للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

حوار مع الدكتور رشدي راشد

السنة الدولية للضوء والحسن ابن الهيثم

  • أجرت الحوار: د. موزة بنت محمد الربان

    رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    01:11 م

  • تاريخ النشر

    16 مارس 2015

السؤال: أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2015 سنة الضوء وتكنولوجيات الضوء، وقد اختيرت لتكون احتفالا بمرور ألف سنة على تأسيس علم الضوء على يد الحسن ابن الهيثم وتأليفه لكتاب المناظر. ومن المعلوم أنكم درستم ابن الهيثم بكثير من التعمق مما جعلكم من أهم الباحثين على مستوى العالَم في هذا العالِم وأثره، فما سر اهتمامك بابن الهيثم؟ وكيف بدأ؟

أولاً تحديد سنة لعلم الضوء فكرة جيدة، وأن تكون هي 2015 فكرة جيدة أيضاً. وفكرة جيدة كذلك أن نربط هذه السنة باسم ابن الهيثم، لأن ابن الهيثم كان أول من وضع نظرية في الضوء سآتي إليها فيما بعد. ولكن اعتبار سنة 1015 هي السنة التي كتب فيها ابن الهيثم كتاب المناظر، فهو خطأ. والصحيح أنها السنة التي كتب فيها ابن الهيثم كتابه في ضوء القمر، وهي رسالة هامّة جداً، وكانت أول شرح علمي حقيقي لضوء القمر. ولقد نبّهت إلى ذلك المسؤول عن تنظيم هذه السنة وهو يعمل في إحدى الجامعات الفرنسية الآن، ولكنه ليس فرنسيّا، وقد أخذ بذلك، ولكن حدث خطأ.  فإذن يمكن أن نعتبر أن سنة 1015 هي إحدى السنوات الهامّة التي بدأ فيها علم الضوء على أساس كتاب ابن الهيثم في ضوء القمر.

قبل ابن الهيثم، كان الاهتمام الأساسي مركزا على نظرية الإبصار أكثر مما هو مركز على علم الضوء. وكان في اتجاهين وهما: ما يسميه ابن الهيثم أصحاب الشعاع، أي الرؤية بخروج شعاع من العين أو خروج مخروط شعاعي من العين يُلقى على الشيء المرئي وبذلك تحدث الرؤية، وشروحه لذلك مختلفة أهمها في كتابين، أحدهما هو شرح كتاب أقليدس في المناظر والثاني شرح كتاب بطلميوس أيضاً في

 المناظر. كتاب أقليدس حول هندسة الرؤية، حيث عالج فيه الرؤية المباشرة، وله كتاب آخر يبحث فيه الانعكاس على المرايا وأمور أخرى ذات صلة، أما بطلميوس فذهب أبعد من هذا وعالج أمور عديدة، منها أنه عالج الانكسار أيضًا في الجزء الخامس من كتابه. أما ابن الهيثم فهو أول من فرق بين شروط الإبصار وشروط الإضاءة. ويمكن القول إن الرؤية هي، بالنسبة إلى أقليدس، إضاءة الموضوع بخروج شعاع من العين. أما بالنسبة إلى بطليموس فالرؤية أيضًا هي إنارة مع تدخل بعض العوامل الفيزيائية.

أما ابن الهيثم فقد أبطل هذه النظرية وأصبح هناك شروط للإبصار مختلفة عن شروط انتشار الضوء، هذه النقطة الأولى. أما النقطة الثانية عند ابن الهيثم فقد أصبح للضوء وجود ذاتي وله سرعة ذاتية وأصبح له وجود مادي. وتدرس نظرية انتشار الضوء على أساس وجود فعلي لشيء مادي ينتشر ويشعّ، وأصبحت هي دراسة شروط الاشعاع، أولاً الشعاع المباشر ثم الاشعاع بالانعكاس والاشعاع بالانكسار وإلى آخره. وهنا تدخل أيضًا نظريته في ضوء القمر التي بيّن فيها أن ضوء القمر يأتينا بالانكسار وليس كما قيل من قبل أن القمر مرآة ينعكس عليها الاشعاع. من هنا، يمكننا اعتبار قرار الأمم المتحدة قرارا تقريبيا، ولكن الشيء الهام فيه هو أنه أصبح ولأول مرة في هذه الميادين يُذكَر ابن الهيثم كأحد علماء الإنسانية ويُربط اسمه بهذا الحدث وفي هذا رجوع إلى الحقيقة.

أما سر الاهتمام بابن الهيثم: في الحقيقة الاهتمام بابن الهيثم جاء متأخرًا، بمعنى أنني عندما قمت بإعداد رسالة الدكتوراه، كان موضوعها تطبيق الرياضيات في الميادين التي يصعب فيها هذا التطبيق والتي لم تنضج فيها المفاهيم حتى تقبل تطبيق الرياضيات، وكان الأساس هو حساب الاحتمالات وهذا النوع من الرياضيات. وفي أثناء العمل في هذا الميدان، كانت الفكرة الأساسية هي متى وكيف تحدث بداية نجاح تطبيق الرياضيات في موضوعات معينة؟ فعملت على الميكانيكا قبل جاليليو، ثم على الكهرباء قبل أورشتد، وفكرت أن أعمل شيئًا في تاريخ علم الضوء على هذا الأساس. وهنا التقيت بمؤلفات ابن الهيثم، وبكل صراحة التقيت بها باللاتينية قبل أن ألتقي بها بالعربية، وكان هذا موضوع رسالتي. وفي النظام الأكاديمي الفرنسي كانت هناك رسالتان: الرسالة الأساسية والرسالة التكميلية. فاخترت في الرسالة التكميلية دراسة العلاقة ما بين تاريخ العلوم وما قبل تاريخ العلوم. واخترت علم البصريات مثالا، وخاصة كتاب المناظر لابن الهيثم.

كان هذا في الستينيات تقريبًا، ثم جاءت ظروف شخصية وعامة غيّرت بعض الأشياء وبدأتُ الاهتمام بالرياضيات العربية. وكان أول عمل لي في الجبر، وقد كان اكتشافي كتاب هام في الجبر على سبيل الصدفة. فقد كنت ابحث عن كتب ابن الهيثم في إسطنبول فعثرت على كتاب أحد العلماء وهو السموأل بن يحي المغربي المتوفي سنة 1175. وكانت لهذا الكتاب أهمية خطيرة في تاريخ الرياضيات لأنه كان يحتوي على نتائج كنا (كمؤرخين) نظن أنها لم تظهر إلّا في القرن السادس عشر والقرن السابع عشر. وهذا الرجل هو أحد تابعي أبو بكر الكرجي، والكرجي هو الذي غيّر تاريخ الجبر، وقد حققتُ هذا الكتاب مع زميلي الدكتور صلاح أحمد من جامعة دمشق، ونُشر في سوريا.

فبدأتُ الاهتمام بتاريخ الرياضيات، وهنا طبعاً التقيت بأعمال ابن الهيثم مرة أخرى، ابن الهيثم الرياضي والفيزيائي، وقمت أولاً بالتحليل التاريخي والأبستيمولوجي للنظريات لفهم ما جاء به من جديد، وكشف العلاقة بالقديم وبيان أين يقع التجديد؟ وأين يستمر القديم؟ كان هذا هو الأساس، وبدأت أشتغل على كتاب المناظر لابن الهيثم وانطلقت في نشر دراسات حول فكره العلمي في كتاب طبع في إنجلترا بعنوان "البصريات والرياضيات: بحوث في تاريخ الفكر العلمي العربي". ثم خامرتني فكرة الشروع في الاشتغال على بصريات ابن الهيثم وتحديدا النظر في علاقة المناظر بالرياضيات، وهنا ظهر الشيء الضخم وهو الأعمال الرياضية والأعمال الفلكية، واستغرقت هذه البحوث بين ثلاثة وأربعة عقود.

السؤال: ما هو شائع ومُتداول أن ابن الهيثم ولد في البصرة وعاش في بغداد ثم انتقل إلى مصر حيث سجن فيها وادّعى الجنون، وفيها كتب كتابه الشهير " المناظر" الذي وضع فيه أسس علم الضوء، فما مدى صحة هذا القول؟

 أولاً هذا القول يعتمد على خلط استمر طويلًا، للأسف الشديد، بين شخصين هما الحسن بن الحسن بن الهيثم (ابن الهيثم) ومحمد بن الحسن بن الهيثم وهو فيلسوف جيد، وقد وضحت ذلك الخلط في عدة مقالات. إن سبب كل هذا الخلط - في رأيي- هو خرافات تعود إلى أنّ مؤلفي السيّر يكتبون السير لجذب ولإمتاع القراء، فكانوا يدخلون أحيانا أشياء غير حقيقية، ومن بين هؤلاء مؤلفين كبار أيضا، فحدث هذا الخلط. الحسن بن الحسن بن الهيثم لم يقم في بغداد، هو وُلد في البصرة ومن الثابت أن له بنتا ولدت في البصرة وتزوجت فيها. أما الذي كان في بغداد فهو محمد بن الحسن بن الهيثم (الفيلسوف). بعد هذا ذهب الحسن ابن الهيثم إلى مصر، وكانت مصر في ذلك الوقت تحت إمرة الحاكم بأمر الله الفاطمي، وكانت القاهرة عاصمة للنشاط الثقافي في علوم اللغة وسائر العلوم الأخرى، كما نذهب نحن الآن إلى باريس وغيرها ...الخ ، وقد سكن بجوار الأزهر.

ولم يسجن ابن الهيثم اطلاقاً، ولا يوجد إلا مصدر واحد يقول بهذا، وهي قصة خرافية. وللأسف، ما زال هذا الخطأ شائعا وقد استغله البعض الآن لتصوير فيلم عن ابن الهيثم وعن سجنه في مصر. أما القول إنه كتب كتاب المناظر هناك، فلست أدري حقيقة ذلك. ولكني متأكد أنه في سنة 1015 كتب كتاب في ضوء القمر. أما كتاب المناظر فمن المحتمل أن يكون قد ألفه بعد ذلك أو أثناء إقامته في مصر، لأن الكتاب كبير ويتكون من سبع مقالات، ولا بدّ أن يكون تأليفه قد استغرق وقتًا طويلًا ككل المؤلفات الكبرى. فأرجو من الدارسين أن ينتبهوا إلى ذلك وألّا يرددوا هذه الأخطاء الشائعة حول هذا الموضوع.

السؤال: اشتهر ابن الهيثم بكتاب المناظر وهو كتاب في الضوء وفي الفيزياء، فهل كان ابن الهيثم فيزيائيا فقط؟

 نعم، اشتهر ابن الهيثم بكتاب المناظر وهذا صحيح لعدة أسباب، منها أوّلًا أنه استطاع، بهذا الكتاب (المناظر) وبمؤلفاته الأخرى عن الضوء، أن يُغير مسار هذا العلم، أعني علم المناظر. ثانياً أن هذا الكتاب تُرجم إلى اللاتينية واشتغل عليه الذين واصلوا دراسة علم الضوء مثل ديكارت وهويجانـز وكبلر وغيرهم، وقد قام بتحقيق النسخة اللاتينية من الكتاب أخيرًا أحد الأساتذة وهو مارك سميث في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا عمل جيد وإن كنت لا أتفق معه في بعض تفسيراته.

إن الخطوة المعرفية التي قام بها ابن الهيثم في كتاب المناظر خطوة جبارة، لأنها لا تخص المناظر فقط بل الفيزياء عامة، ولأنه في هذا الكتاب، ولأول مرة، دخلت معايير جديدة في الفيزياء وهي أن الفيزياء تتركز على شيئين: على الرياضيات وعلى المنهج التجريبي، وهذا لم يكن من قبل. فهذه الثورة المعرفية هي التي أحدثها العالم في مؤلفاته بطبيعة الحال. إلا أن ابن الهيثم كتب 15 رسالة في المناظر وكتب على الأقل 25 رسالة في الفلك وكتب عشرات الرسائل والكتب في الرياضيات وكتب في الهندسة المسطحة وهندسة المخروطات والهندسة الكروية وفي كل فروع الهندسة، وكتب أيضًا في نظرية الأعداد رسالة مهمة جدًّا، الخ.

إذن، هناك خطوة معرفية أخرى خطاها ابن الهيثم في الفلك، وهذه الخطوة، وإن لم تكن في أهمية الخطوة التي قطعها في المناظر، فهي مع ذلك خطوة هامّة للغاية. إنّ المصدر الأساسي في الفلك كان كتاب بطلميوس (المجسطي) وقد كتب ابن الهيثم كتابا في الرد على بطليموس ينقد فيه ما قام به بطلميوس، فهو يرد ردا علميا وينقد فيه النموذج البطلميوسي في الفلك. وقد كان لهذا الكتاب تأثير هام جدًّا في علم الفلك لأنه بعد هذا حاول الكثيرون مثل الطوسي في مدرسة مراغة وابن الشاطر في دمشق تعديل هذا النموذج ووضع نماذج أخرى تتفادى ما نقده ابن الهيثم على بطلميوس. وكان لمدرسة مراغة وابن الشاطر أثر مباشر على كوبرنيكوس في كتابة الجديد في الفلك.

ابن الهيثم كان أعمق من كل هؤلاء، فلم يحاول أن يضع نموذجًا جديدًا، ولكن نظرا إلى علمه الواسع وخبرته في المناظر حاول أن يضع علمًا جديدًا، بمعنى أنه حاول أن يُدخل الحركة ويُدخل الزمان في الفلك، فـأنشأ أول محاولة في السينماتيكا السماوية. وكانت المحاولة التي بعد ابن الهيثم هي محاولة كبلر، ثم نيوتن. إلا أن ابن الهيثم، مثله مثل كبلر، كان يفكر قبل ظهور نظرية الجاذبية، فتوقفت بحوثه عند هذا الحد، ولكنه هو أول من أنشأ السينماتيكا السماوية وكان هذا هاما جدا، واستعمل وسائل رياضية بعضها لم يكتشف قبل القرن الثامن عشر، وقد خصصتُ الجزء الخامس من تحقيقات أعمال ابن الهيثم التي نشرتُها لهذا الكتاب.

أما بالنسبة إلى الرياضيات فكانت إسهاماته وفيرة، فهو من أدخل فكرة الحركة أيضاً، وهذا الذي كان يمنعه ويبطله أقليدس، ونقده عمر الخيام فيما بعد لأنه أدخل الحركة، ولكن إدخال الحركة في الهندسة أوجد هندسيات جديدة. وهنا لن أدخل في التفاصيل، ولكنه عمل على نظرية التوازي وحاول أن يحل مشكلة فرضية أقليدس الخامسة وأدخل فيها الحركة وكان هذا هام جداً وله أثر كبير فيما بعد. وقد اشتغل على الهندسة الكروية وقدم فيها أشياء هامة، وعمل على هندسة المخروطات وغيّر فيها، وكتب في نظرية الأعداد وأنتج فيها، الخ.

السؤال: من المعلوم أن العلم تراكمي، وفي كتابكم " الهندسة وعلم المناظر في ضحى الإسلام"، ذكرتم أن هناك علماء آخرين إلى جانب ابن الهيثم، لم يحظوا ربما بنفس شهرته، وقد كان لكم سبق في اكتشاف دور هؤلاء العلماء، كأبي العلاء ابن سهل والقوهي وغيرهم، فهل لك أن توضح لنا ذلك؟

 بالنسبة إلى العلم كما بالنسبة إلى أشياء عديدة أخرى تخص النشاط الإنساني، دائمًا العلماء الكبار كما قال الكندي يقفون على أكتاف علماء كبار قبلهم، وهذه القاعدة تنطبق أيضًا على ابن الهيثم. فقبل ابن الهيثم، كانت دراسات المناظر العربية في عدة اتجاهات: اتجاه في العمل على المرايا المحرقة أو كما يسمونها "الحرّاقات"، هذا بدأ مع الكندي خاصة وهو الذي توفي في منتصف سنة 860 وكتب كتاب في الشعاعات درس فيه المرايا المحرقة. وكان العرب يعرفون ما أتى به اليونانيون وقد ترجموا كل أعمالهم تقريبًا، حتى أن الآثار اليونانية فقدت باللغة اليونانية ووجد بعضها بالعربية، وهذا ما ذكرته ونشرته في كتاباتي. الكندي هو من أوائل من عمل في المرايا المحرقة وفي المناظر في نفس الوقت، وكتب كتاب هام جداً في المناظر ونقد أقليديس في كتاب آخر. والكتاب الأول ترجم إلى اللاتينية تحت عنوان  Deaspectus، وهذا الكتاب نشر واشتُغل عليه.

واستمرت الأبحاث في هذا الشأن، ثم جاء أبو العلاء بن سهل وطرح سؤالا لم يطرحه سابقوه. فقبل العلاء بن سهل كان يُفَكّر كيف يكون الإحراق بواسطة الانعكاس على المرايا؟  بينما هو طرح سؤال: كيف يكون الإحراق بالانكسار بواسطة العدسات؟ ولكي يُجيب على هذا السؤال بدأ يفكر في نظرية في العدسات، وهذه النظرية في العدسات لم توضع من قبل، وكان هو أول من وضعها. وكان قبل اكتشاف عمله هذا (من قِبَل رشدي راشد)، يُؤرّخ لهذه النظرية انطلاقا من القرن السابع عشر. ولكي يتم هذه النظرية في العدسات، أي كيف يتم الإحراق بواسطة العدسات، اكتشفَ قانون الانكسار الذي يسمى قانون سنليوس، أو قانون ديكارت حسب المدارس، وفي الحقيقة يريد الكثيرون الآن، وبعد هذا الاكتشاف لأعمال هذا العالم الكبير، تسمية هذا القانون قانون ابن سهل. وهو قانون الانكسار كما يعرف في كتب الفيزياء الأولية ويُدرّس في كل مكان.

ولكي يكتشف هذا القانون أيضاً، بدأ يفكر في معاملات الانكسار، أي في ربط الانكسار بالوسط، فلكل وسط معامل انكسار معين، وتباردت إليه فكرة مفادها أنّه لا نهاية في معاملات الانكسار حسب شفافية الوسط، وهذا كتاب آخر، ونقله عنه ابن الهيثم بيده. ويذكر ابن الهيثم هذا الكتاب في رسالته عن الضوء نسبته لابن سهل. وقد كتب ابن الهيثم فيما بعد كتابا في الإحراق بواسطة المرايا المحرقة، وفي كتابه في المناظر رجع إلى مسألة الانكسار لبعض العدسات وهنا يظهر بشكل واضح، وهو ما برهنتُ عليه، باستعانته بالعلاء ابن سهل، هذا بالنسبة لهذا الموضوع. وبالنسبة إلى موضوعات أخرى مثال ذلك في الرياضيات بالنسبة إلى العمل في مساحة المجسم المكافئ، طبعاً، فقبل ابن الهيثم كان هناك ثابت ابن قرة المتوفي سنة 901، ويوجد أيضاً القوهي، وكلاهما يذكره ابن الهيثم، كما يذكر آخرين في رسائل أخرى. إذن، من أجل فهم أعمال ابن الهيثم في الرياضيات لا بد من فهم التقاليد المختلفة التي سبقته وهذا ما حاولت القيام به، مثل التقليد الذي بنى عليه في مجال القطوع المخروطية.

 السؤال: هذا الإرث التليد لهؤلاء العلماء الكبار، هل أُعطي حقه؟ وهل دُرس في الوطن العربي دراسة تليق به؟

 للأسف الشديد... لقد كانت هناك محاولات في الوطن العربي وكانت محاولات جادّة وهامّة في وقت من الأوقات، هذا حدث عندما قام بعض الأساتذة في القاهرة مثل مصطفى نظيف ومصطفى مشرّفه وغيرهما من العلماء، علماء الفيزياء والرياضيات، بمحاولة النهضة بهذا التراث وهذه المحاولات كانت مرتبطة بمحاولات سياسية ضخمة وهي النهضة بالتعليم والنهضة بالدراسات، الخ.

لقد ألف مصطفى نظيف أهم كتاب عن ابن الهيثم، وأنا أؤكد أن هذا الكتاب هو أهم ما كتب عن نظريات أو بصريات ابن الهيثم. لذلك قمت بإصدارة من جديد مع مقدمة في بيروت أخيراً. بعد مصطفى نظيف ظهرت أجيال بعضها هاجر وبعضها توفي، ولكن كانت هناك محاولات دؤوبة. فقد شاركت في تأسيس معهد في حلب لتاريخ العلوم مع الأستاذ أحمد يوسف الحسن، وهو فلسطيني وكان أستاذ هندسة في جامعة حلب ومديراً لها، وأُعطيت له الفرصة أن يقوم بهذا وساعدته من أوروبا. ولكن هذه التجربة أخفقت لأسباب عديدة لن أدخل فيها، وبعدها ذهب الأستاذ أحمد يوسف الحسن وجاء شخص آخر. وفي بغداد حاولوا إحداث معهد أيضًا، ولكن للأسف أيضًا كان مصيره مصير معهد حلب. فلم يعد هناك الآن أي معهد لتاريخ العلوم العربية جدير بأن يسمى كذلك في أي بلد عربي أو إسلامي. وكان موضوع تاريخ العلوم الدقيقة خاصة يعمل في أوروبا وأمريكا وروسيا في وقت من الأوقات وفي الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية، لقد حدثت نتيجة عكسية لهذا حيث أصبح هذا الموضوع للتهريج العلمي أو للتجارة العلمية بمعنى أخذ بعض النماذج وعرضها هنا وهناك والدعاية الإعلامية، لكن دون دراسات علمية حقيقية بشكل أو بآخر في هذه الميادين. هذا هو الوضع الحالي للأسف الشديد، وإن لم يتهيأ بلد أو بلدان أو مجموعات للعمل في هذا الميدان فسيظل هذا العمل قائما في أوروبا أو أمريكا أو غير موجود إطلاقا، وضرره أكثر من نفعه. وللأسف الشديد، إن العرب أو المسلمين يعتبرون أنفسهم ورثة هذا الإرث، ولكن في الحقيقة هم ليسوا ورثة هذا الإرث. فالوريث الوحيد هو الذي يعمل، وليس هناك عمل وأنا آسف جداً أن أقول هذا الكلام وبهذه الصورة، ولكن هذه هي الحقيقة.

وكما ذكرت، ظهر جيل من العلماء الجيدين كمصطفى نظيف وعلي مصطفى مشرفه وغيرهم في جامعة القاهرة، ولكن ورثة هذا الجيل للأسف الشديد هم في الهجرة مثل عبد الحميد صبره، ممن هاجروا أو هُجّروا.

 


أُجريَ هذا الحوار مع الدكتور رشدي راشد
في مقر منظمة المجتمع العلمي العربي

قطر/ الدوحة، الخميس 21 جمادى الأولى 1436
الموافق 12 مارس 2015


 

تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org​

 


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

      

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */