.
يعتبر لحم الإبل، الذي يتم استهلاكه تقليديا في العديد من دول الشرق الأوسط، منتجا ثمينا لقيمته الغذائية وتعدد استخداماته في الممارسات الزراعية المحلية. ومع ذلك، فإن الأبحاث العلمية حول المخاطر الصحية المرتبطة باستهلاك لحوم الإبل تكشف وفق دراسة مراجعة نشرت مؤخرا في دورية (Veterinary Sciences) العلمية، عن الحاجة إلى تعزيز تدابير سلامة هذه اللحوم من خلال اعتماد مقاربة “الصحة الواحدة” التي تربط بين صحة الإنسان وصحة الحيوان وسلامة البيئة، للحد من المخاطر المحتملة.
يحتل الجمل، الذي يطلق عليه في كثير من الأحيان “سفينة الصحراء”، مكانة مهمة في مجتمعات الشرق الأوسط، ليس فقط كحيوان للركوب والتنقل في البيئات الحارة والجافة، ولكن أيضا كمصدر للحوم والحليب وغيرها من المنتجات. يحظى الجمل العربي (Camelus dromedarius) بأهمية خاصة في المناطق القاحلة في المنطقة لقدرته على تحمل الظروف المناخية القاسية. ويعتبر لحم الإبل بديلا صحيا للحوم الحمراء الأخرى لاحتوائه على نسبة أقل من الكوليسترول وعلى نسبة أعلى من الأحماض الدهنية الأساسية المفيدة لصحة الإنسان.
وقد أدت ممارسات تربية الإبل المكثفة أو شبه المكثفة، والتي تفاقمت بسبب التوسع الحضري، إلى زيادة إنتاج لحوم الإبل، على الرغم من استمرار التحديات، لا سيما فيما يتعلق بإدارة التكاليف والربحية.
مخاطر تهدد سلامة لحوم الإبل
يكمن أحد التحديات الرئيسية لسلامة الأغذية، كما تقول دراسة المراجعة التي قادها باحثون من جامعة الإمارات العربية المتحدة في العين، في التلوث الميكروبيولوجي للحوم الإبل. فقد أثبتت العديد من الدراسات وجود مسببات الأمراض الكلاسيكية مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية. وتمثل هذه البكتيريا تهديدا للصحة العامة بسبب مقاومتها المتزايدة للعلاجات المضادة للميكروبات.
وجدت العديد من الأبحاث التي أجريت في كل من مصر والمملكة العربية السعودية وإيران أن بعض عينات لحوم الإبل كانت ملوثة بالبكتيريا المسببة للأمراض، بما في ذلك الزائفة الزنجارية والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للفانكومايسين. كما تم الإبلاغ عن تفشي السالمونيلا والليستيريا مونوسيتوجينس في عينات أخرى، مما يشير إلى أوجه قصور خطيرة في ممارسات النظافة وإدارة المخاطر. ويؤكد المؤلفون على الحاجة لتعزيز الممارسات المتعلقة بإدارة صحة اللحوم عبر إنشاء أنظمة مراقبة وأنظمة نظافة أكثر صرامة في المسالخ ونقاط البيع لمنع هذه المخاطر، مع وضع سياسات صارمة بشأن استخدام المضادات الحيوية.
وإلى جانب المخاطر الميكروبية، يمكن للحوم الإبل أيضا أن تكون عرضة لمخاطر تتعلق بالتلوث الكيميائي. ذلك أن رعي الإبليات في البيئات الملوثة يؤدي إلى التراكم الحيوي للمعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والزئبق في أنسجتها. ويمكن أن تنتقل هذه المواد الموجودة في العضلات والكبد والكلى إلى الإنسان من خلال استهلاك اللحوم الملوثة، مما يثير مخاوف على الصحة العامة، وخاصة فيما يتعلق بالآثار العصبية والإنجابية على المدى الطويل. كما وجد عدد من الدراسات التي أجريت في بعض دول الشرق الأوسط مستويات عالية من بقايا المبيدات الحشرية، بما في ذلك مادة الـ دي.دي.تي ومستقلباتها، بالإضافة إلى آثار للأدوية البيطرية مثل التتراسيكلين والأوكسيتتراسيكلين في عينات من لحوم الإبل. وهذه الملوثات الكيميائية لا تضر بصحة الإنسان فحسب، بل تساهم أيضا في مقاومة المضادات الحيوية، وهي مشكلة صحية عالمية كبرى.
وبحسب مؤلفي دراسة المراجعة، فإن وجود هذه المواد في لحوم الإبل يسلط الضوء على عدم وجود معايير صارمة وآليات مراقبة فعالة في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، وأن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمراقبة الجودة الكيميائية للحوم، لحماية المستهلكين وضمان الإدارة المستدامة للموارد الغذائية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الأمراض الحيوانية المنشأ – الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر – جانبا آخر مثيرا للقلق فيما يتعلق بسلامة لحوم الإبل. ومن بين الأمراض الحيوانية المنشأ الأكثر شهرة والمرتبطة بالإبل، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV)، وهي عدوى فيروسية تنتقل عن طريق الإبل، وتسببت في العديد من حالات تفشي المرض في المنطقة في العقود الأخيرة. وقد أظهرت حالات العدوى البشرية المرتبطة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، أن الاتصال المباشر بالجمال أو استهلاك المنتجات الملوثة يعد من بين الطرق الرئيسية لانتقال العدوى.
مقاربة “الصحة الواحدة”
وفي مواجهة هذه التحديات، يقول مؤلفو دراسة المراجعة إنه يتعين اعتماد نهج “الصحة الواحدة”، الذي يأخذ في الاعتبار التفاعلات بين الصحة الحيوانية والبشرية والبيئية، لمنع انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ. وترتكز الاستراتيجيات الرئيسية للحد من تأثير هذه الأمراض على إنشاء أنظمة مراقبة متكاملة، وتحسين ممارسات الأمن البيولوجي في المزارع والأسواق، إضافة إلى توعية السكان حول مخاطر انتقال العدوى.
ودعا المؤلفون إلى زيادة التعاون بين قطاعات الصحة العامة والصحة الحيوانية والبيئة لفهم الأمراض الحيوانية المنشأ ومكافحتها بشكل أفضل. ويتسم هذا النهج بأهمية خاصة في سياق لحوم الإبل، حيث يمكن أن يكون للتفاعلات بين المربين والحيوانات والمستهلكين تأثيرات صحية إيجابية بشكل مباشر. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لرصد المخاطر الصحية المرتبطة بلحوم الإبل ومراقبتها، لا تزال هناك فجوات كبيرة في العديد من دول الشرق الأوسط، خاصة في غياب التكامل بين أنظمة مراقبة الأمراض الحيوانية المنشأ والملوثات الكيميائية مجزأة، في الوقت الذي يظل فيه التعاون بين قطاعي الصحة الحيوانية والصحة العامة غير كاف. هذا بالإضافة إلى محدودية البنية التحتية التشخيصية، مما يعيق الكشف السريع عن مسببات الأمراض والملوثات في مجموعات الإبل.
كما أن التحديات الاقتصادية والتقنية تعيق الوصول إلى تقنيات التشخيص المتقدمة، مثل الجيل التالي من تحديد التسلسل الجيني، وهو أمر بالغ الأهمية لتحديد مسببات الأمراض الناشئة. ومن الضروري أن تستثمر بلدان المنطقة المزيد في التدريب والبنية التحتية التشخيصية وقدرات المراقبة لتعزيز الأمن الغذائي وإدارة المخاطر الحيوانية.
المصدر:
– A One Health Perspective on Camel Meat Hygiene and Zoonoses: Insights from a Decade of Research in the Middle East
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com
دراسة الجمل العربي
