للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اكتشاف بروتين في المشيمة يلعب دورا مهما في اكتمال نمو الجنين

  • الكاتب : أ.د. محمد لبيب سالم

    أستاذ علم المناعة بكلية العلوم جامعة طنطا – مصر

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    12:17 م

  • تاريخ النشر

    30 يناير 2020

"العلم هو المشيمة والعلماء هم الحبل السري الذي يربط العلم بالحياة "

المَشِيمَة أو الخَلاَص هي عضو دائري مسطح الشكل يتصل بالجنين عن طريق الحبل السري في الرحم، وتخرج المشيمة من رحم الأم بعد المرحلة الثالثة من الولادة. تتكون المشيمة من أنسجة مشتركة من الأم والجنين. وبعد الأسبوع الأول من الحمل، يلصق الجنين نفسه بجدار الرحم ليبدأ مرحلة جديدة في النمو. وتتكون المشيمة كأعمدة من الخلايا (كغطاء يشبه الكيس يحوي الجنين) تخترق وتنفذ خلال بطانة الرحم. وفي داخل الأعمدة، توجد أوعية دموية تتفرع إلى نتوءات صغيرة تشبه الأصابع.

يبلغ طول المشيمة لدى الإنسان 22 سم ويبلغ سمكها ما بين 2 إلى 2.5 سم. أما الحبل السري الذي يتصل بالمشيمة فيبلغ طوله حوالي نصف متر (من 55-60سم) ويحتوي على شريانين ووريد واحد. ومركز المشيمة هو الأكثر سُمكا ثم يقل السُمك تدريجيا حتى تصبح أرفع في الأطراف. ويبلغ وزن المشيمة حوالي نصف كيلو جرام ويكون لونها محمراً أزرقاً داكناً.

يمر الدم وبه الأكسجين من دم الأم خلال الجدران الضعيفة للنتوءات المشيمية ويدخل إلى دم الجنين. وهذا الدم الغني بالغذاء والأكسجين يصل إلى الجنين خلال وريد في الحبل السري، وهو أنبوب مرن يربط الطفل بالمشيمة حاملا نفايات الجنين ويعبر بها خلال النتوءات بالمشيمة لتتخلص الأم من هذه النفايات. وبعد دقائق من ولادة الطفل تنفصل المشيمة عن الجسم.

وتدعم المشيمة التطور الجنيني الطبيعي والنمو أثناء الحمل في الثدييات. وتتمثل الوظيفة الأكثر أهمية في المشيمة في نقل المواد الغذائية والغازات والنفايات بين الدورة الدموية للأم والجنين لضمان البيئة المناسبة المطلوبة للتطور الجنيني في الرحم. ولذلك فمن الممكن أن تتسبب العيوب في وظيفة المشيمة في تشوهات جنينية مختلفة، بما في ذلك تقييد النمو داخل الرحم (IUGR: Intrauterine Growth Restriction) والإجهاض. علاوة على ذلك، فإن البيئة الغذائية السيئة خلال الفترة الجنينية لها آثار طويلة المدى على التمثيل الغذائي للأجنة حتى في حياة ما بعد الولادة. لذلك، يُعتقد أن سوء أداء المشيمة يمثل مشكلة ليس فقط بالنسبة للتطور الجنيني ولكن أيضًا لحياة البالغين. وعلى الرغم من أهميتها الهائلة، فإن الآليات الجزيئية الكامنة وراء وظائف المشيمة، بما في ذلك النقل الفعّال للعناصر الغذائية من الأم إلى الجنين، غير مفهومة جيدًا.

وتشمل العناصر الغذائية التي يتم نقلها من الأم إلى الجنين عبر المشيمة الجلوكوز والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية، حيث تمثل الأحماض الأمينية الجزيئات الرئيسية التي تدعم التطور الجنيني. ونظرًا لأن تركيز البلازما لكل حمض أميني أعلى عمومًا في الدورة الدموية للجنين مقارنة بالدورة الأمومية، يُعتقد أن الأحماض الأمينية تنتقل بفعالية عبر حاجز الأم والجنين. في الواقع، فإن المشيمة البشرية تعبر عن أكثر من 20 ناقل للأحماض الأمينية.

وللمشيمة أربع وظائف رئيسية وهي:

  1. تغذية الجنين.
  2. التنفس، إذ ان المشيمة تقوم بوظيفة الرئتين فيحصل الجنين بواسطتها على الأكسجين ويطرح ثاني أكسيد الكربون.
  3. تثبيت الحمل حيث أنها تُنتج كيميائيات تُسمى هرمونات تحافظ على الحمل وتنظم نمو الجنين. ومثال على ذلك هرمون البروجستيرون الذي يساعد على استمرار الحمل بداية من الشهر الرابع.
  4. الإخراج، حيث تخرج المواد السامة الناتجة عن الأيض عن طريق المشيمة.

 

وبذلك نرى أن المشيمة توفر بيئة داعمة لتطوير أجنة الثدييات. أحد أهم أدوارها هو توفير المواد الغذائية، بما في ذلك الأحماض الأمينية، من الأم. لكن الآليات الجزيئية الكامنة وراء إمداد الأحماض الأمينية ليست مفهومة جيداً. ومعروف أن عملية نقل البروتينات من الأم إلى الجنين عبر المشيمة تتطلب وجود بروتينات أخرى وظيفتها نقل هذه البروتينات عبر المشيمة. وإذا نقص مستوى أحد هذه البروتينات عن الحد اللازم فإن قدرة الأم على ضخ بروتينات النمو للجنين تقل، مما يؤدي إلى ضمور الجنين الأمر الذي قد يصل إلى حدوث الإجهاض مبكرا.  ولأن الثدييات تتشابه في طريقة الحمل خاصة في المراحل الأولى من نمو الجنين فقد استفاد العلماء من هذا التشابه في دراسة الأسباب التي تؤدي إلى الإجهاض بسبب عدم مرور نسب عالية من بروتينات النمو من الأم إلى الجنين. وفي هذا الشأن قام فريق بحثي بمعهد ريكين RIKEN باليابان بدراسة كيف يساهم البروتين الذي ينقل الأحماض الأمينية الأساسية عبر المشيمة في نمو الجنين الطبيعي في الثدييات.

وقد قام الفريق بقيادة Atsuo Ogura من مركز RIKEN BioResource Research Center باليابان بدراسة جينية تستكشف الأدوار التي تلعبها ناقلات الأحماض الأمينية من خلال المشيمة في نمو الجنين. وقد قام الفريق باستنساخ خلايا الثدييات بالتقنية المعروفة باسم النقل النووي للخلايا الجسدية (SCNT)، والتي توفر إمكانات هائلة لإنتاج خلايا بصفات جينية مفيدة، وبالتالي توليد نماذج حيوانية للأمراض والطب التناسلي. والأجنة المولودة باستخدام تكنولوجيا الاستنساخ SCNT تظهر في كثير من الأحيان تشوهات نمو جنينية مختلفة بما في ذلك حجم كبير للمشيمة بشكل غير طبيعي ولذلك فإن 1-5 % فقط من أجنة هذه الفئران المستنسخة SCNT تتطور وتنموا إلى مرحلة الولادة.

وعند حدوث هذا القصور الكبير في ولادة عدد قليل من الأجنة فعادة ما يصاب الباحثين بخيبة أمل كبيرة ويتوقفوا عن استخدام هذه الفئران في التجارب أو على أكثر تقدير يصبح تركيزهم فقط على النسبة التي تولد طبيعياً لاستخدامها في الإجابة على سؤال علمي محدد. ولكن كان قرار هذا الفريق الجريء ذكيا حيث فكروا بطريقة مختلفة ولكنها ذكية جدا. فقد ركز الفريق على الفئران التي تتكون لديها مشيمة كبيرة جداً ولكنها تموت مبكرا بسبب القصور في النمو. وهنا قرروا القيام بالعديد من التحليلات الجينية على المشيمة في هذه الأجنة المستنسخة لمعرفة السبب وراء ذلك، وما هو الجين المسؤول عن هذا الخلل الكبير. وبالطبع إذا عرف السبب بطل الخلل. وبالفعل كان الفريق محظوظاً جدا بفعل ذكائهم وقرارهم.

وقد ركز الفريق البحثي على جين مهم هو SNAT4 وهو المسؤول عن تخليق بروتين يقوم بدوره بنقل الأحماض الأمينية الصغيرة من الأم إلى الجنين عبر المشيمة.  والسبب وراء اختيار الفريق البحثي لدراسة هذا الجين دون غيره هو ملاحظتهم أن جين SNAT4 تم التعبير عنه بشكل لافت للنظر في الأجنة المولدة من تكنولوجيا SCNT. ويصنع جين SNAT4 بروتين ينتمي إلى عائلة أكبر من البروتينات التي تسهل توصيل مجموعة متنوعة من الأحماض الأمينية من الأم إلى الجنين عبر المشيمة. وللتحقق من دور هذا البروتين قام الفريق البحثي بإجراء سلسلة من التجارب والدراسات الجينية لفهم أهمية هذا البروتين في التطور المبكر لأجنة الفئران.

وكان أول الأسئلة هو معرفة ما إذا كان هذا الجين يتم التعبير عنه بالفعل في المشيمة لدى الأجنة الطبيعية والتي تنموا وتولد طبيعيا أم لا. ولحسن الحظ تأكد الفريق من التعبير الجيني بالفعل لجين SNAT4 على وجه التحديد في المشيمة الطبيعية. وكانت الخطوة التالية هو قيام الباحثين باستخدام تقنية كريسبر بتحرير جينات CRISPR-Cas9 من جينوم الفئران لتوليد أجنة فئران ناقصة في جين SNAT4. وتكنولوجيا كريسبر هي تكنولوجيا حديثة جدا من الهندسة الوراثية يقوم الباحث بهندسة الجينوم بدقة متناهية بغرض إخلاء الجينوم من جين محدد بطريقة منتقاة فيصبح الجينوم خالي من هذا الجين وبالتالي يصبح الفرد غير قادر على تكوين البروتين الذي يصنعه هذا الجين وهذا يتيح الفرصة لدراسة دور هذا البروتين بدقة. وكان الجين الذي تم التحرر منه هنا هو SNAT4 وذلك في بداية المرحلة الجنينية المبكرة.

وعند مقارنة مشيمة أمهات الفئران المنزوع منها جين SNAT4 مع الأمهات الطبيعية، لوحظ أن المشيمة لديهم غير طبيعية وكبيرة تشبه تماما تلك التي لاحظوها في الفئران التي تم دراستها بطريقة الاستنساخ SCNT والتي تم شرحها أعلاه.  كما لوحظ أن الفئران المولودة من الأجنة المنزوع من خلاياها جين SNAT4 تعاني من نقص شديد في الوزن مقارنة بالفئران السليمة ولم يتبقَ منهم على قيد الحياة سوي 28% فقط بعد أسبوعين من الولادة. وعندما قام الباحثون بتربية ذكور منزوعة الجين SNAT-4 مع إناث طبيعية، وجدوا أن حالات الحمل الناتجة لا تزال تنتج أجنة شديدة النقص مع مشيمة غير متطورة تماما كالتي ظهرت في مشيمة الأمهات المنزوع منها جين SNAT4. وصوحبت هذه التغييرات بانخفاض شديد في مستويات الأحماض الأمينية في دم الأجنة، مما يدل على سبب محتمل لنقص النمو في الأجنة الناتجة. كما أنه قد يفسر السبب وراء كبر حجم المشيمة بشكل غير طبيعي في الفئران المنزوع منها هذا الجين.

ولهذه النتائج علاقة بالإنجاب البشري الطبيعي حيث أظهرت الفئران التي نُزع منها جين SNAT4 أنماطاً شبيهة بتلك التي شوهدت في نقص النمو داخل الرحم في السيدات والذي عادة ما يؤدي إلى الإجهاض. ولذلك فمن الممكن أن تكون هذه الحيوانات نموذجًا قيماً لدراسة آليات هذه الظاهرة في الثدييات بما في ذلك البشر. ويعكف الباحثون الآن على استكشاف المزيد عن كيفية قيام ناقلات الأحماض الأمينية بتطوير نمو الجنين الطبيعي عن طريق إخراج جينات أخرى تدعى SNAT بجانب SNAT4 وكذلك استكشاف وظيفة SNAT4 في الأنسجة غير المشيمة مثل الكبد. وبهذا يكون البحث العلمي قد كشف عن دور مهم للغاية لم يكن معروفا من قبل لبروتين SNAT4 المشيمي والذي يسهم إسهاما حاسما في نمو الجنين بشكل طبيعي. كما توفر هذه النتائج العلمية عن هذا البروتين المشيمي وتأثيره على كفاءة الولادة المكتملة رؤى ثاقبة لتشوهات النمو المرتبطة بزيادة خطر الإجهاض الملحوظ في النساء.

وتفتح هذه الدراسات الباب على مصراعيه لدراسة التعبير الجيني والبروتيني لهذا البروتين في المشيمة عند السيدات اللائي يلدن أجنة طبيعية واللائي يعانون من إجهاض مبكر نتيجة لنقص النمو الجنيني أو يلدن أطفال ناقصي النمو.


المرجع

 

البريد الإلكتروني للكاتب: Mohamed.abib@science.tanta.edu.eg

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */