للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

الطّـالب العــربـي "في الميــزان الأكـاديمـي"

  • الكاتب : الحسين بشوظ

    منظمة المجتمع العلمي العربي

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    09:48 ص

  • تاريخ النشر

    06 أبريل 2017

يُعتبَر الطالبُ الجامعي، ثمرةَ المجتمع وبريقَ الأمل الذي تُعلِّقُ عليه المُجتمعات آمالَها وأحلامَها للنهوض بالأمَّة، ووضعِها في مصاف الدول المزدهرة والمتقدمة على جميع الأصْعُدِ والمستويات. وتُنْفِقُ الدول التي تُقَدِّرُ قيمة الطالب الباحث أموالاً طائلة لتكوينِ وتخريجِ أفواجٍ متميزةٍ ومتفوِّقة من الطلبة، وتُوَّفِّرُ لهم كلَّ الإمكانيات وجميعَ الوسائل الضرورية لِخوْضِ غمار البحث العلمي الجاد والرصين في كل التخصصات؛ وفي شتى المباحث العلمية والحقول المعرفية، بما يساعد على الابتكار والإبداع والتطوير، وبما يعود بالنفع على هذه المجتمعات التي تُقدِّرُ قيمة الطالب وتُنفق عليه بسخاءٍ لكيْ تستفيد مِن عوائدِه العلمية والمعرفيّة والفكرية والاقتصادية.

الطالب العربي في الميزان العلمـــي المعرفي

 يُعاني كثير مِن الطلبة في الوطن العربي مِن ضُعف مُركَّب، ناتجٍ عن تراكماتٍ عديدة ومُتداخلة أبرزُها النقص المعرفي الذي يراكمُه الطالب منذ المستويات التعليمية الأولى وصولا إلى الجامعة. ليبلُغَ هذا الضّعف أوْجَهُ عندما يتخرجُ الطالب العربي من الجامعة وهو جاهل بأبسط أبجديات تخصُّصِه، مما يجعلهُ غيرَ قادرٍ على الانفتاح على الآفاق الأخرى التي تنفتح عليها شُعَبُهُ وتخصصاتُه المختلفة، بالإضافة إلى عدم قردتِه على المنافسة في مباريات التوظيف، فضلا عن أن يُبدع أو يَبتكر أو يُطور، وبالتالي لا يَبقى معه سوى هذه الشهادة اليتيمة التي لا تسمن ولا تُغني مِن جوع.

فاقد الشيء لا يُعطيــه

بالنظر إلى الظروف العامة (سياسية - اقتصادية – اجتماعية – فكرية – معرفية) في البيئة العربية التي لا يمكن وصفُها إلا بالسلبية (تأدُّبا) وإن كانت (هذه الظروف) في الحقيقة أسوءَ مِن ذلك بكثيـــر، فإن آثارها الوخيمَة طالتْ الشباب العربي بصفة عامة، والطالبَ العربيَّ على وَجْهِ الخصوص، الذي صار (حسب مجموع المعطيات والأرقام والاحصائيات المتواترة) مِن بين العينات الطُّلابية الأضعف في العالم، فالطالب العربي ضعيفٌ جدا، والمراتبُ التي يحتلُّها الطالب العربي عالميا هي نفسُها التي تحتلُّها الجامعات التي يتخرّج منها، فانعدامُ المخرجات النوعية من الجامعات العربية، وعدَمُ لَمْسِ أيِّ تجلٍّ إيجابيٍّ لها في المجتمع العربي، مَرَدُّهُ ضُعْفُ الـمُدخلات التي تلِج هذه الجامعات وأهمُّها الطالب. والذي يُعتبَر كذلك أهمُّ مخرجاتِها.

الطالب العربي ممتازٌ في الدرجات والنِّقاط، وضعيفٌ عِلميا ومعرفيا.

إن غالبية الجامعات العربية تُخرِّجُ طلابا غيرَ مؤهلين وغيرَ مُدرَّبين على النهوض بالوظائف التي تخدم مجتمعَاتـِهم، والتي يحتاجها المجتمعُ بشكل مُلِحّ، وبالتالي انكفأتِ الجامعات على نفسِها ولم يعد الطالب العربي يهتم بالبحث العلمي أو التحصيل أو التطوير والابتكار، بل صار يبحث عن علاقات داخل مؤسسة الجامعة أو خارِجها ليَعْبُرَ منها إلى وظيفة كيفما كانت، بسبب فقرِه المعرفي والعلمي، وصارتْ الجامعات العربية تستنسخ دور المدرسة، فأصبح الأستاذُ الجامعيُّ مُعلماً بدل أن يكون أستاذا مُشرفا، وصارَ الطالبُ تلميذاً بدل أن يكون باحثا، ونُحِّيَ البحثُ العلمي تماما من أولويات الجامعة، وحلَّ محلَّه التلقين والحفظ والامتحان والدرجات والنقط والشهادة.
 
قد لا أبالِغ إذا قُلتُ إن الطالب العربي يتخرّج تلميذا لا باحثا، مَهْما تقدم في المستويات والأسلاك التعليمية، لسبب بسيط هو:
طبيعة الأنظمة التعليمية القديمة، ومناهجِها العتيقة، وعقلية التسيير التي تمارس السلطة بدل التشارك.

الطالب العربي والتطوير الذاتي
رغم أن الواقع العلميَّ والفكريّ والمعرفيّ قاتـِمٌ للغاية في الوطن العربي وبِنسب متفاوتة من دولة إلى أخرى، إلا أن ثمة دائما عَـيِّــنة وَلَوْ بسيطة مِن (الطلبة) النوابغ والمتفوقين والعباقرة، وثمة عينة أخرى عندها قابلية أن تتفوّق وتتميّز إذا وجدتْ من يدعمُها. وللأسف الشديد لا يتمُ لا استثمارُ ولا توظيفُ العـيّـنـة الأولى، ولا دعمُ ومساعدةُ العينة الثانية، بل يتمُّ إهدارُ كفاءاتٍ كبيرة في وطننا العربي، بسبب انعدام وغياب الرؤية التطويرية والدعم والمواكبة، ففئةٌ كبيرة من الطلاب الذين يمتلكون قابلية للتطوير والتفوق، والذين لا يستطيعون القيام بهذا التطور ذاتيا، يفشلون بسرعة عندما لا يجدون الظروف المناسبة والدّعم الكافي، خصوصاً من طرف الجامعة، وتبقى نسبةٌ قليلةٌ جدا هي فقط من تستطيع تطويرَ نفسِها ومهاراتِها ذاتيا. وهذه الفئة تُضيِّع الكثيرَ من الجهد والوقت في أمور كان من المفروض أن توفرها البيئة الحاضنة، (الجامعة)، لكيْ يتفرغ الطالب للأمور المهمة.

ففي كثير من الدول العربية التي أنْ تكونَ فيها طالبا، يَعْنِي أن تُعاني على جميع المستويات فالطلبة (في هذه الدول) يَهدرون مُعظم وقتِهم في مزاولة بعض المِهن لتسديد نفقات الكراء ومصاريف النسخ والأكل والمواصلات، بدل استثمار هذا الوقت في المكتبات وفي البحث العلمي، والسبب عدمُ تَحَمُّلِ الوزارة لمسؤولياتِها في توفير السكن الجامعيّ وصرف مِنَحٍ معقولة لهؤلاء الطلبة الذين تعتبرُهُم وزارات التعليم العالي في بعض الدول العربية عِبْئا ثقيلا وصُداعا مؤرقا يجب التخلُّص منه، في حين تَعتبرُهُم الدول التي تعرف قيمة الاستثمار في الثروة البشرية كنزاً ثميناً لا يُقَـدَّرُ بثمن.

عمومُ الطلبة العرب لا يستطيعون أن يعيشُوا حياةً مُتكاملة فيها رياضة، ثقافة، فنّ، سياسة، هِوايات، أدب، علوم، مسرح ... وسفريات.
إنهم يعيشون في بوتقة محصورة ومحدودة جدا طيلة سنوات دراستِهم بسبب شح الموارد وكثرة الإكراهات وغياب البرامج الحكومية في هذا المجال المهم والضروري.

سلوكات ومظاهر سلبية في بعض الجامعات العربية

في العالَم العربي نجدُ قطيعةً وتنافراً بين الجامعات والكليات ذات التخصصات المختلفة، فكُلية العلوم مثلا، لا تربطها أية علاقات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية الحقوق لا تتفاعل مع كلية الشريعة أو الاقتصاد، أو كلية علوم التربية ... وهَلُمَّ جرّا. هذه الحالة من العُزلة تم تصديرُها للطلبة وإشاعتُها بينَهُم حتى صارت قانونا عُرفيًّا، وأصبح وجود طالبٍ علميٍّ في حَرَمِ كلية الآداب يُشكل له إحراجا حقيقيا، سواءً أكان وجودُه عفويا أو لغاية مثل الاستفادة من خدمة النسخ أو لولوج فضاء المكتبة أو حضور محاضرة. من السلوكات السلبية كذلك، حُبّ ممارسة الأستاذية والسلطة على الطلبة من طرف بعض الأستاذة والإدارة معا، وهذا النمط من التفكير، وهذه العقلية السلطوية الرجعية تقتلُ حِسّ الإبداع والتطوير والمشاركة وأخذِ زمام المبادرة لدى الطالب. ومن المظاهر السلبية أيضا في بعض الجامعات العربية؛ وجودُ بعض الأساتذة الذين يستغلون الطلبة في إنجاز مشاريعهم البحثية ويسخّرون مجهوداتِهم وقدراتِهم في تحضير دراساتِهم وأبحاثهم الأكاديمية، عن طريق بثّها وإدراجِه كمواد للمحاضرة، ومُطالبة وإلزام الطلبة بتحضير محاور وفصول محدَّدَة، يجدُها الطالب فيما بعد في الكتب والمراجع التي يطبعها الأستاذ، أو في أوراق  الندوات والملتقيات العلمية الوطنية أو الدولية التي يشارك فيها.

كما أن صلابة الأنظمة القائمة في البيئة العربية، سواءً الأنظمة الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، وتبعاتِ نقدِها أو انتقادِها، أو الخروج عليها، وفَرْض النَّسق العام والمهيمِن على الطالب؛ وتحويلِه من باحث شغوف ومتسائل باستمرار ومُحِبٍّ للتمرد والخروج على المألوف، إلى مُجرّد تلميذٍ مُحاط بالمحظورات والمحرمات والممنوعات، ومُكلَّفٍ فقط بالتحضير والحفظ والاستعداد للامتحان وحصْدِ الدرجات. من مظاهر الانفصام في الجامعات العربية انفصالُ الواقعِ عن النظريات، إذ كلُّ ما يتلقاه الطالب العربي من نظريات أو معارفَ أو معلوماتٍ مِثالية، يصطدم بانعدامها في واقِعه المَعِيش، وبالتالي يسود نوع من الإحباط، وتتحول رغبة الطالب من حُبِّ التغيير والتطوير إلى محاولة التأقلم وانتهاز الفُرَص بِغَضِّ النظر عن مشروعيتِها. فأصبح الطالب العربي لا يُبدع ولا يُطوّر ولا يبتكر، بل يتلقى فقط ويَدرس ويحفظ ويُحضِّر وينتظر الدرجة والشهادة.

الطالب العربي لا يتعامل مع المُختبرات، إنه يتعامل مع الأستاذ والدروس وملخصات الكُتب وكراسات التحضير.

الكَمْ على حساب الكَيْف

تعيش بعضُ الجامعات العربية حالة من الاكتظاظ غير المسبوق، يصل في بعض الأحيان إلى أرقام فلكية، هذا الاكتظاظ مَرَدُّهُ الإهمال وعدم تطوير مؤسسات التعليم العالي، وجعلِها قادرة على مواكبة واستيعاب التزايد المستمر في عدد الطلبة كل سنة، بالإضافة إلى انسدادِ الأفق في وجه الشباب العربي الحاصل على شهادة الباكالوريا، وبحثِهِ عن مكان يهربُ إليه حتى لا تُطارده أعين الناس وألسنتُهُم، حتى صارتِ الجامعات في هذه الدول (العربية) أشبَهَ ما تكون بِمقرّاتِ إيواءٍ، وأصبح الطلبة أشبه ما يكونون باللاجئين، فيما تعيشُ غالبية الجامعات العربية (باستثناء دولة أو دولتين) فقراً تاماً على مستوى الأجهزة والمعدات والمرافق الأساسية، لدرجة أن بعض الجامعات تعجز عن توفير مقاعدَ وكراسيّ وسبوراتٍ لطُلابِها، فكيفَ بِتوفيرِ أجهزةِ ومعدات البحث العلمي، وتجهيز المختبرات والمرافق الأساسية والعلمية.

وفي الـمـُحصِّلة النهائية لهذه الجامعات، يتم تخريج  عشرات الآلاف مِن الأميين سنويا يحملون شواهد النجاح ولا يحملون عِلما ولا خبرات ولا تأهيل (دون أن نُعمّم طبعا). ويُطالبون بحقهم في الحصول على عمل أو وظيفة، فينتهي بهم الأمر في دوامة لا منتهية من البحث والفراغ والـملل، هذه الحالة يضطر الطالب معها إلى البحث عن تكوينات مِهنية جديدة كمحاولة أخيرةٍ منه لولوج سوق الشغل، مما يؤدي إلى تضييع سنواتٍ أخرى مِن تكوينٍ إلى آخر، ومِن تدريب لآخر، ما يجعل الطالب عرضةً للاستغلال من طرف لوبيات القطاع الخاص ومافيا الشركات التي تستقطب أفواجا من المعطلين دون ضمانات لتتخلّص منهم فيما بعد دون جبر أو تعويض. كل هذه المشاكل تدفعنا إلى النظر بجدية أكبر في إعادة إصلاح منظومتنا التعليمية؛ وضورة مباشرة إصلاحٍ حقيقيٍّ وشامل يُركز على بناء الطالب العربي النموذجي؛ القادر على النهوض بهذه الأمة وانتشالِها من قاع التخلف والجهل والانحطاط إلى مصاف الأمم المتقدمة والمتطورة.

 

بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */