للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

فأعينوني بقوة

  • موزة بنت محمد الربان

    رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    10:21 ص

  • تاريخ النشر

    12 سبتمبر 2020

من تأملاتي الخاصة وتفكّري في آيات الذكر الحكيم والتي لا أعتبرها تفسيراً للقرآن بكل تأكيد، فالتفسير له أهله، ولكنها تأملات كما ذكرت، ما جاء في قصة ذي القرنين في سورة الكهف، حين نقرأ قول الله سبحانه:


حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴿93﴾ 


حسب فهمي لهذه الآية الكريمة، أن هؤلاء القوم كانوا متخلفين حضارياً لا يملكون المعرفة والعلم وحسن التدبير، وليسوا فقط يتكلمون لغة مختلفة عن لغة ذي القرنين، لأنه من البديهي أن معظم الأقوام التي مر عليهم في مشارق الأرض ومغاربها يتكلمون بلغات مختلفة. هؤلاء القوم، كانوا يعانون من فساد واستقواء جيرانهم يأجوج ومأجوج عليهم وضعفهم عن مواجهتهم ورد عدوانهم. وقد فكر هؤلاء القوم ووجدوا أن ذي القرنين يمكنه حمايتهم من أعدائهم وبناء (سد) أو أي شيء يحميهم منهم، مقابل خرجاً يجعلونه له، أموالاً أو ضريبة مما تنتجه أرضهم من ثروات طبيعية، ربما تكون هي الحديد والنحاس وغيرهما. ربما أنهم رأوا في ذي القرنين وجنده، قوة عسكرية ضخمة أو دولة عظمى، أو ربما جهة لديها قدرات تقنية وعلمية وهندسية، وأرادوا أن يستعينوا به من خلال معاهدة حماية ونشر قوات تدافع عنهم عند هجوم العدو عليهم وقاعدة عسكرية له في بلادهم، أو بناء منشأة هندسية تقف بينهم وبين عدوهم، أو كلها مجتمعة، فماذا قالوا له؟


قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿94﴾ 


ذو القرنين الرجل الصالح المصلح والقائد الحكيم، يريد الإصلاح الحقيقي والدائم وليس المؤقت المرتبط بالزمان والظروف الراهنة. فقد يأتي من بعده قائد يستغل حاجتهم فيستولي على أرضهم وخيراتها ويستعبدهم، أو قد تنقص مقدّراتهم فلا يستطيعون دفع ذلك الخراج، أو ربما يكثر عدد الحامية أو عمال البناء من قومه وغيرهم فيطيب لهم البقاء في أرض هؤلاء القوم ويشاركونهم أرزاقهم فيها وتختل البنية السكانية لديهم وتحصل المشاكل والاضطرابات بين السكان الأصليين والجدد الذين هم أكثر علماً وقوة والذين يرتبطون بدولهم الأصلية التي تحميهم وتدافع عنهم. ومن جهة أخرى، عندما يحتاج هؤلاء القوم إلى ترميم السد أو بناء منشآت مماثلة فإنهم لن يستطيعوا ذلك إلا بالاستعانة بجهات خارجية، فيظلون مرتَهنين للآخرين.

ذو القرنين يعلم يقيناً أن القوة في امتلاك المعرفة وإنتاجها وبناء الذات، فلن ينعم هؤلاء القوم بالأمن ولن يحلوا مشاكلهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية إلا بقوتهم الذاتية، واعتمادهم على أنفسهم بعد الله عز وجل. ربما أنه حاول إفهامهم ذلك ولكنهم قالوا لا نستطيع، ربما كانوا يعانون من نقص الثقة بالنفس وضعف في الاعتماد على الذات. أو ربما أنه حاول شرح التقنية لهم شفويا (نقل التقنية) لكنهم لم يستطيعوا استيعابها، فقد كانوا لا يكادون يفقهون قولا، (إنهم لا يمتلكون العلم والمعرفة، فكيف يمكنهم نقلها واستيعابها والاستفادة منها؟)..... فبماذا أجابهم ذو القرنين على عرضهم الذي تقدموا به إليه؟


 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴿95﴾


بداية حمد الله، وبيّن لهم أن النعمة والقوة والتمكين الذي يجدونه فيه، هو من فضل الله عليه وأن عليهم التوكل على الله وطلب العون منه. ثم قرر أن نوع الحماية (السد) ستكون على شكل ردماً بين الجبلين، وطلب منهم العمل بأنفسهم فيه وبإمكانياتهم البشرية والمادية (البناء على الموجود وتطويعه)، وتحت إشرافه (التعليم وبناء القدرات وتملك العلم والمعرفة والتقنية)، فقال لهم:


آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴿96﴾ 


طلب منهم أن يستغلوا ويستفيدوا مما يملكون من إمكانيات بشرية (قوتهم البدنية وعددهم) وثروات مادية وهي الحديد والنحاس والتي يبدو أنها كانت متوفرة لديهم بكثرة، لدرجة أنه كانت لديهم كمية تكفي أن تملأ بين الجبلين، ومع ذلك كانوا ضعفاء غير قادرين على إدارتها واستخدامها لمصلحتهم وحماية أنفسهم (إدارة الموارد).

وبدأ يعلمهم خطوة خطوة وبأيديهم، فطلب منهم رص قطع الحديد بين الصدفين (الجبلين) حتى ساوى بينهما (التخطيط الهندسي)، ثم علمهم ومن خلال العمل والتطبيق المباشر وبأيديهم تقنيات البناء، فأوقدوا النار وأذابوا النحاس ثم صبوه على قطع الحديد المرصوصة الملتهبة بين الجبلين. ونتجت عن ذلك سبيكة شديدة الصلابة لم يستطع أعداؤهم يأجوج ومأجوج، رغم كثرتهم وقوتهم وفسادهم، نقب ذلك السد لشدة صلابته، ولم يستطيعوا تسلقه لارتفاعه وملاسته.


فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴿97﴾ 


لم يطلق ذو القرنين وسائل الإعلام وأبواق الباطل للتحدث عن القيادة الحكيمة والقائد الملهم أو عن المساعدة التي قدمها لهؤلاء القوم المحتاجين أو عن قدراته الهائلة وبناءه أضخم وأقوى سد في العالم، بل:


قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴿98﴾ 


فأرجع الفضل كله لله سبحانه وتعالى وأن عمله هذا إنما هو رحمة من الله (ربي). وأن بقاءه واستمراره ليس أبدياً وإنما هو بإرادة الله وحده، فلا ينبغي لعاقل أن يجلب على نفسه وأهله وبلاده غضب المولى سبحانه ومن بيده الأمر كله، بمعصية الله وظلم العباد والإفساد في الأرض.

غادر ذو القرنين هؤلاء القوم وقد اكتسبوا التقنية وامتلكوا المعرفة والعلم ونعموا بالأمن، ومن البديهي أنهم حمدوا الله وشكروه على نعمه. ربما يكونون قد تعلموا صيانة السد، وتطوير التقنية لاستخدامها في مشاريع أخرى تحل لهم مشاكل كانوا يعانون منها أو تحسن مستوى معيشتهم وترفع مستواهم الاقتصادي والفكري والاجتماعي، وربما طورا وأنتجوا أسلحة يحمون بها أنفسهم من أي اعتداء من أي عدو محتمل.

هذه قصة من قصص القرآن العظيم، تبين لنا أهم القواعد الأساسية لأخلاق الصعود والنهوض الحضاري الذي تبنته الأجيال الأولى من هذه الأمة وشكّل طريقة تفكيرها وأسلوبها في الحياة، فاستطاعت بفضل الله وتمكينه أن تبني حضارة نشرت النور في أرجاء المعمورة.
 

 

 

مقالات متعلقة:
توطين العلم للقضاء على الفقر "اليمن أنموذجاً"


 

البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

8 التعليقات

  • د. هاني20 أغسطس, 202305:36 م

    اضافه

    ان ذي القرنين رغم امكانيته وقدرته على بناء السد دون معاونتهم له لكنه لم يقبل لهم الكسل والاعتماد على الغير والسلبيه المقيته والواجب ان يشعروا انهم يجب ان يعتمدوا على أنفسهم وان يكون جهدهم جزء من الحل ليحافضوا بعدها على ما انجزوا من بناء السد وان الإنسان المؤمن القوي لا يسره ولا يعجبه ان يبقى الضعيف ضعيفا بل لا بد ان أن يتعلم ويتطور ويتقدم ويعتمد على نفسه بعيدا عن حياة الضعف والاستكانه من منطلق لا تعطني سمكه بل علمني كيف اصطاد ك

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • عبدالعال سيد18 سبتمبر, 202003:50 ص

    أخلاق القاده المصلحين

    نتعلم من هذه القصه الكثير....... ١- حرصه رضي الله عنه علي معرفة المشكله من أصحابها ٢-أستعان بهم لايجاد طريقه لحمايتهم ولم يدعي الوصايه عليهم ٣- نسب الفضل كله لله شكرا للكاتبه علي توضيحها الرائع

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • عبد الهادي عبد الوهاب15 سبتمبر, 202011:48 ص

    طلب العون من الأجنبي

    شكرا كثيرا علي هذا التفسير السلس والمبسط بطريقه راقيه في فهم بعض ايات القران العظيم ولكن لي إستفسار هل يمكن من خلال هذا المقال أنه ممكن طلب المعونه من الأجنبي لحماية البلاد لو راينا اولا فيه الخير والصلاح ضد المعتدين الأثمين

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • ياسين كرم الفستوني13 سبتمبر, 202001:55 م

    وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا

    شكرا جزيلا دكتورة موزة الربان المحترمة .. تصور مختلف

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • محمد الهمداني12 سبتمبر, 202010:56 م

    حسن التفكر و جمال الكتابة

    هذا المقال اعطاني حافز و طاقة احباط من حولك وعدم تفهمهم لفكرتك لا يعني انك تتخلى عن فكرتك او مشروعك و اسلوب التفكر في الآيات في هذا المقال يعلمنا كيف نتفكر و نستفيد و كأني اقراء هذه الآيات لاول مره الحمد لله الملهم و الهادي و شكرا للكاتب و اتمنى ان يكثر من مثل هذه المقالات

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • حسين عزيز صالح12 سبتمبر, 202008:01 م

    نقاط مضيئة

    الأخلاق إطار العلم والمعرفة

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • فرج خضر12 سبتمبر, 202012:52 م

    عندما يتعانق التفسير مع العلم

    خير ما جاء في هذا المقال هو اعتراف الكاتبة بنفسها وعلى نفس طريقة ذي القرنين بأن لتفسير القرآن اهله واختصاصه فما ادعت المعرفة المطلقة في تفسير هذه الآيات مع العلم ان ما قامت به من تحليل واقعي علمي منطقي سلس يجعل القارئ يستمع لوقائع حصلت منذ فترة بعيدة ولكن بأسلوب حديث وقريب لواقعنا الحالي فأنا هنا أوافق الكاتبة مرتين مرة حين ادعت براءتها من التأويل ولأن تأويل حرف من القرآن يحتاج إلى صفحات فسبحان الله حتى في هذه الآية احتار علماء التفسير ان كانت سين السدين مضمومة او مفتوحة فهذا حرف فما بالك بآية والله أعلم والمرة الثانية عندما قربت لنا تفسير الآية بأسلوبها البسيط ) الراقي السلس والذي أقدره جدا فأسلوبها بالسرد يعقله البسيط أمثالنا ويهواه اكبر العلماء وهو أسلوب حديث مصحوبا بالمفردات العلمية الحديثة في اللغة العربية التي أعشق زد أيضا استراتيجيتها في عرض الوقائع كما هي مع اقناعك وارشادك إلى طريق الحق ومساعدتك دون منة رادة هذا فضل إلى الله مرة جديدة نشكرك دكتورة على هذا المقال الناجح وأيضا نسأل الله أن يعوضك ويقدر لك تعبك في البحث عن الحقيقة والعلم والنور وجعلها في ميزان حسناتك امين

    رد على التعليق

    إرسال الغاء
  • محمد المحسن12 سبتمبر, 202009:47 ص

    من نحن

    من اهم الخطوات التي ساهمت في الحل ان هؤلاء القوم كانت لديهم مشكلة ولكن لم يدسوا رؤوسهم في الرمال ليقولوا ليس هناك مشكلة والامر الثاني لما اعترفوا بمشكلتهم كان هناك اعتراف ثان بانهم على اوضاعهم الحالية غيى قادرين على حلها لذا يتوجب عليهم الاستعانة بالخبراء فلم يجعجعوا بقول نحن لها وهم ليسوا كذلك بل انهم كانوا مؤمنين برحم الله امرأ عرف قدر نفسه هاتان النقطتان فيها المقتلة الكبرى وفيها ضياع واضح لايفرصة تقدم للمجتمع

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */