للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

اليمنيون سادة الماء في العالـم

  • الكاتب: الحسين بشــوظ

  • ما تقييمك؟

    • ( 5 / 5 )

  • الوقت

    10:57 م

  • تاريخ النشر

    19 ديسمبر 2017

تذكر لنا المصادر التاريخية أن اليمنيين كانوا سادة الماء في العالم، وإليهم تُنسب كل أدوات وتقنيات الري والسقي الزراعي، وأحواض تخزين الماء وهندسة الجسور والسدود، ومد قنوات الري، ورفع الماء إلى الحقول المتدرجة عبر الجبال المزروعة حتى أن بعض الشواهد تثبت تماثل العمران في المنشآت المائية في المغرب الأقصى واليمن، مما يدل على أن الخبرة اليمنية وصلت إلى نطاقات ودول بعيدة جداً. لقد أحيى اليمنيون في غابر العصور وقديم الأزمان بلداناً ميتة، وَرَوَوْا أُمماً وقبائل عطشى، وأنشأُوا حقولاً ومزارع وجنات يانعة، وبنوا المدن وعمّروا الحواضر وشيّدوا القصور والجسور.

فسنتحدَّث في هذا المقال عن أعجوبة حضارة سبأ ممثلة في سدِّها العظيم، سد مأرب. فقد أثبت علماء الآثار الذين عملوا في النطاقات التي يُرجّح أن سد مأرب قد أنشئ عليها، أن السد بُني على مراحل، ولم يُشيّد دفعة واحدة. ومن خلال التحليلات المخبرية لعينات من مواد البناء والصخور التي استعملت في تشييد السد، فإن الإنشاء الأول يرجع إلى الألف الأول قبل الميلاد1، وهو تاريخ تقريببي ورد في أكثر من مرجع، إلا أن الكشوفات والآثار المادية التي تم الكشف عنها في مواقع التنقيب تظل قاصرة عن إعطاء تاريخ مُحدد ومضبوط للفترة التي أنشئ فيها السد أول مرة. خصوصاً وأن سد مأرب؛ عرف إصلاحات وتحسينات وترميمات متعاقبة، فرضتها عوامل المناخ والتعرية وسنوات المطر التي ارتفع فيها منسوب المياه في السد إلى مستويات قياسية، إلى أن اتخذ شكله النهائي قبل أن ينهار ويطمس سيله حضارة من أعرق الحضارات التي مرّت على وجه الأرض.

يُقدِّر علماء الآثار الذي عملوا في موقع السد، أن هذا التطوير والترميم لسد مأرب القديم، تم في القرن الـ 5 قبل الميلاد ما زالت هناك آثار بادية وواضحة للسد القديم، خصوصاً في الصفدين المشكّلان لأساساته الجانبية وبعض جلاميد الصخور المتناثرة في موقع البناء، إضافة إلى قنوات تصريف مياه السد للحقول والجنان التي أقيمت أسفل السد، والتي ما يزال جزء منها سليماً وعلى هيأته الأولى التي بُني عليها قبل آلاف السنين. لم يبرع اليمنيون في بناء القصور والقلاع والجسور والسدود وقنوات الري فحسب، بل كانوا سادة الماء في شبه الجزيرة العربية، فإلى جانب براعتهم وخبرتهم في بناء السدود الضخمة وحجز ملايين الأمتار المكعبة من المياه خلفها، برع اليمنيون كذلك في بناء الصهاريج والأحواض المائية العملاقة، ومدوا قنوات لنقل وتوصيل المياه إلى المناطق المرتفعة التي تعاني شُحاً في الماء.

كما ابتكروا طُرقا وأنظمة ري غاية في التطور والدقة والبراعة. فلم يَرد في المراجع القديمة ولا المعاصرة، كما لم تكشف الحفريات وعمليات التنقيب في ربوع الجزيرة العربية عن أي سدود في مناطق نجد، والبحرين، واليمامة، وعمان، ومصر قبل الحضارة السبئية. فعلى العكس تماماً، فقد أثبتت الدراسات والأبحاث وكثير من المراجع القديمة، أن كلّ ما تم تشييده وبناؤه من سدود وأحواض مائية، وقنواتِ ري وأنظمة سقي في عموم الجزيرة العربية، والسودان، وشمال إفريقيا وصولاً إلى المغرب، كانت كلُّها بعد السيل الذي أفنى حضارة سبأ وتشتُّت اليمنيين في الأمصار.

فقد ظل الماء العامل الأبرز في الهجرات، وكذلك العامل الأساسي في الاستقرار وإعمار الأرض وإنشاء المدن والحواضر. فلم يُعرف عن القبائل الحجازية، ولا النجدية، ولا البحرينية، ولا العمانية اشتغالهم بالزراعة، بل كانوا تجاراً يبيعون ويشترون ويُسيّرون القوافل إلى الشام واليمن. وفي البحرين، وعمان، وقطر كشفت المصادر التاريخية امتهانهم للصيد البحري والتجارة البحرية منذ القدم، فقد كانوا سادة البحر يصطادون الأسماك واللؤلؤ ويُسيّرون السفن التجارية إلى الصومال وسواحل القرن الإفريقي. وبعد أن انفجر سد مأرب القديم، وأباد قطاعات سكانية كبيرة وأباد معهم أنعامهم ومواشيهم والجنّتيْن بأشجارهما وثمارهما، وغُمرت الأرض الخصبة بالوحل والطمي والطين، وأصبحت لا تنبت إلا الأثل والخمط وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ كما جاء في قاله الله تعالى في محكم التنزيل: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ2)، فأُفقروا بعدَ غنى، وشُرّدوا بعد استقرار، وتفرَّقوا بعد اجتماع.

فبعد السيل تشتت ما تبقى من أهل اليمن في الأمصار والبلدان فمنهم فريق هاجر إلى عمان، وفريق إلى يثرب، وجماعة هاجرت إلى البحرين وأخرى إلى الشام، ومنهم من وفد على المغرب. وهؤلاء هم  العرب العارِبة (وهم القحطانيون - أصل العرب).

وتعاني اليمن اليوم من نضوب وجفاف أغلب أنهارها، مما دفع اليمنيين إلى إنشاء البرك المائية لحجز مياه الأمطار، فيما يستعملون المياه الجوفية في الشرب والريّ، ورغم الإمكانيات الزراعية الهائلة لليمن، والتي تتمتع بأرض خصبة ذات مردود زراعي كبير، فإن غالبية هذه الأراضي إما مهجورة أو مزروعة بشكل جزئي فقط، وبالتالي فإن الإنتاج الزراعي المحلي لا يكاد يكفي لسد الاحتياجات الداخلية، ولا يسمح بإنشاء زراعة تصديرية، أضف إلى ذلك قدم وبدائية الأدوات والوسائل التي تستخدم في الفلاحة والزراعة والري، فرغم التطور الكبير الذي تعرفه الفلاحة التسويقية في العالم العربي بفعل تطوير نظم ووسائل العمل، واستعمال الآلات الفلاحية المتطورة والأسمدة الفعالة، لا تزال الفلاحة في اليمن فلاحة بدائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، إذ إلى اليوم ما زال هناك قطاع عريض من المزارعين والفلاحين يستعملون الحيوانات بدل الجرار. بل حتى زراعة البن اليمني الذي كان ينافس دولاً رائدة في صناعة البن في الأسواق العالمية، قد تراجع هو الآخر.

وتشكل زراعة القات خطرا حقيقا على الموارد المائية المحدودة لليمن، فهو نبات يستهلك كميات كبيرة من الماء. بخلاف الحبوب والبن. فلا بد من إعادة  النظر في كثير السياسات غير الفعالة سواء الاقتصادية أو الزراعية أو التعليمية أو الإنمائية الخاطئة في اليمن، وتعويضها بدراسات وخطط بديلة مدروسة وعملية تتوافق مع الخلفيات الثقافية لليمنيين، وتنسجم مع المؤهلات الذاتية، والإمكانيات، والموارد الطبيعية.

هذه مراجع في تاريخ اليمن:

  • كتاب: فتوح البلدان وأنساب الأشــراف  لمؤلفه أحمد بن جابر البلاذُري.
  • كتاب: الإكليل من أنساب اليمن وأخبار حمير، لمؤلفه ابن الحائك أبو محمد الحسن المشهور بالهمدانيّ.

     
  1. في عهد سمهعلي ينوف بن ذمار علي، وهذا الاسم منقوش على إحدى صخور أساسات السد القديم.
  2. سورة سبأ، الآيــة 16.
     

المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة.

 

البريد الإلكتروني للكاتب: hous-bac@hotmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • أخوكم م . نجيب إبراهيم المهوس26 ديسمبر, 201712:02 م

    سد مأرب و حضارة سبأ

    الله أكبر لولا عظمة هذه الحضارة لما ذكرها الله في محكم التنزيل ( القرآن الكريم )

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */