للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

دراسة جديدة تحذر..

الدول العربية ضمن أكثر الدول تضررا من النشر الاستغلالي

  • الصغير محمد الغربي

    صحفي علمي

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    04:45 م

  • تاريخ النشر

    23 فبراير 2021

النشر الاستغلالي، أو النشر الزائف، هو نشر أكاديمي يتضمن فرض رسوم نشر على المؤلفين دون التحقق من جودة المقالات وشرعيتها ودون تقديم خدمات التحرير والنشر التي توفرها المجلات الأكاديمية الرصينة، سواء كانت مفتوحة أم لا. في هذه العملية يقوم ناشرو الدوريات بتضليل الباحثين بهدف دفعهم للنشر فيها، وقد يدرك بعضهم أن المجلة ذات جودة رديئة أو حتى مزورة، وهنا تنشأ وضعية تضارب في المصالح من شأنها  تقويض مصداقية النشر العلمي المتاح الوصول، كما يقول المختصون في المجال، فيكون المؤلفون متحمسين للدفع مقابل نشر أعمالهم من أجل التقدم الوظيفي أو تقييم البحث، على سبيل المثال. في المقابل، يغض الناشرون الاستغلاليون الطرف عن أية قيود على الأوراق أثناء مراجعة الأقران لصالح تحقيق دخل من رسوم المؤلفين، وقد يصل الأمر حد تزييف عملية مراجعة الأقران وطبع أي شيء تقريبا مقابل المال، دون أي وازع. وقد أشارت بعض الدراسات السابقة إلى أن البلدان النامية معرضة بشكل خاص لخطر التضليل من قِبل الناشرين.

يمكن النظر إلى النشر الاستغلالي أو الزائف على أنه إهدار للموارد. وقُدّر حجم هذه السوق بما يصل إلى 74 مليون دولار أمريكي في عام 2014، بناءً على رسوم معالجة المقالات، وربما زاد هذا الرقم بشكل كبير منذ ذلك الحين. ويتوقع الباحثون بأن يكون الحجم الحقيقي يتجاوز بكثير قيمة هذه الرسوم، لتشمل كذلك التكاليف غير المباشرة الناشئة عن حقيقة أن فرصة تجاوز عملية مراجعة الأقران القياسية تقود الباحثين إلى الضلال. بدلاً من قضاء وقتهم في إنتاج رؤى ذات صلة، قد يميل الباحثون بشكل متزايد إلى كتابة أوراق بحثية مزيفة تتظاهر بأنها علمية فقط. إذا حدث هذا على نطاق متزايد، فإن أنظمة البحث في خطر. حقيقة أن الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية يتم تمويلها في الغالب من مصادر عامة تضخم هذه المخاوف.

ولتحذير الباحثين من الوقوع في شراكها، قام المختصون بوضع قوائم تضم الدوريات الاستغلالية، أشهرها قائمة بيل Beall التي أعدها الباحث جيفري بيل من جامعة كولورادو ووقع تحيينها بانتظام إلى غاية 2017، والقائمة السوداء لكابيل Cabell بالإضافة إلى قوائم أخرى يعتمد بعضها على قائمة "بيل" الأصلية.

وقد حدد جيفري بيل المعايير التي تضع النشرية (إذا توفر واحد منها على الأقل) ضمن دائرة المجلات الاستغلالية وهي: اعتماد نفس هيئة التحرير لأكثر من مجلة واحدة، أو غياب تنوع جغرافي بين أعضاء هيئة التحرير خاصة بالنسبة للمجلات التي تدعي أنها دولية أو ذات نطاق عالمي، أو عدم وجود سياسة للحفظ الرقمي لدى الناشر، مما يعني احتمال اختفاء المحتوى بالكامل إذا توقفت المجلة عن العمل، أو منع الوصول للمحتوى بهدف التحقق من الانتحال أو تعارض اسم الدورية مع مهمتها أو عدم فهرسة محتواها في خدمات الاستخلاص والفهرسة المشروعة.

في دراسة علمية جديدة نُشرت في دورية Scientometrics في السابع من فبراير الجاري 2021 قام باحثون من أكاديمية العلوم في تشيكيا بتحليل بيانات خاصة ب172 بلدا شملت 324 دورية مصنّفة بكونها استغلالية قامت بنشر حوالي 164 ألف مقالة في أربع مجالات بحثية بين عامي 2015 و2017. وأثبتت النتائج التي توصلوا إليها أن الدول الواقعة في آسيا وشمال أفريقيا بما فيها الدول العربية كانت الأكثر تضررا من ظاهرة النشر الاستغلالي. في المقابل، كانت أجزاء أخرى من العالم كأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء أقل تأثرا بهذه الظاهرة.

تضمن ترتيب الدول العشرين الأولى من حيث نسبة المقالات المنشورة في المجلات الاستغلالية، الذي وضعه مؤلفو الدراسة، 9 دول عربية هي العراق بنسبة 12.94 بالمائة وعمان 8.25 بالمائة واليمن 7.79 بالمائة والسودان 7.2 بالمائة والأردن 7.19 بالمائة والمغرب 6.95 بالمائة وسوريا 6.88 بالمائة ومصر 6.65 بالمائة وفلسطين 6.56 بالمائة وأخيرا ليبيا 6.06 بالمائة. كما احتوت قائمة الدول الموالية في أعلى هذا الترتيب بعض الدول العربية الأخرى مثل الجزائر والبحرين والعربية السعودية.

في هذه الدراسة بدت الدول العربية، في المتوسط، أكثر عرضة للنشر الاستغلالي، وبحسب الباحثين فإن ذلك يعود إلى مجموعة من العوامل التي تؤثر على كيفية تنظيم البحث وتقييمه وتمويله. كما أن حداثة منظومات البحث لا سيما في الدول النفطية الغنية التي بدأت منذ عقود قليلة في تطوير منظومات التعليم العالي والبحث العلمي لديها، مازالت تفتقر إلى ثقافة تقييم بحثية قوية، الأمر الذي يستغرق وقتا لتطويره.

على المستوى العالمي، احتل أعلى الترتيب كل من كازاخستان وإندونيسيا، بنسب تصل إلى حوالي 17% من المقالات المنشورة في الدوريات المتحيلة، إلى جانب كل من ماليزيا والهند وكوريا الجنوبية وألبانيا والفليبين وطاجيكستان وسلطنة بروناي.

وخلص الباحثون إلى أن البلدان الأكثر نموا وتلك الأقل نمواً تميل بشكل عام، إلى أن تكون أقل تأثراً نسبيا بظاهرة النشر الاستغلالي، على العكس من البلدان النامية التي لديها أنظمة بحثية ناشئة، ( باستثناء دول أمريكا الجنوبية)، التي كانت الأكثر تضرراً.

ويكشف التحليل الكمي لأعداد المقالات في المجلات الاستغلالية أيضا عن الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة في البلدان التي لديها أنظمة بحث كبيرة. ففي هذه البلدان، يمكن أن يكون النشر الزائف واسعا للغاية، حتى لو كانت النسبة إلى إجمالي المقالات ضعيفة نسبيا. وتمثل الصين الحالة الرئيسية في هذا الصدد، حيث لا تتجاوز نسبة المقالات المنشورة في المجلات الاستغلالية 3.66% من إجمالي عدد المقالات الوطنية، لكن هذه النسبة تعني أن هناك حوالي 44 ألف مقالة منشورة في هذه الدوريات المضللة كان لها مؤلف مشارك واحد على الأقل من الصين؛ مما يجعل الصين تحتل رأس قائمة الدول الأكثر تضررا من النشر الزائف من حيث عدد المقالات تليها كل من الهند والولايات المتحدة.

أظهرت نتائج الدراسة كذلك تفاوتا في النشر الزائف بين مجالات البحث الأربع موضوع الدراسة وهي العلوم الاجتماعية وعلوم الحياة والعلوم الصحية والعلوم الفيزيائية، وبينت النتائج أن العلوم الاجتماعية وعلوم الحياة كانتا المجالين الأكثر تضررا من هذه الآفة وسجلتا نسبا أعلى مرتين من العلوم الصحية والعلوم الفيزيائية. وتتأثر العلوم الاجتماعية بشكل خاص بهذه المشكلة في عدد من البلدان منها 7 دول لها أنظمة بحث كبيرة نسبيًا كماليزيا وإندونيسيا وأوكرانيا، حيث يظهر أكثر من خُمس المقالات في المجلات الاستغلالية، إضافة إلى 14 دولة تندرج فيها عُشر المقالات تحت هذه الفئة. مما يجعل مصداقية المجال بأكمله على المحك في هذه البلدان وفقا للباحثين.

وبتحليل المجالات المتأثرة بهذه الظاهرة في البلدان العشرين الأولى الأكثر تضررا من هذه الظاهرة، وجدت الدراسة أن ظاهرة النشر الاستغلالي في إندونيسيا والعراق وسلطنة عمان شملت مجالات البحث الأربعة، وفي مصر وإيران وكازاخستان وليبيا وماليزيا ونيجيريا وفلسطين والسودان واليمن ثلاث مجالات. وكتب مؤلفو الدراسة تعليقا على ذلك بقولهم "إن ممارسات النشر الاستغلالي في هذه البلدان، أصبحت على ما يبدو مشكلة منهجية على المستوى الوطني، لا تقتصر على مجموعات معينة". على العكس من ذلك، لاحظ الباحثون أن هناك دولًا لم تشمل فيها هذه الظاهرة سوى مجالات معينة فقط. فالصين على سبيل المثال، تعد إلى حد بعيد الأسوأ في العلوم الصحية، ولكنها لا تظهر في أي قائمة من قوائم المجالات أخرى. كما تبرز ألبانيا في العلوم الاجتماعية فقط. وبالمثل، تبدو الهند سيئة السمعة في مجالات الحياة والعلوم الفيزيائية فقط، وروسيا في علوم الحياة والعلوم الاجتماعية، وأوكرانيا في العلوم الاجتماعية.
 

بشكل عام، تشير الأدلة المقدمة في هذه الورقة إلى أن البلدان ذات المستوى المتوسط من التنمية الاقتصادية والتي لديها قطاعات بحثية كبيرة هي الأكثر عرضة للنشر الزائف. وهي تمثل تحذيرا للبلدان النامية التي تخصص موارد كبيرة لدعم البحث، ولكنها قد لا تولي اهتماما كافيا لرفع مستوى قدراتها على إدارة البحوث، بما في ذلك إطار تقييم البحوث.

 

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

مقالات ذات صلة:

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

    

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • دكتور قاسم زكى جامعة المنيا، مصر23 فبراير, 202103:51 م

    مازال السيل المنهمر من الدوريات الوهمية يتدفق

    نشكر الاخ الزميل الصغير محمد الغربي على مقالته الرائعة، والتى تعد انذار خطير لما يؤهل اليه البحث العلمي وتعرضه للنشر المزيف دون تحكيم الابحاث المنشورة جيدا، بل السعى وراء الحصول على المال للنشر السيع فقط دون الانتباه لجودة البحوث. ورغم اننا حذرنا من تلك الظاهرة منذ 6 اعوام، لكن للأسف مازال مستمرة.وأعتقد الحل هو فى الزملاء الباحثين يجب تحريهم الدقة فى الاماكن التى ينشرون فيها ابحاثهم وليس الهدف هو سرعة النشر او الانسياق وراء كلمة "دولى" وهى موجودة فقط فى اسم المجلة، دون التزامها بالمعايير الأساسية فى عملية النشر العلمي.

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */