات. فقد يحتاج الأمر إلى بحوث مطوّلة لاكتشاف أي من هذه الأنتيجينات يجب أن يُستخدم لتحفيز الجسم وتوفير مناعة ضد هذا الكائن أو ذلك. 

العقبات العلمية نادرة نسبياً، رغم أنها أكثر صعوبة

الكثير من الكائنات الممرضة متباعدة جينياً، وبالتالي توفر لقاح لأيّ واحد منها من غير المحتمل أن يوفر حماية ضد البقية. من الناحية العلمية ربما قلة التمويل تشكل العقبة الأساسية في أبحاث اللّقاحات والمشكلة الأخرى هي عملية فحص فعالية ومأمونية اللّقاح التي تستغرق زمناً طويلاً وتجارب عديدة. هذه الفترة الطويلة قبل اعتماد الّلقاح والتي قد تصل إلى عشرة سنوات تجعل من الاستثمار في إنتاج اللّقاحات أمراً غير مشجّع لكثير من الشركات.

كقاعدة عامة، إذا كان المرض المُعدي عادةً ما يترك عدد من الناجين ولو كان قليلاً ومحصّنين مدى الحياة، فمن الممكن الحصول على لقاح ضد هذا المرض.  فقد وُصفت العدوى الطبيعية بأنها "هي أم كل اللّقاحات". وربما يمثل مرض الجدري نموذجاً تنطبق عليه القاعدة بينما لا تنطبق على أمراض أخرى مثل السّل والايدز.

ويمكن في أن نخلص من هذا النقاش إلى أن عملية إنتاج اللّقاح رغم التقدم العلمي والتكنولوجي، ما زال يعتريها بعض الضعف وذلك بسبب مجموعة من العوامل المتداخلة لكن يبقى تشجيع ودعم البحث العلمي والاستثمار في إنتاج لقاحات جديدة أمراً ملحّاً خاصة مع بروز وانتشار ظاهرة مقاومة الجراثيم للمضادات وظهور ما يعرف بالأمراض الناشئة  emerging diseases والأمراض المنبعثة re-emerging diseases.

 

 




يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

    

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */