مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

كيف يمكن تحقيق استدامة زراعة النخيل في الجزيرة العربية؟

في ظل ملوحة التربة وندرة المياه والضغوط المرتبطة بتغير المناخ
الكاتب

الصغير محمد الغربي

كاتب علمي

الوقت

10:20 صباحًا

تاريخ النشر

16, فبراير 2025

.

يمثل نخيل التمر (Phoenix dactylifera L.) أحد الركائز الأساسية للزراعة في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، وتعد هذه المنطقة اليوم أحد أهم مصادر التمور في العالم بإنتاجها ما يزيد عن ثلث تمور العالم. ورغم أهمية هذا القطاع في النشاط الزراعي والاقتصادي لدول المنطقة، فإن استدامته تواجه تحديات بيئية متزايدة.

في دراسة مراجعة نشرت مؤخرا في دورية (Agricultural Water Management) العلمية، قام باحثون بتحليل العوامل البيئية الرئيسية المؤثرة على زراعة نخيل التمر، مثل ملوحة التربة وندرة المياه والضغوط الناتجة عن التغيرات المناخية، مع تسليط الضوء على أهمية التنوع الوراثي بين أصناف نخيل التمر، في تحسين خاصيات تحمل الإجهاد والإنتاجية لأشجار النخيل في منطقة الجزيرة العربية.

وأظهرت النتائج أهمية دور التقنيات الحيوية، مثل التحول الجيني وتحرير الجينوم، في تحسين مرونة المحاصيل وإنتاجيتها، وكذلك أهمية استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد المطبقة في الزراعة الدقيقة، لرسم الخرائط ومراقبة صحة أشجار النخيل وظروف التربة.

إنتاج التمور في الجزيرة العربية (المصدر: دراسة المراجعة)

تحديات بيئية

تحتل زراعة النخيل اليوم مكانة أساسية في الاقتصاد الزراعي في شبه الجزيرة العربية، حيث تمثل ما يقارب 34% من إنتاج التمور العالمي، بإنتاج يقدر بحوالي 9.74 مليون طن في عام 2022، حسب أحدث تقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

بحسب الدراسة، بلغ إجمالي المساحة المخصصة لزراعة نخيل التمور في شبه الجزيرة العربية في عام 2022 أكثر من 529 ألف هكتارا، وهو ما يمثل 42٪ من إجمالي المساحة المزروعة في جميع أنحاء العالم

وتشمل الدول الرائدة في إنتاج التمور في شبه الجزيرة العربية كل من المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وقد كشفت دراسات سابقة عن تنوع كبير في عدد أصناف النخيل عبر مختلف البلدان، ففي المملكة العربية السعودية، توجد حوالي 34 مليون شجرة نخيل تشمل 15 صنفا مهيمنا، بينما تنتشر في الإمارات العربية المتحدة، حوالي 40 مليون شجرة نخيل في جميع أنحاء البلاد، مع ثمانية أصناف مهيمنة.

ومع ذلك، لا تزال الاستدامة في زراعة نخيل التمر تواجه تحديات تتعلق أساسا بالظروف البيئية وحالة التربة كما يقول مؤلفو الدراسة. وتشمل التحديات الرئيسية العوامل غير الحيوية مثل درجات الحرارة القصوى والرياح والجفاف، بالإضافة إلى ملوحة التربة ودرجة حموضتها العالية أحيانا ومحتوى المادة العضوية ومستويات المغذيات فيها. كما تتضمن هذه التحديات الضغوط الحيوية، بما في ذلك الأمراض والآفات.

وتشكل ملوحة التربة على وجه الخصوص، مصدر قلق كبير خاصة في المناطق التي تعتمد على المياه الجوفية المالحة للري. يمكن أن يؤدي تراكم الأملاح في التربة إلى الإضرار بالعمليات الفسيولوجية لأشجار النخيل، مما يقلل من الغلة ويؤثر على جودة الثمار. على الرغم من أن نخيل التمر يمكنه تحمل مستويات ملوحة التربة التي تصل إلى 7.68 غرام في كل كيلوغرام من التربة، فإن المستويات الأعلى من الملوحة لها آثار ضارة كثيرا. وأظهرت إحدى الدراسات أن إنبات النخيل في تربة ذات ملوحة 5.76 غرام/كغم، ينخفض بنسبة 50%، مما يشير إلى قدرة النبات على تحمل الملوحة العالية نسبيا مقارنة بالعديد من الأنواع الأخرى. ومع ذلك، عندما تتجاوز الملوحة 8.19 غرام/كغم، ينخفض النمو بشكل حاد، بسبب انخفاض القدرة التناضحية في التربة والعجز المائي الناتج عن ذلك.

تأثير الملوحة على زراعة النخيل (المصدر: دراسة المراجعة)

يضاف إلى هذه التحديات، الظواهر المناخية المتطرفة كارتفاع درجات حرارة فوق 50 درجة مئوية وانخفاض هطول الأمطار إلى أقل من 50 ملم سنويا والتي أدت إلى انخفاض في إجمالي الغلة المنتجة بنسبة تتراوح من 5 إلى 10% في بعض المناطق.

من ناحية أخرى يؤدي الجفاف إلى تفاقم التحديات الأخرى التي تواجه زراعة أشجار النخيل، مما يؤثر على توفر المياه وامتصاص العناصر الغذائية والنمو بشكل عام. وعلى الرغم من أن أشجار النخيل قد تطورت مع التكيفات الفسيولوجية مثل نظام الجذر المحسن وآليات التعديل الأسموزي للبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة من ندرة المياه، فإن تحسين تقنيات الري ودمج ممارسات توفير المياه أمر ضروري، وفق المؤلفين، لتقليل خسائر الغلة وضمان استدامة زراعتها على المدى الطويل.

كما تلعب خصائص التربة، بما في ذلك درجة الحموضة وتوافر العناصر الغذائية، أيضا دورا حاسما في نمو أشجار النخيل وإنتاجيتها. وتنمو أشجار النخيل بشكل أفضل في التربة الطينية الرملية، التي تعزز نمو الجذور وتوفر تصريفا فعالا. ومع ذلك، فإن هذه التربة لديها قدرة منخفضة على الاحتفاظ بالمياه، مما يتطلب إدارة فعالة للري.

اعتماد حلول متكاملة لمواجهة التحديات

في مواجهة هذه التحديات، استكشف الباحثون طرقا مختلفة لتحسين قدرة شجرة النخيل على الصمود. وأشاروا في هذا الصدد إلى أهمية استخدام الأصناف المتنوعة وراثيا والأكثر تكيفا مع الظروف المحلية أمرا بالغ الأهمية، حيث تظهر بعض الأصناف البرية قدرة أفضل على تحمل الملوحة، ولكن مع إنتاجية وجودة ثمار أقل من الأصناف المستأنسة. وتقدم التكنولوجيات الحيوية، مثل تحرير الجينات CRISPR-Cas9، آفاقاً لتحسين هذه الخصائص مع الحفاظ على مقاومة الإجهاد.

كما تعمل تقنيات التكاثر الحديثة على تسريع عملية التكاثر وضمان التوحيد الوراثي والحفاظ على السمات المرغوبة. ويلعب تسلسل الحمض النووي وحفظه في المختبر أيضا دورا حيويا في حماية السلامة الجينية والتنوع البيولوجي للموارد الوراثية لنخيل التمر.

بالإضافة إلى الجوانب الوراثية، يمكن للابتكارات التكنولوجية في الممارسات الزراعية، مثل الري بالتنقيط، والتسميد بالري الموضعي، والزراعة الدقيقة، وتقنيات الزراعة في البيوت الزجاجية، أن تساهم في تحسين إنتاجية التمور ونوعيتها. وتسمح هذه التقنيات باستخدام أكثر كفاءة للمياه والعناصر الغذائية، مع تنظيم الظروف البيئية للتخفيف من الضغوط غير الحيوية.

وبحسب الدراسة فإن استخدام الكائنات الحية الدقيقة المفيدة للتربة، مثل الفطريات الجذرية والبكتيريا المعززة لنمو النبات، يمكن أن يحسن قدرة أشجار النخيل على الصمود في مواجهة الضغوط الناجمة عن الملح والجفاف. وتعمل هذه الميكروبات على تعزيز امتصاص العناصر الغذائية الأساسية، وتقليل امتصاص الأيونات السامة وتحفيز نمو الجذور، وبالتالي المساهمة في تحسين قدرة نخيل التمر على تحمل الضغوط البيئية.

أحد أمثلة استخدام الاستشعار عن بعد لمراقبة أشجار النخيل (المصدر)

واستنتج الباحثون أن التغلب على التحديات التي تواجه زراعة التمور، يتطلب اتباع نهج متنوع، يشمل استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد المتقدمة، وتطوير أصناف محسنة وراثيا، وتنفيذ أنظمة ري فعّالة. ومن خلال دمج هذه الاستراتيجيات، يمكن تعزيز استدامة وإنتاجية زراعة النخيل بشكل كبير بما يضمن استمرار الأهمية الاقتصادية والثقافية لهذا المحصول الحيوي في مواجهة الظروف البيئية المتغيرة. ولاحظوا أن التنوع الوراثي الواسع في المنطقة وممارسات الزراعة التي تعود إلى قرون من الزمان توفر أساسا مرنا للتكيف. وسيكون دمج التقنيات الزراعية المتقدمة وممارسات إدارة المياه المستدامة واستراتيجيات التحسين الوراثي أمرا بالغ الأهمية في تعزيز الإنتاجية والاستدامة.

وأشار الباحثون إلى أن التطورات التكنولوجية الحيوية، مثل التكاثر الدقيق والتحول الجيني وتحرير الجينوم، تقدم حلولا واعدة لتعزيز إنتاجية المحاصيل وتحسين التنوع الجيني والتخفيف من التأثيرات البيئية. وبالإضافة إلى ذلك، توفر تقنيات الاستشعار عن بعد أدوات دقيقة لمراقبة وإدارة صحة نخيل التمر، مما يساهم بشكل أكبر في ممارسات الزراعة المستدامة. ويحمل تكامل هذه الأساليب إمكانات هائلة لضمان مرونة زراعة نخيل التمر في مواجهة التحديات الزراعية العالمية، وتأمين مستقبل هذا المحصول الحيوي في المناطق القاحلة.

المصدر:

– Advancing date palm cultivation in the Arabian Peninsula and beyond: Addressing stress tolerance, genetic diversity, and sustainable practices

– Date palm in the Arab region

– Enhancing growth and salinity stress tolerance of date palm using Piriformospora indica

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

اقرأ ايضاً للكاتب

هل يحفز استخدام المحمول النشاط البدني لسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

الحلول القائمة على الطبيعة لمكافحة تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x