كشفت نتائج دراسة علمية جديدة حول كفاءة الأسواق المالية الخليجية خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2013 و تأثرها الكبير بأزمتي الرهن العقاري والربيع العربي. واعتمدت الدراسة التي نشرت في الدورية العلمية PhysicaA في شهر فبراير الماضي نماذج رياضية متطورة تستعمل في مجال الفيزياء وتستخدم لأول مرة لدراسة هذه الأسواق. يقول الباحثان اللذان أنجزا الدراسة وهما التونسيان كريم بن خذيري من جامعة قرطاج وشرف الدين الأنور من جامعة قطر أنهما درسا تطور كفاءة أسواق الأوراق المالية مع مرور الوقت -أو الكفاءة الزمنية المتغيرة- بدلا من تقييم أدائها عند نقطة معينة من الزمن كما فعلت الدراسات السابقة. وتسمح هذه المنهجية باستكشاف التغير المستمر والسلس في سلوك أسعار الأسهم وبالتالي تجسيد تطور الكفاءة مع مرور الوقت بدلاً من تقسيم الفترة إلى فترات فرعية على أساس العوامل المفترضة كما ما ورد في المقال.

وتم في هذه الورقة اختبار التغير الزمني لكفاءة الأسواق باستخدام طريقتين. الطريقة الأولى تجمع بين نموذج "معامل الحالة الزمني والمكاني" المعروف بمرشح "كالمان" مع نموذج عدم تجانس مشروط الانحدار المعمم في المتوسط (GARCH-M). وتستند الطريقة الثانية على تقنية "نافذة المتداول" التي تمكن من تقدير التغير الزمني لمعامل الذاكرة الطويلة Time varying estimate of the fractional long memory parameter. وتستخدم تقنية تحليل تقلبات R / S الإحصائية. ويقول الباحث كريم بن خذيري أن الدراسات العلمية السابقة لم تتناول كثيراً مسألة عدم استقرار المعاملات coefficients وتأثيرها على اختبارات كفاءة السوق. وهذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تُنجز باستعمال نماذج رياضية تُستخدم عادة في مجال العلوم التجريبية وتأخذ بعين الاعتبار العوامل المتغيرة في الاختبار لتمثيل "الحالة- الزمن" و"التغير الزمني" لكفاءة الأسواق المالية الخليجية.

ويعرف تمثيل الحالة في هندسة التحكم مثلاً، بأنه نموذج رياضي لنظام فيزيائي ديناميكي تصفه معادلات تفاضلية ويستعمل خاصة في مجال الفيزياء. إذ لكل نظام قاعدة تطور (تعبر عنها دالة رياضية) تصف ارتباطه بالزمان والمكان وتحدد بالتالي الحالات المستقبلية للنظام اعتمادا على حالته الراهنة. ومن الوسائل المستخدمة في الدراسة مرشح كالمان "معامل الحالة الزمني والمكاني" وهو مرشح يستعمل عادة لحساب حالات نظام ديناميكي ما أو التنبؤ به اعتمادا على نموذج أو قياسات مشوشة له. ويستخدم هذا النموذج الرياضي في مجال الاتصالات والرادار ودراسة تطور الأحوال الجوية. وكان الهدف من انجاز هذه الدراسة هو اختبار تطور كفاءة أسواق الأسهم الخليجية عبر الزمن. و قد قام الباحثان تحقيقاً لهذه الغاية بأخذ البيانات اليومية من أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي الست خلال الفترة الممتدة من مايو 2005 الى سبتمبر 2013، مما سمح باختبار تأثير العديد من الإصلاحات التنظيمية التي اتخذتها السلطات خلال العقد الماضي. كما سمحت الفترة بحساب وقع أزمة الائتمان العقاري فضلاً عن آثار الربيع العربي الأخيرة على كفاءة أسواق الأسهم الخليجية.

وتظهر النتائج التجريبية للبحث أن كفاءة الأسواق المالية الخليجية تتطور مع مرور الوقت، وأن أزمة الرهن العقاري الأخيرة وأحداث "الربيع العربي" التي شهدتها العديد من الدول العربية كان لها تأثير كبير على التغير الزمني لكفاءة هذه الأسواق. كما تشير نتائج البحث إلى أن التغير الزمني لمعاملات الانحدار كانت ذات دلالة إحصائية. وهو ما يشكك في مصداقية طرق التقدير التقليدية التي تفترض أن المعلمات الخاصة بهذه الأسواق ثابتة، كما يقول الباحث كريم بن خذيري. وذكرت الدراسة أن عدد الشركات المدرجة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ارتفع من 473 في 2005 إلى 658 قبل نهاية عام 2012. وسجلت المملكة العربية السعودية أكبر زيادة في عدد الشركات (81) تليها الكويت (46).

وقد انخفضت القيمة السوقية لسوق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى ما يقرب من 70%، من حوالي 1012 مليار دولار في عام 2005 إلى 700.9 مليار دولار في نهاية عام 2012، في حين زاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 122% من 670 إلى 1508 مليار دولار خلال نفس الفترة. ويعد سوق الأسهم السعودي هو الأكبر في منطقة الخليج من حيث القيمة السوقية، تليها قطر للأوراق المالية، في حين أن سوق الكويت للأوراق المالية هي أكبر سوق من حيث عدد الشركات المدرجة.

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com