كشفت دراسة استطلاعية أنجزها فريق بحث أسترالي، اعتمدت على 41 ورقة بحثية، عن أهم العوامل المؤثرة في إدارة القوى العاملة في مجال صحة الفم والأسنان في 24 دولة من الدول النامية والأقل نموا من بينها 4 دول عربية (مصر- لبنان - ليبيا - سوريا). شملت هذه العوامل: نقص البيانات، توزيع الرعاية الصحية، خصخصة التعليم والخدمات الطبية، ارتفاع أعداد الأطباء وطلاب طب الأسنان والتركيز على الجانب العلاجي ونقص الاهتمام بالمقاربة الوقائية في المناهج التعليمية والممارسة الطبية.

أظهرت نتائج الدراسة وجود نقص في البيانات وغياب سياسة تخطيط وطنية واضحة بشأن إدارة القوى العاملة في هذه البلدان. إلى جانب ذلك، هناك سوء توزيع للخدمات الصحية وصعوبة كبيرة تواجهها المناطق الريفية لولوج تلك الخدمات.

من جهة أخرى، يدفع نقص الوظائف المتاحة وظروف العمل غير المرضية أعدادا كبيرة من الطلاب إلى الهجرة إلى بلدان أكثر تقدما، إذ غالبا ما تكون الوظائف الحكومية في البلدان الأصلية أقل جاذبية بسبب ضعف الأجور أو ظروف عمل سيئة في المناطق المحرومة من الخدمات. لقد أبرز العديد من المقالات المشمولة الحاجة إلى حوافز للعمل في المناطق الريفية. حسب نظر المؤلفين، فإن السعي المتزايد لأطباء الأسنان إلى الهجرة والعمل ضمن منظومة رعاية صحية متقدمة يستنزف الموارد المحدودة للبلدان النامية، كما أنه سيزيد الخصاص في جميع مجالات الرعاية الصحية ويحدث تفاوتات في الخدمات الصحية.

   تطرقت الدراسة كذلك إلى سوء توزيع أطباء الأسنان بسبب ارتكاز العديد من سياسات تلك البلدان على زيادة عدد أطباء الأسنان ودعم تطوير نماذج عالية التقنية باهظة الثمن لمعالجة مشاكل صحة الفم في الوقت الذي تواجه فيه تحديات لتحسين توزيع الكوادر الطبية. إن مجرد زيادة أعداد أطباء الأسنان من قبل حكومات تلك البلدان، وفق الدراسة، لا يحسّن الحالة الصحية لفم السكان، لأن نسبة الاستفادة من الخدمات الصحية لا تزال منخفضة.

عامل مهم أيضا أشارت إليه الدراسة وهو الخصخصة وارتفاع عدد كليات طب الأسنان. تشهد مختلف البلدان "نموا هائلا" في عدد كليات طب الأسنان خاصة في المناطق الحضرية مع ارتفاع ملحوظ في عدد كليات طب الأسنان الخاصة، مما أدى إلى تعزيز عدم المساواة في الحصول على الخدمات الصحية بين العالم الحضري والريفي. نبه الباحثون من انخفاض مشاركة الحكومة في تقديم تلك الخدمات وتقويض الخصخصة المفرطة للرعاية الصحية، وشددوا على أن نقص الرقابة الحكومية سيؤثر على جودة التعليم في ظل غياب أو نقص أعضاء أكاديميين مؤهلين.

أضاف المؤلفون أن البلدان النامية غالبا ما تتبنى مناهج تركز على الجانب العلاجي وتفتقر إلى البرامج تعليمية الوقائية والفحص الاستباقي، حيث نادرا ما تُدرب الجامعات الأطباء بطريقة تستجيب ومطالب السكان في مجال الرعاية بصحة الفم.

آخر عامل تضمنته الدراسة هو خلط المهارات وانعدام الآليات للحد من الممارسة الغير شرعية لمهنة طب الأسنان، بالإضافة إلى غياب تحديد دقيق للاختصاصات ووصف واضح لنطاق الممارسة والمسؤوليات.  

لتحسين تخطيط وإدارة القوى العاملة، اقترحت الدراسة تطبيق سياسات تتماشى مع متغيرات الدولة : نظرا لمحدودية الموارد الاقتصادية وصعوبة الوصول إلى الخبراء والباحثين، غالبا ما تصمم البلدان النامية نماذج القوى العاملة في صحة الفم والأسنان وفق الأبحاث التي أجريت في بلدان أخرى عبر استخدام البيانات القديمة والتي من المرجح أنها لا تمثل بدقة الوضع الداخلي، وهذا الاستيراد للسياسات كحل سريع للمشاكل الملحة قد يؤدي إلى فشلها، لأن نجاح السياسات يستدعي تمثيل جميع الفئات المعنية في عملية صنع القرار والأخذ بعين الاعتبار خصائص البلد أو المنطقة.

نظرا لصعوبة تلبية جميع الاحتياجات العلاجية لسكان المناطق الريفية، أشار المؤلفون إلى أهمية تطوير المناهج التعليمية والعمل على برامج وقائية فعالة من حيث التكلفة، مع ضرورة تشجيع أخصائيي الرعاية الصحية على تقدير خدمة المجتمع.  

أكد الباحثون كذلك على أهمية تعزيز دور العاملين في مجال صحة الفم من خلال توصيف واضح ومتسق للأدوار والمهام ووجوب انخراط وتعاون جميع أصحاب المصلحة والمهتمين في اتخاذ القرارات بشأن الأهداف الوطنية والاستراتيجيات المتعلقة بالرعاية الوقائية.

المرجع:

• Knevel R, Gussy M, Farmer J. Exploratory scoping of the literature on factors that influence oral health workforce planning and management in developing countries. Int J Dent Hygiene 2017;15:95–105. https://doi.org/10.1111/idh.12260.

البريد الإلكتروني للكاتب: saralattaf01@gmail.com