للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

لماذا فشلت الأنظمة الصحية في التصدي لجائحة كورونا؟

  • الكاتب : أ.د. عبدالرؤوف علي المناعمة

    الجامعة الإسلامية /فلسطين

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    11:53 م

  • تاريخ النشر

    09 ديسمبر 2020

في أعقاب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، خاضت دول العالم الواحدة تلو الأخرى أو بالتزامن، معارك طاحنة لمكافحة انتشار العدوى، وفرضت تدابير وقائية لإجبار السكان على التباعد الاجتماعي وضخت أموالاً لتحقيق استقرار الأسواق وأصبح مصير الاقتصاد العالمي يتسم بالغموض إلى حد غير مسبوق. ورغم تفاوت القدرات لتلك الدول فإن السمة الغالبة كانت الفشل في الحد من الانتشار وانهيار الأنظمة الصحية أو عدم قدرتها على التعاطي مع الجائحة بشكل فعّال. وهنا سنناقش بعضاً من الأسباب التي قد تكون ساهمت في الوصول إلى هذا الوضع.
 

  1. عدم الاستعداد الكافي

العالم بأسره وخاصة الدول الصناعية بدأت في وضع الأمراض المعدية في مرتبة متدنية من أولوياتها الصحية بسبب الانخفاض الملحوظ في أعداد الإصابات والوفيات من هذه الأمراض، وبالتالي أصبح هناك نوع من التراخي وعدم الاستعداد وقد يكون هذا السبب رئيسي لذلك سنورد بعضاً من مظاهر عدم الاستعداد.

بعض الدول لم يكن لديها خطط استعداد مسبقة، وحتى تلك التي امتلكت خطط لم يكن لديها طواقم صحية كافية، وكان هناك نقص شديد في معدات الوقاية الشخصية. ولم تستطع بعض الدول من توفير كميات كافية من الفحوصات التي لها دور رئيسي ومحوري في الكشف عن الحالات الموجبة وتتبع المخالطين، الأمر الذي يمكن من محاصرة انتشار الوباء.
 

  1. تباطؤ الأنظمة والحكومات في الاستجابة وإغفال بعض الأنظمة الأمر وكأنه غير موجود.

بعض الدول لم تأخذ التحذيرات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية الخاصة بخطورة الفيروس، بل إن البعض هوّن من أمر الفيروس ووصفه بأنه أقل خطراً من الانفلونزا. والبعض الآخر تجاهل الأمر بشكل شبه تام، ورغم كل المؤشرات التي تفيد بوجود نسب إصابات مرتفعة إلا إن الأرقام الرسمية كانت منخفضة جداً. هذا الأمر أدّى إلى تفشي كبير في تلك الدول ولم يكن بالإمكان تسجيل الخسائر الناجمة عن الفيروس بدقة.
 

  1. عدم وجود علاج متخصص للفيروس

ساهم عدم وجود علاج فعّال متخصص في عدم القدرة على السيطرة على الفيروس. رغم كل المحاولات الحثيثة من دول ومؤسسات بحثية، إلا إنه لم يعتمد أي علاج فعّال للقضاء على الفيروس أو الحدّ من تكاثره بدرجة تساهم في الشفاء وبالتالي في تقليل فرص الانتشار.
 

  1. سوء إدارة الأزمة

لا يخفى على أحد بأن هذا الوباء كشف نقاط ضعف كثيرة في معظم الدول. وهناك تخبط أحياناً في إدارة الأزمة. قد يكون ذلك ناتج عن عدم اليقين وتضارب نتائج الدراسات، لكن المؤكد أن هناك أخطاء كارثية أدّت إلى تفاقم الانتشار في كثير من المناطق. ومن مظاهر سوء إدارة الأزمة عدم الاهتمام منذ البداية بزيادة نسبة الفحوصات، وهناك أيضاً أخطاء تتعلق بالحجر المنزلي.
 

  1. عدم القدرة على ضبط تنقل المواطنين بسبب تعقيدات الحدود.

كان لفرض القيود سواء الدولية أو المحلية على تنقل الأفراد والبضائع أثر إيجابي في محاصرة بؤر الانتشار، وربما ما حدث في الصين كان نموذجاً بارزاً. بعض الدول لها حدود ممتدة ومعقدة جعلت من السيطرة على تنقل الأفراد عبر الحدود أمراً صعباً، وهذا أدّى إلى ظهور بؤر عدوى في عدة أماكن من الدولة الواحدة دون القدرة على تتبع المصدر والمخالطين.
 

  1. الوضع الاقتصادي لبعض الدول أدّى لعدم القدرة على الصمود نتيجة الاغلاقات المتكررة.

ربما يميل الكثير إلى فكرة إغلاق منطقة جغرافية لفترة شهر على سبيل المثال في سبيل الحد وإيقاف تدفق الحالات المصابة التي تؤدي إلى إغراق النظام الصحي. هذه الفكرة تصطدم بواقع من خلاله يجب توفير الغذاء والماء والخدمات الأساسية للسكان في المنطقة المراد إغلاقها، وهذا يتطلب قدرات مالية ولوجستية مرتفعة. وشخصياً أظن أن معظم الدول لم تستطع أن تنجح في هذا التحدي سوى الصين، وإن كان هناك نجاحات متفاوتة.
 

  1. التركيبة السكانية لبعض الدول ساهمت في الضغط على الأنظمة الصحية.

الهرم السكاني بحسب الفئات العمرية للسكان يختلف من دولة إلى أخرى. معظم الدول العربية تعتبر مجتمعات فتيّة حيث يكثر صغار السن ويشكلون النسبة الأعظم من التركيبة السكانية، بينما في أوروبا على سبيل المثال، يكثر كبار السن. وفي بعض البلدان من يفوق الثمانين عاماً أعدادهم كبيرة وهم للأسف الفئة الأكثر تأثراً من بين الفئات العمرية، وبالتالي شكّل ذلك ضغطاً على الأنظمة الصحية مثلما حدث في إيطاليا. لكن ألمانيا التي تتشابه مع ايطاليا في التركيبة السكانية لم تعاني من هذه المشكلة بسبب توفر العدد الضخم من أسرة العناية المكثفة بالإضافة إلى إجراءات التباعد الاجتماعي التي كانت أكثر التزاماً في ألمانيا منها في إيطاليا.
 

  1. السلوك السكاني ساهم في نشر الفيروس (الأحداث الأكثر مساهمة في النشر)

انقسم العالم حيال تجربة الصين في مكافحة الوباء بين معجب بالتزام السكان الحديدي بالتعليمات رغم طول فترة جهود المكافحة وبين غاضب من الإجراءات الصارمة التي فُرضت على السكان وحاول إظهارها بأنها من أعمال القمع وتقييد الحريات. وبنظرة على مجريات الأمور فإن الانضباط واتباع التعليمات بين السكان كان وما يزال محور جهود السيطرة، وربما شكّلت سلوكيات الناس وعاداتهم الاجتماعية فكرة عامة عن سير انتشار الفيروس. في البلدان التي لا يميل فيها السكان للتقيد بالتعليمات، ظهر بها انتشار واسع، خاصة وأن المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزواج أو بيوت العزاء شكّلت بؤراً للانتشار الواسع. ولا بد من التأكيد هنا على أن عدم الالتزام هو الوصفة المثالية لهدم كل الجهود. فحتى لو توفرت كل أسباب النجاح في جهود السيطرة على الوباء وكان هناك عدم التزام من السكان بالتعليمات، فستذهب كل هذه الجهود أدراج الرياح.

في النهاية لا يمكن الادعاء بأن كل الأسباب قد تم ذكرها أعلاه، بل ربما هناك أسباباً أكثر ولا يمكن فصل أياً من الأسباب عن بعضها، فكلٍ له مساهمة وبدرجة متفاوتة وتزداد المخاطر بانهيار الأنظمة الصحية باجتماع أكبر عدد من هذه الأسباب. ولابد للعالم من دروس مستفادة من هذه الجائحة، فلا يعقل وفي القرن الحادي والعشرين بعد عقود من التطور الطبي والعلمي أن لا يمتلك البشر حلولاً وقائية سريعة، خاصة في ظل العولمة.

وربما إعادة الاهتمام بالأمراض المعدية وجهود السيطرة عليها لابد أن يكون عنوان المرحلة القادمة.


 

البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */