للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اكتشاف الزجاج البركاني السوري

اكتشاف يفتح فصلاً جديداً في الدراسات الشرق أوسطية

  • ترجمة: د. هيثم فرحات

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    08:39 م

  • تاريخ النشر

    21 أكتوبر 2012

لقد أماط عالم آثار من جامعة شيفيلد اللثام عن أصل الأدوات الحجرية الحادة وطرقها التجارية العائدة إلى 4200 سنة خلت في سورية.

 إن المواقع الأثرية والتراث الثقافي في سورية في خطر نتيجة الأزمة الحالية. ويطمح فريق بحثي من مختلف الاختصاصات أن يسهم هذا الاكتشاف الجديد، الذي له آثار ونتائج كبيرة وهامّة في فهم ومعرفة الإمبراطورية العالمية الأولى، في تسليط الضوء على أهمية حماية تراث سورية. عند تصدّع الصخر البركاني، بوصفه زجاجاً  بركانياً طبيعي الحدوث، يصبح أملساً وصلداً وأمضى من مبضعٍ جراحي، جاعلاً منه مادة خام مطلوبة في صناعة أدوات حجرية لمجمل التاريخ البشري. في الواقع، استمر استخدام الأدوات الصخرية البركانية على امتداد الشرق الأوسط القديم لآلاف السنين قبل تمهيد السبيل للمعادن، وما تزال الأنصال الصخرية البركانية مستخدمة في يومنا هذا بوصفها مباضع لإجراءات طبية تخصصية.

في تعاون من مختلف الاختصاصات، قام باحثون في العلوم الاجتماعية والأرضية  بدراسة الأدوات الصخرية البركانية المستخرجة من موقع تل موزان الأثري الواقع في سورية بالقرب من الحدود مع تركيا والعراق. نجح فريق العمل، مستخدماً طرائق وتقنيات حديثة، في الكشف عن الأصول والتحركات المجهولة للمادة الخام المنشودة في أثناء العصر البرونزي، لما يزيد عن أربع آلاف سنة خلت. إن معظم الصخور البركانية في تل موزان (والمواقع الأثرية المجاورة) ناجمة عن براكين تبعد 200 كم عن ما يُعرف الآن بشرق تركيا، كما هومتوقع من نماذج التجارة القديمة التي اكتشفها علماء الآثار خلال العقود الخمسة المنصرمة. مع هذا، اكتشف فريق العمل مجموعة من الصناعات الصخرية البركانية اليدوية الغريبة الناجمة عن بركان في تركيا الوسطى على مسافة أبعد بثلاثة أضعاف من ذلك. وكما بعدها  أهمية مكان العثور عليها: فناء قصر ملكي. لقد أًبقي على هذه الصناعات اليدوية في أثناء أوج الإمبراطورية الأولى في العالم، الإمبراطورية الآكادية، التي غزت سورية في العصر البرونزي. إن لهذا الاكتشاف أبعاد مثيرة لفهم الروابط بين الموارد الطبيعية والإمبراطوريات في الشرق الأوسط.

يقول قائد فريق البحث الخبير المخضرم الدكتور إليري فرام، قسم الآثار، جامعة شيفيلد: "إن هذا الاكتشاف نادر، إن لم يكن فريداً من نوعه في شمال بلاد الرافدين على نحويفتح آفاقاً جديدة لتغيير اقتصاد العصر البرونزي وجغرافيته السياسية. يمكننا تحديد أصول الصناعات الصخرية البركانية اليدوية لأن لكل مصدر بركاني "بصمته" المميّزة. لهذا، يعد مصدر الصخور البركانية وسيلة فعالة لإعادة تصور الطرق التجارية السالفة، والحدود الاجتماعية، ومعلومات أخرى تمكننا من الانخراط في مناظرات علوم اجتماعية جوهرية." ولم يقم فرام والمشتركون معه في البحث بتحديد البركان عينه الذي نجمت عنه الصناعات اليدوية وحسب، بل استطاعوا تحديد فوهة البركان الدقيقة التي جُمِع الصخر البركاني منها وأنه تم جمع المادة الخام من موقعين مختلفين على منحدراته. إن هذه الدقة واردة من خلال استخدام جملة من التقنيات العلمية وما تحتويه من محلل أشعة سينية محمول يمكن إحضاره إلى المواقع الأثرية، وأدوات لقياس الإشارات المغناطيسية داخل الصخور.

لقد طُوِّرت بصورة جزئية أحدث التقنيات لمطابقة الصناعات الصخرية البركانية اليدوية مع أصولها البركانية في جامعة شيفيلد على يد عالم الآثار الشهير كولِن رينفرو، المحاضر في قسم "ما قبل التاريخ والآثار" من عام 1965 إلى عام 1972.ثم أردف فرام قائلاً:"نحن مستمرون، بعد عقود، في تحديث التقنيات الأصلية، فالتكنولوجيات الحديثة تمكننا من اختبار مقاربات جديدة، إذ يمكن لأدوات التحليل الفعّالة أن ترافقنا إلى المواقع، وتمكننا الأدوات المغناطيسية الحساسة من كشف المقالع الحجرية، فلم يكن هذا المستوى من الدقة وارداً سابقاً. تكشف نتائج بحثنا في تل موزان تواجد المزيد من المفاجآت في الشرق الأوسط أيضاً، بوصفه مرقداً لمصادر الصخور البركانية." وينوه فرام إلى أن "دراسة استخدام الصخور البركانية وأصولها تكشف تطابقات مقنعة مع الشرق الأوسط الحديث ولها صدى يعكس القضايا التي تواجهها المنطقة في الوقت الراهن. فنعتقد، على سبيل المثال، أن القوى الغازية المصممة على التحكم بالحصول على الموارد الطبيعية القيمة قد واجهت مقاومة الاحتلال من دول صغيرة عبر المنطقة تحكمها شعوب كانت أقليات إثنية متواجدة في أماكن أخرى من الشرق الأوسط.

"فقد ينجم عن تمرد جبلي حصار على الموارد الطبيعية، وقد يسعى المستعمرون للحصول على الموارد من مصادر بعيدة، وعقد تحالفات مع قوى إقليمية أخرى للرفع من شأنهم. يعود هذا الأمر إلى 4200 سنة خلت في أثناء العصر البرونزي، فالتطابقات مع تاريخ المنطقة الحديث مذهلة." إن العلاقة بين العملين الإنساني والأثري في المنطقة تقع في صلب اهتمامات الدكتور فرام أيضاً. ثم أردف قائلاً: "بصفتي أمريكياً، ذهبت إلى سورية بعد أن عدّت الولايات المتحدة سورية جزءاً من "محور الشر"، وعشت تجارب إيجابية هناك، ليس إلاّ، إذ كانت درجة الحفاوة التي لمستها مذهلة. فأناس غرباء عني تماماً استضافوني في بيوتهم في أثناء رحلتي بحافلة استغرقت تسع ساعات من دمشق إلى الموقع الأثري عبر الصحراء السورية. لقد رُحِب بي، وقُدِّم لي الطعام والماء والملبس، وعُرِّفت على عائلات وأصدقاء وعلى معالم البلدة، إذ تسابق أفراد العائلة فيما بينهم على أفضل بيت أمضي ليلتي فيه."

"إن الوضع الراهن في سورية مأساوي وخطر، فأنا أتابع التطورات في سورية عن كثب من منطلق اهتماماتي المهنية والشخصية. إن ابتعادي عنها لأمر قاهر ومفجع، لكن على عكس الناس الذين يعايشون القتال، أتميّز عنهم بمتعة العمل. وبغض النظر عما سيحمله المستقبل، ثمة أعمال إنسانية وأثرية كثيرة يمكن القيام بها هناك، فإنني مهتم للغاية في التفاعلات فيما بينها. كيف يمكن لعلم الآثار أن يسهم في استعادة سورية لعافيتها؟ تسبر دراسته اللاحقة عن الصناعات الصخرية البركانية اليدوية ما حلّ بالشبكات التجارية والاجتماعية عندما تم التخلي عن مدن العصر البرونزي في أعقاب انهيار حكومي إقليمي وزيادة الجفاف بسبب التغيرات المُناخية.

المراجع

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */