مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

كنز قديم يٌعاد اكتشافه من جديد

هل يعالج اللبان مرض الباركنسون؟

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

09:35 صباحًا

تاريخ النشر

30, ديسمبر 2024

.

يتمتع البحث العلمي في مرض باركنسون بأهمية خاصة في السياق الديموغرافي اليوم، حيث تؤدي الشيخوخة السريعة لسكان العالم، وخاصة في البلدان المتقدمة، إلى زيادة في عدد حالات الأمراض التنكسية العصبية. وفي ملتقى الطرق بين الطب التقليدي والبحث العلمي الحديث، يظهر اليوم اللبان، الذي استخدم منذ آلاف السنين في الطقوس الدينية والعلاجية، كمنارة أمل لعلاج مرض باركنسون بحسب دراسة حديثة نشرت في دورية  Open  Medicine  العلمية، وسلطت الضوء على الإمكانات العلاجية لهذه المادة، في مكافحة هذا المرض العصبي المعقد.

مرض باركنسون: طاعون عصبي متزايد

بحسب الدراسة فإن مرض باركنسون يعد ثاني أكثر أمراض التنكس العصبي شيوعا بعد مرض الزهايمر. ويتميز بالرعشة وبطء في الحركة واضطرابات التوازن، وهي أعراض مرتبطة مباشرة بالفقدان التدريجي للخلايا العصبية الدوبامينية في الدماغ. ويرتبط الباركنسون عادة بكبار السن حيث يزيد تواتره بعد سن الخمسين، ويحدث تلفا في الخلايا العصبية من خلال الإنتاج المفرط لأنواع الأكسجين التفاعلية بواسطة الميتوكوندريا مما يتسبب في أكسدة الحمض النووي وتلفه.، وموت الخلايا المبرمج، وموت الخلايا العصبية الدوبامينية.

يتسبب مرض باركنسون، على الرغم من أنه ليس مميتًا في حد ذاته، في فقدان تدريجي للاستقلالية ويؤثر بشكل عميق على نوعية حياة المرضى. إن العثور على علاجات قادرة على إبطاء أو حتى إيقاف تطور هذا المرض أصبح تحديا كبيرا ليس فقط للطب، ولكن أيضا للمجتمع ككل.

وعلى الرغم من التقدم الطبي، فإنه لم يظهر إلى حد الآن أي علاج يمكّن من الشفاء من المرض، مع أن بعض الأدلة المتزايدة تشير إلى أن مضادات الأكسدة الغذائية يمكن أن تؤخر ظهور الاضطرابات المرتبطة بالشيخوخة. ويقتصر دور العلاجات الحالية على إبطاء تطور المرض، مما يجعل البحث عن حلول فعالة لهذه الآفة المتنامية يجعل البحث في هذا المجال أمرا بالغ الأهمية.

اللبان: كنز قديم يٌعاد اكتشافه من جديد

يستخرج اللبان، من شجرة اللبان وتسمى كذلك البوسويلية المقدسة (Boswellia sacra) التي تتخذ من المناطق الجافة في شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا موطنا لها، ويحظى بمكانة بارزة في التقاليد الطبية منذ فجر التاريخ. وقد أوردت بعض المصادر التاريخية أن اللبان كان فيما مضى أغلى من الذهب في بعض الأحيان لما عرف عنه من خصائص علاجية في الطب القديم، وخاصة لعلاج الالتهابات والألم واضطرابات الجهاز التنفسي. ومع ذلك، لم يولي البحث العلمي اهتماما كبيرا بالمركبات النشطة بيولوجيا التي يحتوي عليها اللبان ولا سيما أحماض البوسويليك (Boswellic acid)  إلا مؤخرًا.

كشفت نتائج الدراسات العلمية أن اللبان يتكون من زيت عطري بنسب تتراوح من 5 إلى 9٪، وصمغ (من 20 إلى23٪) وراتينج (60٪). كما يحتوي أيضا على العديد من المركبات المعروفة بخصائصها المضادة للأكسدة مثل الليمونين (22.4٪) والإسترات (21.4٪).

وقد أظهرت التجارب أن اللبان يمتلك تأثيرات مضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة وواقية للأعصاب، وهي خصائص تجذب اهتماما متزايدا بعلاج الأمراض التنكسية العصبية، مثل مرض باركنسون. كما كشفت كذلك، أن أحماض البوسويليك يمكن أن تعمل كدروع وقائية ضد تدهور الخلايا العصبية عن طريق تعديل العديد من المسارات البيولوجية المهمة.

نتائج واعدة على النماذج الحيوانية

اختبرت إحدى الدراسات فعالية اللبان على النماذج الحيوانية، وبشكل أكثر تحديدًا على ديدان ” الربداء الرشيقة”(Caenorhabditis elegans) ، المستخدمة في الأبحاث العصبية بسبب بساطتها واستجابتها للعلاجات. وكانت النتائج مشجعة، إذ أثبتت أن تناول المركبات المشتقة من اللبان جعل من الممكن تقليل العديد من علامات مرض باركنسون بشكل كبير.

ومن بين التأثيرات التي لوحظت في التجارب، الانخفاض في تراكم البروتينات السامة للأعصاب، وهي ظاهرة مركزية في مرض باركنسون. بالإضافة إلى ذلك، انخفض الإجهاد التأكسدي، وهو عامل رئيسي في انحطاط الخلايا العصبية، وكذلك فقدان الخلايا العصبية الدوبامين. أظهر تناول جرعة واحدة قدرها 500 ملغم/كغم من اللبان تحسنا ملحوظا في عدد من المؤشرات مثل انخفاض في القلق، وتحسين الوظيفة الإدراكية والذاكرة، بالإضافة إلى انخفاض في علامات الالتهاب المرتبطة بالمرض.

يؤكد الباحثون الذين قاموا بهذه الدراسة على الحاجة إلى نهج متعدد الأبعاد في علاج مرض باركنسون، إذ تتطلب هذه الحالة المرضية، المعقدة ومتعددة العوامل، علاجا يستهدف عدة آليات مرضية في وقت واحد، وبسبب خصائصه الفريدة، يمكن للبان أن يتناسب مع هذا المنهج العلاجي.

وتكمن إحدى نقاط القوة في هذا النهج في فكرة أن اللبان يمكن أن يكمل العلاجات الحالية بدلا من تقديمه كعلاج مستقل بذاته، إذ يمكن لهذه المادة أن تساعد في جعل الأدوية الأخرى أكثر فعالية مع تقليل بعض الآثار الجانبية.

حدود وآفاق البحث

وعلى الرغم من النتائج الواعدة التي تم الحصول عليها على النماذج الحيوانية، يؤكد الباحثون أن الدراسات السريرية البشرية حاسمة للتحقق من الفعالية الحقيقية للبان في علاج مرض باركنسون، ولا يزال هناك الكثير مما يجب اكتشافه حول الآليات الدقيقة لعمل المركبات الموجودة في اللبان. لذلك يدعو الباحثون إلى إجراء دراسات سريرية جديدة لتأكيد هذه التأثيرات على البشر، وتقييم سلامة هذه المادة وفهم كيفية تفاعلها مع العلاجات الحالية ضد مرض باركنسون.

تفتح هذه النتائج آفاقا جديدة حول الفوائد المحتملة للبان في علاج مرض باركنسون، على الرغم من أن هذه الاستنتاجات لا تزال بحاجة إلى تأكيد في دراسات أوسع.

المصادر:

https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/med-2024-0988/html 

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com 

.

نُشر حديثاً للكاتب

أهمية مقاربة “الصحة الواحدة” في تعزيز سلامة لحوم الإبل في الشرق الأوسط

المجتمع العلمي في سوريا وتحديات إعادة البناء

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x