.
يُعرَّف سوء معاملة الأطفال بأنه أي شكل من أشكال الإيذاء البدني أو الجنسي أو العاطفي، بالإضافة إلى الإهمال. وسوء معاملة الأطفال مرتبط بحدوث حالات مرضية وأعداد كبيرة من الوفيات، ولذا فهو قضية صحية عالمية. وينتشر سوء معاملة الأطفال بشكل غير متناسب حيث يكون الأولاد أكثر عرضة للتعرض للإيذاء البدني والفتيات للإيذاء الجنسي، ويكون الإهمال أكثر شيوعًا في المناطق الأكثر حرمانًا. وتشير التقديرات إلى أن سوء معاملة الأطفال يؤثر على طفل من كل ثلاثة أطفال عالميًا.
وقامت دراسة حديثة نشرت في مجلة Cell press باكتشاف علاقة بين سوء معاملة الأطفال والاضطرابات الالتهابية المناعية التي تحدث لاحقا. والاضطرابات الالتهابية المناعية (IMIDs) هي مجموعة من الحالات الالتهابية المناعية الذاتية المزمنة والتي تصيب نحو 80 من بين كل 100,000 شخص سنويًا، وتسبب إعاقة شديدة ولا يوجد لها علاجات حاليًا .
وللوصول إلى هذه النتائج قام الباحثون بإجراء دراسة استعادية مفتوحة استخدموا فيها قاعدة بيانات للرعاية الصحية الأولية في المملكة المتحدة تشمل بيانات 256,130 مريض تعرضوا قبل سن الثامنة عشرة للإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الإهمال أو العنف الأسري ووثقت بياناتهم على مدى فترة 26 عامًا من عام 1995 إلى عام 2021، وتم مقارنة سجلات هؤلاء الذين تعرضوا للإساءة مع سجلات مجموعة أخرى ضابطة. ومن بين الأمراض المناعية المختلفة أظهرت النتائج أن المجموعة التي تعرضت لإساءة المعاملة في الطفولة كانت معرضة بشكل كبير ومتزايد لخطر الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية تحديدا. إلا أن الدراسة ذكرت أنه من غير المفهوم جيدًا كيف يمكن أن يؤدي سوء المعاملة في مرحلة الطفولة إلى الإصابة بهذه الالتهابات المناعية.
وهذه ليست أول دراسة تدعم وجود علاقة بين التعرض لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة وتطور اضطرابات التهابية مناعية محددة، فهناك دراسات سابقة تدعم أيضا هذ الأمر.
ولكن تُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تبحث في العلاقة بين سوء معاملة الأطفال المُسجل في بيانات الرعاية الصحية الأولية السابقة في المملكة المتحدة وتطور الأمراض المناعية المتعددة، والتي تشمل: التهاب المفاصل الروماتويدي، والصدفية، وداء الاضطرابات الهضمية، والتصلب اللويحي، وداء الأمعاء الالتهابي، والذئبة الحمامية الجهازية. ومن بين الأمراض المناعية المذكورة تشير نتائج الدراسة إلى أن التعرض لسوء معاملة الأطفال يزيد من خطر الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية.
ويصعب في الدراسات العادية تحديد انتشار سوء معاملة الأطفال بدقة، بسبب صعوبة تذكر واسترجاع المعلومات والتحقق منها. بعكس الدراسات المستمدة من سجلات الرعاية الصحية فإنها تستطيع أن تصف انتشارًا متزايدًا لسوء معاملة الأطفال، وتتلافى خطر تحيز التذكر وغيرها من المشاكل.
ماهو برنامج ديكستر الذي استخدمته الدراسة؟
برنامج ديكسترهو برنامج تابع لشركة دكستر، وهي مشروع بحثي بجامعة برمنجهام. واستخدم البرنامج لمعالجة سجلات قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 16 مليون سجل صحي إلكتروني. حيث قام البرنامج بتمييزهم حسب البيانات المذكورة إلى أشخاص تعرضوا لسوء المعاملة خلال فترة الطفولة وأشخاص آخريين لم يتعرضوا لذلك، وكان عدد الذين تعرضوا لسوء معاملة الأطفال 256,130 حالة.
ثم قام البرنامج بفحص السجلات على مدى فترة 26 عامًا بحثًا عن بيانات للاضطرابات الالتهابية التي يسببها الجهاز المناعي، وقام البرنامج باكتشاف ارتباط بين سوء المعاملة في مرحلة الطفولة وزيادة معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي والصدفية. وتوضح هذه الدراسة أهمية الدراسات الطولية التي تجمع المعلومات من نفس المجموعة من الأشخاص بشكل متكرر على مدار الزمن، ثم يتم تحليل البيانات بمرور الوقت، و يتم قياس تأثير ظروف الحياة السابقة على الصحة في وقت لاحق من الحياة.
كما أضافت قدرة برنامج ديكستر على فحص قواعد بيانات ضخمة تحتوي على مليارات نقاط البيانات بسرعة خصوصية للدراسة حيث قام بتوفير نتائج قابلة للتكرار ودقيقة وشفافة. وهذا النهج الجديد يمكن استخدامه لتحديد أوجه عدم المساواة في الرعاية الصحية والتغلب عليها ومساعدة الفئات الأكثر احتياجا. كما يخطط الباحثون لاستخدام هذا النهج مستقبلًا لدراسة المزيد من مجموعات البيانات الطولية في مجالات الجريمة والرعاية الاجتماعية ورعاية الصحة النفسية.
كما توصي الدراسة بتطبيق مناهج صحية عامة واسعة النطاق للوقاية من سوء معاملة الأطفال واكتشاف عواقبه السلبية التي تؤدي إلى تطور الأمراض.
.
المصادر
1- https://www.cell.com/heliyon/fulltext/
2- https://www.eurekalert.org/news-releases/1070226
3- https://dexter.software/
.
تواصل مع الكاتب: alsaudi86@gmail.com