في ظل تسارع وتيرة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية بشكل شبه كامل او كامل، تتضافر الجهود وتنشط الجهات العاملة في الصحة المحلية والعالمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة لوضع حلول من شأنها الحفاظ على المنجز البشري الكبير المتمثل في المضادات الحيوية والتي استطاع الانسان من خلالها الحفاظ على وانقاذ أرواح ملايين من البشر. وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية في العام 2017 بنشر قائمة مكونة من 12 بكتيريا تمثل خطورة عالية عالمية بسبب قدرتها العالية على مقاومة المضادات الحيوية. في هذه السلسلة من المقالات سنفرد مقالة لكل بكتيريا نبين فيها بعضاً من خصائصها، أماكن تواجدها، كيفية انتشارها/انتقالها، الامراض التي تسببها، المضادات الحيوية المستخدمة ومدى مقاومتها. بالإضافة الى معلومات عن أماكن تواجد الأنواع المقاومة.
بكتيريا الشيجلا Shigella
بكتيريا سالبة غرام، عصوية الشكل، غير متحركة، تنمو في وجود أو عدم وجود الأكسجين، تتصل بكتيريا الشيجلا اتصالاً وثيقا بالسالمونيلا. تعيش بشكل طبيعي في أمعاء الانسان حيث تم التعرف على الشيجلا كعامل مسبب للزحار العصوي عام 1897 بواسطة كيوشي شيغا. يضم جنس الشيجلا أربعة أنواع مشهورة: الشيجلا المسببة للزحار (Shigella Dysenteriae) وتضم اثنا عشر نمطاً مصلياً مختلفاً، (Shigella Sonnei) وبها نمط واحد، (Shigella Flexneri) وبها ستة أنماط و(Shigella Boydii) وبها ثمانية عشرة نمطاً مختلفاً. إن داء الشيجلات الذي تسببه أنواع الشيجلا في جميع أنحاء العالم، من أحد أهم أسباب مراضة ووفيات الأطفال على مستوى العالم. على الصعيد العالمي، هناك حوالي 165 مليون حالة من حالات الإصابة بالشيجلا و1.1 مليون حالة وفاة مرتبطة بالشيجلا.
من الأربعة أنواع التابعة للشيجلا، غالباً ما يتسبب بداء الشيجلا من قبل S. Flexneri في البلدان النامية خاصة في آسيا، في حين S. Sonnei هي العامل السائد المسبب لهذا المرض في البلدان المتقدمة وكذلك الصناعية. كشفت دراسة حديثة من مركز لعلم الأوبئة وعلم الأحياء المجهرية أن نسب حدوث داء الشيجلات في آسيا قد تتجاوز التقديرات السابقة، حيث أنهم تمكنوا أيضًا اكتشاف الحمض النووي الخاص بالشيجلا في ثلث العينات السالبة للمزرعة. بمعنى ان طريقة الكشف عن الشيجلا بواسطة المزرعة قد لا تكون دقيقة. ينتقل المرض من خلال البراز-للفم مع ظروف صحية سيئة ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصالحة للشرب. تتميز الشيجلا بالشراسة العالية فيكفي لإصابة الانسان جرعة منخفضة جدا من البكتيريا تتراوح من خلية واحدة الى ألف خلية فقط وهذا يعتبر رقم صغير للغاية في عالم الميكروبات.
من الأعراض المصاحبة لمصابين الشيجلا اسهال، حمى، اعياء، ألم في المعدة وعادة ما يشفى المريض دون الحاجة لعلاج سوى تعويض السوائل والأملاح. لكن عندما تخترق الشيجلا الغشاء المخاطي والخلايا الطلائية للقولون تزداد حدة المرض حيث تقوم بتدمير هذه الأنسجة ويصاب بإسهال مائي يصاحبه الدم والمخاط في بعض الاحيان مصحوبة بتشنجات البطن والحمى. وهناك أشخاص حاملي الميكروب لا تظهر عليهم الأعراض لكنهم ينشرون العدوى للآخرين، بالإمكان إيقاف انتشار العدوى من خلال الاهتمام بغسل اليدين بالطريقة الصحيحة والمحافظة على النظافة.
كما أسلفنا أن بعض الحالات لا تحتاج العلاج، لكن إن زادت حدة المرض قد يوصف الطبيب بعض العلاجات. لكن يُمنع تناول مضاد الاسهال في حال الاصابة بالشيجلا، مثل loperamide لأنه يزيد من سوء الأعراض. العلاج بالمضادات الحيوية فعال لعلاج داء الشيجلات والامراض التي تسببها هذه البكتيريا. ومن المضادات الحيوية المستعملة: البيتا لاكتام (الامبيسيلين، أموكسيسيلين)، الجيل الثالث من السيفالوسبورين مثل (سيفيكسيم)، تريميثوبريم/سلفاميثوكسازول، الكوينولونات (سيبروفلوكساسين "العلاج الشائع للكبار"، نورفلوكساسين) وأزيثرومايسين والفلوروكينيولونات.
الفلوروكينولونات مضادات حيوية واسعة الطيف تعمل على تثبيط تصنيع الحمض النووي للبكتيريا باستهداف انزيمات التضاعف Topoisomerases في الخلية البكتيرية، بما في ذلك انزيم DNA Gyrase وTopoisomerase IV، والذي بدوره يمنع عملية تطور النسخ للحمض النووي. وهكذا، تظهر الفلوروكينولونات خصائصها كمضاد حيوي عن طريق التسبب في تلف الحمض النووي البكتيري وموت الخلايا البكتيرية السريعة. والتي تستعمل بشكل شائع الأمر الذي أدى إلى تطوير البكتيريا مقاومة لها والتي يمكن أن تعالج بفعالية بشكل صعب.
واحدة من أسباب ظهور أنواعShigella المقاومة للأدوية المتعددة. هي القدرة الفريدة للممْرِض على اكتساب عوامل مقاومة (جينات قابلة للانتقال) من البيئة أو من بكتيريا أخرى. إلى جانب ذلك، يؤدي الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية لعلاج العدوى البشرية وفي تربية الحيوانات في المناطق الموبوءة إلى زيادة المقاومة للمضادات الحيوية الجديدة. مقاومة الشيجلا للفلوركوينيلونات مرتبطة بعدة آليات، بشكل أساسي تعزى لعدة طفرات في Quinolone Resistance-Determining region (QRDR) للجينات المسؤولة عن تشفير انزيم DNA gyrase (gyrA and gyrB)، و Topoisomerase IV (ParC and ParE). بالإضافة إلى المقاومة التي تنتقل عبر البلازميد وآلية أخرى تساهم في المقاومة بواسطة التصدير النشط أو تدفق المضاد الحيوي عبر efflux pump.
كما تم إظهار أن مقاومة الفلوروكينولون غالباً ما تكون نتيجة لمزيج من طفرات الموقع المستهدف والتعبير الجيني المسؤول عن ترميز مضخات التدفق في البكتيريا المقاومة. وزيادة مقاومة بكتيريا الشيجلا للمضادات الحيوية شائعة الاستخدام بما في ذلك الأمبيسلين، الستربتوميسين، والتتراسيكلين يشكل تحدياً علاجياً كبيراً للسيطرة على هذا المرض. إن تبعات سوء الاستخدام والإفراط في استخدام الفلوروكينولونات التي تؤدي إلى مقاومة الأدوية يجب أن ينظر اليها بشكل جدي لما تمثله من مخاطر يمكن تترجم الى زيادة في أعداد الوفيات والاصابات بداء الشيجلا. لذا لا بد من مراقبة حثيثة لنسب المقاومة خاصة في الأماكن الموبوءة او تلك التي تحدث فيها بشكل دائم وتقنين استخدام المضادات الحيوية.
في ظل التغيرات المناخية، وحدوث العديد من الكوارث الطبيعية مثل تسونامي، فيضانات، زلازل بالإضافة الى الحروب فإن احتمالية حدوث أوبئة من الشيجلا بسبب امكانية تلوث مياه الشرب. هذا يعني ان أوبئة واسعة النطاق قد تضرب بلداناً بأكملها والوصول الى مناطق غير موبوءة. هذا يتطلب وجود مضادات حيوية ذات كفاءة عالية لمجابهة المقاومة العالية التي تظهرها الشيجلا.
البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com