تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المعروفة بمناخها الجاف وشبه الجاف، مجموعة من التحديات الناجمة عن تغير المناخ، من موجات الحر والجفاف المتزايدة إلى الفيضانات والعواصف الرملية المدمرة. ومع النمو السكاني السريع، الذي من المتوقع أن يصل إلى 700 مليون بحلول عام 2050، أصبح من الضروري على المنطقة العمل على تعزيز قدرتها في مواجهة هذه التهديدات، مع اتخاذ إجراءات فورية وفعالة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
ولمواجهة هذه التحديات، تتجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اعتماد الحلول القائمة على الطبيعة كاستراتيجية رئيسية لبناء قدراتها على الصمود. تعمل الحلول المستندة إلى الطبيعة على معالجة التحديات المجتمعية من خلال تنفيذ إجراءات لحماية النظم البيئية الطبيعية والمعدلة وإدارتها واستعادتها بشكل مستدام، مما يعود بالنفع على الناس والطبيعة في نفس الوقت. وتهدف هذه الحلول إلى مجابهة التحديات الكبرى مثل تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث وتعزيز الأمن الغذائي والمائي، وفقدان التنوع البيولوجي والصحة البشرية، كما أنها ضرورية للتنمية المستدامة.
وقد ألقت دراسة شاملة نُشرت مؤخرًا في دورية (Nature-Based Solutions) العلمية، الضوء على الجهود التي تبذلها هذه الدول لتبني الحلول القائمة على الطبيعة عبر مختلف النظم البيئية، واستعرضت التقدم المحرز والفجوات الكبيرة التي لا تزال قائمة.
توزيع دراسات الحالة التي تمت مراجعتها في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المصدر: دراسة المراجعة)
حل واعد وتفاوت جغرافي
بحسب الدراسة، برزت الحلول القائمة على الطبيعة كنهج واعد، مع إمكانية معالجة التحديات المجتمعية بما يعود بالفائدة على رفاهة الإنسان والتنوع البيولوجي في نفس الوقت. ومع ذلك، وجد الباحثون أن تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال محدودًا نسبيًا، مع وجود مجال كبير للنمو والتوسع.
قام مؤلفو الدراسة بتحليل النتائج التي توصلت إليها 86 دراسة حالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكشف هذا التحليل توزيعا غير متكافئ لمبادرات الحلول القائمة على الطبيعة، حيث تركزت ما يقرب من 60% من دراسات الحالة المحددة في خمس دول فقط وهي المغرب (14%)، مصر ولبنان (13%)، الجزائر (12%) وتونس (8%).
وبحسب المؤلفين فإن انتشار تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الدخل المتوسط المنخفض يشير إلى أن هذه الدول كانت سباقة في دمج الحلول القائمة على الطبيعة في استراتيجيات العمل المناخي الخاصة بها. كما يسلط هذا التفاوت الضوء أيضًا على الحاجة إلى تشجيع تبني الحلول المستمدة من الطبيعة على نطاق أوسع في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في البلدان ذات الدخل المرتفع، حيث قد تكون الموارد متاحة بسهولة أكبر.
تركيز على النظم البيئية والتحديات المناخية
وجد الباحثون أن غالبية دراسات الحالة الخاصة بالحلول المستمدة من الطبيعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تركز على نوعين رئيسيين من النظم البيئية: الغابات والأراضي الحرجية البرية (38%) والأراضي الزراعية (35%). غالبًا تجلب هذه النظم البيئية اهتمام الباحثين بسبب دورها الحاسم في معالجة التحديات الأساسية المتعلقة بتغير المناخ في المنطقة، مثل تدهور الأراضي (22% من دراسات الحالة)، والجفاف (16%)، وانعدام الأمن الغذائي (17%).
ورغم أهمية التركيز على الغابات والأراضي الحرجية والأراضي الزراعية لدورها الرئيسي في التخفيف من آثار تغير المناخ ودعم سبل العيش المحلية، فإن هناك حاجة أيضًا إلى تنويع نطاق مبادرات الحلول القائمة على الطبيعة لتشمل مجموعة أوسع من النظم البيئية، مثل المناطق الساحلية والمراعي وأنظمة المياه العذبة، والتي لا تحظى بالقدر الكافي من التمثيل حاليًا.
يكشف تحليل الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضعت تركيزًا أكبر على استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث القائمة على النظم البيئية، والتي تمثل 59% من دراسات الحالة المحددة، مقارنة بنهج التكيف القائم على النظم البيئية، والتي تشكل 27% من دراسات الحالة.
ومع أهمية تدابير الحد من مخاطر الكوارث القائمة على النظم البيئية حاسمة لمعالجة المخاطر المباشرة المرتبطة بالمناخ، مثل الفيضانات والجفاف، فإن نقص تمثيل استراتيجيات التكيف القائم على النظم البيئية يشكل، وفق الباحثين، مصدر قلق، حيث يعد التكيف مفتاحا لبناء المرونة على المدى الطويل، والاستثمار في التكيف القائم على النظم البيئية يمكن أن يساعد المجتمعات على التعامل بشكل أفضل مع التأثيرات المستمرة لتغير المناخ.
ويؤكد الباحثون على أهمية إيجاد التوازن بين جهود الحد من المخاطر والتكيف، وضمان قيام بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتطوير استراتيجيات شاملة تعالج كل من التخفيف من المخاطر المرتبطة بالمناخ وتعزيز القدرات التكيفية.
توزيع فئات تدخل الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة في دراسات الحالة التي تمت مراجعتها (المصدر: دراسة المراجعة)
نتائج تركز على الآثار البيئية دون الاقتصادية
يكشف تصنيف الدراسة لتدخلات الحلول المستدامة القائمة على الطبيعة عن تركيز سائد على الإجراءات المتعلقة بالإدارة، والتي تمثل 41% من دراسات الحالة، تشمل مجالات الرعاية المستمرة وتنظيم الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت 33% من دراسات الحالة مزيجا من أنواع التدخل المختلفة، مثل الاستعادة والحماية والإدارة، مما يُظهر مقاربة أكثر شمولا لمعالجة التحديات البيئية.
يشير تركيز الدراسات على مجال الإدارة ودمج استراتيجيات متعددة إلى إدراك متزايد بأن نهج الحل الواحد قد لا يكون كافيا وأن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتبنى أطرا أكثر شمولا للحلول المستدامة القائمة على الطبيعة لمعالجة تعقيد تأثيرات تغير المناخ.
ومن الجدير بالذكر أن الدراسة وجدت أن الغالبية العظمى من دراسات الحالة التي تمت مراجعتها (96%) أفادت بنتائج بيئية إيجابية، في حين أشارت 78% منها إلى تأثيرات اجتماعية مواتية. في المقابل لم تناقش سوى 22% من دراسات الحالة النتائج الاقتصادية لتدخلات الحلول القائمة على الطبيعة، مما يشير إلى فجوة محتملة في تقييم الفوائد المالية المرتبطة بهذه المبادرات القائمة على الطبيعة.
ويرى المؤلفون أن هذا التفاوت في الإبلاغ عن النتائج البيئية والاجتماعية والاقتصادية يسلط الضوء على الحاجة إلى تقييمات أكثر صرامة وشاملة لمشاريع الحلول القائمة على الطبيعة، مما يمكن صناع السياسات وأصحاب المصلحة من فهم القيمة الحقيقية لهذه الحلول القائمة على الطبيعة بشكل أفضل واتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن تنفيذها.
توصيات
تشير نتائج هذه الدراسة إلى أنه في حين أحرزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدماً في تبني الحلول القائمة على الطبيعة، إلا أن هناك فجوات وتحديات كبيرة لا تزال قائمة. ولإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لهذه الحلول القائمة على الطبيعة، يوصي الباحثون باتباع مقاربة متعددة الأوجه تركز على النقاط التالية:
– تكامل السياسات: دمج استراتيجيات الحلول القائمة على الطبيعة في الأطر السياسية والتنظيمية الوطنية لضمان توافقها مع الأهداف البيئية والتنموية الأوسع.
– الاستثمار في البحوث: تعزيز التمويل للبحوث العلمية حول تغير المناخ والحلول القائمة على الطبيعة مع تقييم فعاليتها ومقارنتها بتقنيات التخفيف والتكيف التقليدية.
– تعزيز التمويل: زيادة الدعم المالي لتنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة، مع التركيز بشكل خاص على تدابير التكيف، من خلال الاستفادة من آليات التمويل المناخي الدولية وإشراك القطاع الخاص.
– المشاركة العامة: تحسين الوعي العام والفهم للحلول القائمة على الطبيعة من خلال حملات التوعية المستهدفة والمشاركة المجتمعية في عملية التخطيط والتنفيذ.
يقول الباحثون إن ضعف قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مواجهة تغير المناخ يؤكد على الحاجة الملحة إلى توسيع نطاق تبني الحلول القائمة على الطبيعة. ويمكن للمنطقة تسخير قوة الطبيعة لبناء القدرة على الصمود وتأمين مستقبل مستدام لمجتمعاتها، من خلال معالجة الثغرات المحددة وتعزيز مقاربة أكثر شمولا وتكاملا وتوازنا للحلول القائمة على الطبيعة.
المصادر:
– Overview of nature-based solutions for climate resilience in the MENA region
– Nature-based Solutions
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
نُشر حديثاً للكاتب
نقص البيانات يفاقم تحديات الأمن المائي في لبنان
الطباعة الصيدلانية ثلاثية الأبعاد
