لا شك أنَّ اكتشافَ البترول قد شكَّل ثورةً في عالم الصناعة، وأَسَرَنا بتطبيقاته الهائلة في شتى المجالات. ولكن بسبب ما رافق ثورة البترول من آثارٍ سلبية على البيئة، كان لابد من توجيه الأنظار نحو الطبيعة، لمحاولة العثور على بدائل طبيعية تُمَكِّننا من السير قُدماً في مجالات الصناعة المختلفة دون الحاجة لمشتقات البترول.  وقد كانت هذه المعضلة دافعاً كافياً لقيام فريق بحثي –يتنوع بين علماء ومصممين- بتوظيف علم الأحياء الدقيقة لاستبدال الحبر والأصباغ الكيميائية السامّة التي يصاحبها اطلاق ملوثات في البيئة مثل المعادن الثقيلة و المركبات العضوية المتطايرة بمواد طبيعية غير سامّة وأكثر استدامة تقوم بتصنيعها بكتيريا مسالمة تعيش في التربة. فوفقاً للمجلس الأوروبي لصناعة الكيماويات، ينتج عن صناعات الحبر والأصباغ ما يقارب 52 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ومن هنا بدأت رحلة البحث لدى الفريق البحثي الذي أطلق على نفسه اسم فريق Pili؛ نسبة للزوائد الشبيهة بالشعر التي تمتلكها البكتيريا وتُمكِّنها من الحركة ومن الاتصال مع بعضها البعض.

استقر الفريق بعد رحلة بحثه على أنواع بكتيرية من جنس الستريبتومايسز Streptomyces المشهورة بقدرتها على انتاج المضادات الحيوية مثل: الستريبتومايسين والتيتراسايكلين، إضافة إلى إنتاج جزيئات صبغية يمكن عزلها في صورة نقية عند تنميتها على أوساط غذائية شبه صلبة. تقوم كل سلالة من بكتيريا الستريبتومايسز بإطلاق مجموعتها الخاصة من المنتجات الصبغية الطبيعية. فعلى سبيل المثال، تُنتج بكتيريا Streptomyces Coelicolor صبغة ذات لون أزرق قاتم يطلق عليها اسم Actinorhodin، وتمتاز بقدرتها على تغيير لونها وفقاً لدرجة الحموضة. في حين تحافظ بعض السلالات الأخرى على خصائصها الصبغية بغض النظر عن درجة الحموضة.

كما يُمكن كذلك استخدام أبواغ بكتيريا الستريبتومايسز في الرسم للحصول على لوحات فنية حية على أطباق بتري بعد تعقيم الفرشاة واستخدام طرفها لتحديد أبعاد الرسمة المطلوبة. تجدر الإشارة إلى أن بكتيريا الستريبتومايسز تنمو بشكل سريع عند درجة حرارة 30 درجة، وتظهر الصبغة بعد يومين أو ثلاثة أيام. أما عند درجة حرارة الغرفة سيكون نمو البكتيريا بطيء بعض الشيء، ويستغرق ظهور الصبغة فترة تتراوح من أسبوع إلى عشرة أيام.

ويُمكن القول أن هذا الاكتشاف الرائع والصديق للبيئة قد نجح في تأسيس علاقة خصبة بين العلم والفن، ومن المؤكد أن يتم  انتاجه بكميات تجارية، ليُستخدم على مدى واسع يشمل الطلاب بفئات عمرية مختلفة، وكذلك المعلمين والمختصين بالفن. وقد تصل تطبيقاته للملبوسات والأنسجة المختلفة.

لم تقتصر جهود البحث عن بدائل ميكروبية للحبر والأصباغ الكيميائية على فريق Pili فقط، فقد قامت مجموعة بحثية أخرى في جامعة كاليفورنيا بهندسة بكتيريا الأشريكية القولونية Escherichia coli للحصول على اللون الأزرق النيلي المستخدم في صبغ الجينز. كما قام استوديو تصميم في برلين ويعرف باسم Blond & Bieber بإنتاج أصباغ من الطحالب وتمتاز بقدرتها على تغيير لونها بعد اللبس. وهناك أيضاً شركةLiving Ink  (الحبر الحي) التي تقوم باستخدام الطحالب عوضاً عن مشتقات البترول للحصول على الحبر. وكانت بدايتها ترتكز على استخدام الطحالب الحية، بحيث يحتوي القلم على خلايا طحلبية قليلة، وعند الكتابة يكون المحتوى غير مرئي، وبعد مرور عدة أيام، تنمو الطحالب وتبدأ الكتابة بالظهور. هذا ما يُعرف بتأثير الزمن الفاصل. تقوم الشركة حالياً بتطوير حبر من الطحالب غير الحية، بحيث يظهر الكلام مباشرة دون الحاجة لمرور الوقت.

البريد الالكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com | rawaaan10001@gmail.com