.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُفاقم تغير المناخ أزمة متعددة الأبعاد تؤثر على أكثر الموارد أهمية وهي المياه والطاقة والغذاء. مع التزايد السريع لعدد سكان المنطقة وارتفاع درجات الحرارة تعاني دول المنطقة من جفاف شديد يقلل من إنتاج الغذاء بنسبة كبيرة في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب على الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات التي تؤجج بدورها الاحترار العالمي.
تسلط دراسة مراجعة نقدية نُشرت حديثًا في دورية (Physics and Chemistry of the Earth) العلمية الضوء على التحديات المترابطة للمياه والطاقة والغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل تغير المناخ. هذا الترابط يجعل صدى التغييرات في أحد العناصر يتردد على العناصر الأخرى بشكل قد يؤدي إلى تهديد الاستقرار الإقليمي. وتستكشف الدراسة الاستراتيجيات وحلول التكيف المبتكرة التي يمكنها عكس هذا الاتجاه.
تغير المناخ يزيد الضغط على الموارد
يكشف سياق تأثيرات تغير المناخ الحالية على الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في الدول العربية، عن تزايد الهشاشة نتيجة المناخ الجاف بطبيعته والذي تفاقم بفعل عوامل بشرية كالنمو السكاني الهائل والاستغلال المفرط للموارد. وتشير الدراسات إلى أن درجات الحرارة ارتفعت بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ عام 1970 مع توقعات تتراوح بين 1.5 و3 درجات مئوية بحلول عام 2050 وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
في الوقت نفسه أصبحت أنماط هطول الأمطار غير منتظمة بشكل خطير، وتتوقع الدراسة انخفاضًا في هطول الأمطار السنوي بنسبة تتراوح بين 5% إلى 20% بحلول منتصف القرن، مع احتمال مواجهة بعض المناطق في إيران انخفاضًا بنسبة 25%. هذا الجفاف السريع له عواقب مباشرة، فقد ساهم الجفاف التاريخي في سوريا بين عامي 2006 و2011 في نقص الغذاء وعدم الاستقرار الاجتماعي. يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدًا وجوديًا آخر، حيث يبلغ معدل هذا الارتفاع في الخليج العربي على سبيل المثال من 3 إلى 5 ملم سنويًا، مما يؤدي إلى تلويث طبقات المياه الجوفية الساحلية الثمينة من خلال تسرب المياه المالحة، وهي ظاهرة لاحظها العلماء في العديد من المناطق مثل دلتا النيل.
بالإضافة إلى ذلك يؤدي اعتماد بعض الدول العربية بشكل شبه كلي على الأنهار العابرة للحدود مثل النيل ودجلة والفرات إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية وتهديد الزراعة بشكل مباشر، مع توقعات بانخفاض إنتاجها بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2050، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين البشر. وتشير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن أكثر من 51 مليون شخص في المنطقة يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي
دوامة الترابط بين المياه والطاقة والغذاء
يكمن جوهر المشكلة في مفهوم “الترابط بين المياه والطاقة والغذاء”، وهي أزمة نظامية يرتبط فيها كل عنصر ارتباطًا وثيقًا ببقية العناصر. وتشكل المياه محور التوترات حيث تأوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 6% من سكان العالم، لكن مواردها المائية المتجددة لا تتجاوز 2%. ويتفاقم هذا النقص بفعل قطاع الطاقة، فقد أدى ارتفاع الطلب المحلي على الطاقة مدفوعًا بتكييف الهواء إلى ارتفاع هائل في استهلاك الكهرباء، حيث وصل إلى 1060 تيراواط/ساعة في عام 2020. هذه الكهرباء المولدة في الغالب من الوقود الأحفوري تزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتسرع ظاهرة الاحتباس الحراري.
كما يعتبر قطاع النقل مساهمًا رئيسيًا، حيث بلغ استهلاك المنتجات البترولية 4,957,000 تيراجول في عام 2020. وأخيرًا يُعد الغذاء الضحية الأخيرة للتغيرات المناخية؛ فالزراعة التي تستهلك الغالبية العظمى من المياه تُعاني من عواقب مضاعفة. وتتوقع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) انخفاض المحاصيل الأساسية كالقمح بنسبة تصل إلى 35% بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ.
يجبر هذا الانخفاض في الإنتاج على الاعتماد بشكل كبير على واردات الغذاء، وتأتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر في صدارة الدول في هذا المجال. فيما تواجه دول مثل اليمن والعراق والسودان، حيث تشكل الزراعة ركيزة أساسية لسبل العيش، تحديات جسيمة في مجال الأمن الغذائي مما يُفاقم مخاطر المجاعة وعدم الاستقرار.
استراتيجيات متكاملة لكسر الحلقة المفرغة
في مواجهة هذه الأزمة تسلط هذه الدراسة الضوء على مناهج متكاملة لرسم مسار نحو المرونة. ويكمن حجر الزاوية في التحول إلى الطاقة المتجددة. وتهدف المنطقة إلى تحقيق 70 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهي إمكانات هائلة لخفض انبعاثات الكربون في الاقتصاد. أما الحل الرئيسي الثاني فهو تحلية مياه البحر. وتستحوذ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالفعل على 48% من طاقة تحلية المياه في العالم، وهي تقنية توفر أكثر من 50% من المياه المنزلية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويعد دمجها مع الطاقة الشمسية أمرًا أساسيًا لجعلها مستدامة. علاوة على ذلك يعد تنويع مصادر المياه أمرًا بالغ الأهمية. وتستشهد الدراسة بمثال قطر، حيث تغطي مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها ما بين 15% و20% من احتياجات المياه غير الصالحة للشرب.
ومع ذلك يُسلط المؤلفون الضوء على التحديات؛ فمحطة معالجة مياه الصرف الصحي في السمرا في الأردن على سبيل المثال تستهلك وحدها 3% من إجمالي الكهرباء في البلاد. وفي القطاع الزراعي يتطلب التكيف زراعة محاصيل قادرة على التكيف مع تغير المناخ وتحديث الري باستخدام أنظمة الضخ الشمسية. وهنا أيضًا تبرز أهمية فارق بسيط؛ فالضخ الشمسي غير المنظم قد يؤدي إلى “تأثير ارتدادي” بل وحتى إلى استغلال مفرط أسرع للمياه الجوفية. وتشكل هذه الاستراتيجيات، إلى جانب إعادة التشجير والنقل الأخضر، ترسانة من الحلول للمستقبل.
خارطة طريق للبقاء: الاستنتاجات والتوصيات الاستراتيجية
يرى مؤلفو الدراسة أن مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتمد على الإدارة المتكاملة لمواردها. لذلك قدموا جملة من التوصيات لصانعي القرار تهدف إلى الحفاظ على موارد المياه والطاقة والغذاء واستدامتها. تتمثل هذه التوصيات في وجوب اعتماد الحكومات لأطر حوكمة تأخذ بعين الاعتبار ترابط المياه والطاقة والبيئة لضمان اتساق السياسات، وضرورة تسريع الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة والمياه مع إصلاح الدعم الذي يشجع على الهدر. وأشار المؤلفون إلى أن التعاون العابر للحدود في أحواض الأنهار المشتركة لم يعد خيارًا بل ضرورة لتجنب الصراع.
أكدوا على ضرورة أن يكون التكيف عادلًا اجتماعيًا، وأن الحلول اللامركزية وصغيرة النطاق مثل تجميع مياه الأمطار وأنظمة الطاقة الشمسية الفردية تُعد أكثر جدوى بالنسبة للدول الهشة اقتصاديًا مثل اليمن أو السودان من المشاريع الضخمة في دول الخليج. ونوهوا في الأخير بأهمية الوعي العام الذي يعتبر أمرًا أساسيًا لدعم هذه التغييرات.
الدراسة قدمت خريطة طريق تهدف إلى تعزيز قدرة المنطقة على الصمود في مواجهة مستقبل مناخي صعب، لا سيما مع توقع وصول عدد سكانها إلى 724 مليون نسمة بحلول عام 2050.
.
المراجع
– Climate change impact on resources in the MENA region: a systematic and critical review
.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
.
الري التقليدي وأزمة المياه في الوطن العربي