مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الخامات الطبيعية في الجنوب التونسي: مخزون استراتيجي من أجل تنمية مستدامة

الكاتب

علي سديري - سمير بوعزيز

أستاذ باحث بالمدرسة الوطنية للمهندسين، جامعة صفاقس، الجمهورية التونسية

الوقت

01:00 صباحًا

تاريخ النشر

13, أبريل 2020

يمتدّ الجنوب التونسي على الحافة الشمالية للسطحيّـة الصّحراوية ويضمّ جهة تطاوين، "مسطح الظاهر" وسهل جفارة بمنطقة الواعرة التي تعتبر مجالا مخسوفا يمكّـن من التواصل مع البحر الأبيض المتوسط.

يعتبر الجنوب التونسي، وبشكل خاص الحوض الترسيبي، موقعا هاما ومفضّلا لدراسة الطبقات الجيولوجية والاستغرافيا الجـهوية ذات الجدوى الاقتصادية. يضاف إلى ذلك مساهمة المعطيات الجيولوجية لهذه الجهة في معرفة التطوّر الجغرافي على مر العصور.

من الناحية الجيولوجيّـة، تتميز جهة تطاوين بامتداد "الحوض الرسوبي بتطاوين" المكون من سلسة رسوبية كاملة ممتدّة ومتنوعة منها خاصة طبقات "الحقب الثّــاني" المكتملة والبارزة على سطح الأرض بينما تنحصر صخور الزمن الثالث على طبقات الطين الرملي لحقبة "المـيوبلـيوسين" التي تتكشّـف على حافة أودية المنطقة.

واعتبارا للخاصّيات الجغرافيّة والجــيولوجيّة، فقد أجريت عديد الدراسات لحصر مختلف المواد الطبيعية لاستغلالها في عديد المجالات البيئية والصناعية. وقد بينت هذه الدراسات احتياطيّـا هاما من مواد صخرية مهمة كالكلسيات بأنواعها والطينات والسيليكات والجبس والأملاح.

في إطار انفتاح جامعة صفاقس على محيطها الاقتصادي و الاجتماعي قام الأستاذ سمير بوعزيز و فريق البحث بمخبر" الماء و المحيط والطاقة" بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، بإعداد ملخّـصا لمختلف الدراسات والبحوث الجيولوجية المهتمة بتثمين المستويات الجيولوجية ذات الجدوى الاقتصادية. وقد تم الاعتماد على المعطيات التي تم نشرها في دراسات حديثة محكمة وخاصة التعريف بالمواد الأولية وخاصياتها الكيميائية-الفيزيائية والمعدنية والخاصيات الفنية وامكانية استغلالها.

من وجهة النظر الجيولوجيّـة، يوفّر الحوض الرّسوبي للجنوب التّونسي سلسلة طبقات ذات سحنة متنوّعة تتكون من صخور بحرية المنشأ وأخرى قارّية وتنتمي في معظمها إلى الزمن الترياسي وإلى الطباشيري الأعلى، أي ما يمتد على فترة زمنية تقدّر بـ170 مليون سنة. إنّ الكتل البارزة لهذه الصخور، بجبال الظـاهر وسهل جفـــارة تزخر بالمواد الأولية التي يمكن إستغلالها إقتصاديا نظرا لما تحتويه من: تشكيلات تمتد من الترياسي حتى نهاية الكريتاسي. (سطيحة الظاهر) وأخرى من أعلى النيوجين حتى الرباعي (سهل جفارة).

تتتابع الطبقات الطينية تحت الجرف الأعلى لسلسلة الظاهر. بسمك يصل إلى عشرات الأمتار ممّا يؤكّد أهمية هذا الإحتياطي.  تتميز العديد من المستويات الطينية بتركيبة كيميائية ومعدنية هامّة وخاصّيات جيوتـقـنيّة عالية الجودة ممّا يؤهلها للإستغلال الصناعي في العديد من المواقع نظرا لما تحتويه من أوكسيد الألومينيوم والحديد وخصائص فيزيائية أخرى. بينت الفحوصات الكيميائية نسب عالية من معادن الآلومين (%15.6 إلى 23.4%)، الحديد ( 3.6% إلى 5.1 %)، البوتاسيوم (0.3% إلى 5.1%). في حين تكون نسبة الكلس 3.7) %( و البخارة (1.6 %).  وقد أثبتت التحاليل المعدنية نسب عالية من ـ"الإليت" (60 % إلى 90 %) و "الكاولينيت" (10 % إلى40 %)   بالإضافة لـعديد الشّوائب الأخرى كالهيماتيت،  السيدريت، الدولوميت والفلسبات.

نظرا لما تتميز به من خاصيات، فإن هذه الطينات قابلة للاستغلال في  عديد المجالات الصناعية كالآجر والفخّـار.

كما تحتوي ولايات الجنوب التونسي على إحتياطي هام من الكلسيّات المنبسطة ذات المواصفات الفنّيّة العالية. و حيث تجد تطبيقاتها في انتاج الرّخاميّات وحجارة البناء والتّزويق فإنّ تصنيفها يعتمد أساسا على نسبة الكلس التي تتراوح بين 90 و100 %.

لذلك يمكن استغلال العديد من الطّبقات الكلسيّة مثل الصخور الصفراء بزملة حبر (حقبة البليسباخي) وكلسيّات غمراسن (حقبة الكالوفي) كما أن طبقات الدولوميت والكلس الدولوميتي تبرز كمستويات رخاميّة صلبة ذات جودة عالية تستجيب لمتطلّبات السّوق.

أما بالنسبة للرّمال ذات الجدوى الإقتصادية فهي تغطي مساحة كبيرة من صحراء تطاوين وذلك لما يمثله العرق الشرقي الكبير من إمتداد للكثبان الرملية ذات الحبيبات الدقيقة والدقيقة جدّا. وتختزن الطبقات الرملية عدّة مستويات ثريّة بالسّيليس ذات نسب تفوق 90% في أغلب المناطق لتصل 97.5% في مدينة ذهيبة. أمّا نسب الحديد فتتغيّر من 0.085 إلى 0.89 %  ويصل القسم الغالب (من 0.2 إلى 0.5 مم) من بين حبّات الرمال السيليسية نسبة 50 إلى 70 % مما يؤهلها لتكون مادة أساسية في البناء وصناعة البلّور وخلاصة السيليس التي تستعمل خلاصة السيليس في إمتصاص الرطوبة في المحلات والمخابر والآلات و عدة صناعات أخرى.

لقد أجريت بعض الدراسات لتثمين رمال كخلاصة للسيليس حيث أثبتت تزايد النفاذية إلى حدود 58 % من المساحة الجمليّة للحبّات وهذا ما يعطيها نفاذيّة هامة و قدرة على الإمتزاز. كما أن هذه المادّة كثيرة الإستعمالات الصّناعيّة خاصة كسائل صناعي لزيادة ليونة المطّـاط، التلوين وتخفيض الأشعّة واللّمعان، التركيبة الميكانيكية للفخّار والنّسيج، و في صناعة النّظّارات والأجهزة الدّقيقة والمجهريات.

أمّا الصّخور الجبسيّة وفي مقدمتها جبسيّات مستاوة التي تحتوي على نسب عالية من الكلس (31.3-36.6 %)، منغنيز (0.03- 0.07%) و بخارة (44.5 – 52.2%). وتمثّل هذه الصّخور مخزونا هامّا وواعدا لصناعة الجبس العلاجي وجبس التّبليط والتّزويق والجبس المستعمل في تركيبة الإسمنت. كما يمكن استعماله كمادة إضافيّة لتعديل التركيبة الكيميائيّة للتربة الفلاحيّة. بالإضافة إلى ذلك فقد تمّ تحديد الملحيات بسبخة أمّ الخيالات فبيّنت بقاء رواسب جافّة هامّة يمكن استعمالها في ميادين مختلفة منها الصّناعات الغذائيّة، الفلاحة والصّناعات الكيميائيّة.

تبرز الجبسيات خاصة في سهل مستاوة على مسافة 10-15 كلم. وهي جبسيات ليّنة يبلغ سمكها 600 م ممّا يجعلها ذات جدوى إقتصادية هامة كرابع إحتياطي في العالم.

في النّهاية يمكن القول أنّ المخزون الطّبيعي من الموادّ الإنشائيّة بالجنوب التونسي يعتبر إحتياطي إستراتيجي هام يمكن أن يساهم في تطوّر مؤشرات التنمية إذا ما تم ترشيد إستغلاله صناعيّـا بناءا على فحوصات مخبريّة وعلميّة دقيقة لضمان الجودة والإستجابة للمواصفات العالميّة.
 

المراجع و الروابط

  • Bouaziz, S., 1995. Etude de la tectonique cassante dans la plate forme et l’Atlas sahariens (Tunisie méridionale): évolution des paléochamps de contraintes et implications.
  • Bouaziz, S., 2005. Les matieres premieres naturelles du gouvernorat de Tataouine: caracterisation et utilisations.

 

البريد الالكتروني للكاتب: ali.sdiri@enis.tn

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x