.
تعد رحلة ثمار الفاكهة والخضروات من المزرعة إلى المستهلك عملية معقدة للغاية تتطلب التنسيق بين عدة جوانب من إدارة الإنتاج والنقل والتخزين. واحدة من أكبر التحديات التي تواجه هذه الرحلة هي الحفاظ على جودة الثمار وجعلها تلبّي احتياجات السوق من حيث المظهر، الطعم، والقيمة الغذائية. في هذه الرحلة، يعد تحسين النضج والتحكم في العوامل المؤثرة في هذه العملية أحد العوامل الحاسمة لضمان توفير ثمار ذات جودة عالية تُلبي توقعات المستهلكين في الأسواق المحلية والدولية.
النضج الطبيعي آلية بيولوجية كاملة
هل تساءلت يومًا كيف تصل فاكهتك المفضلة إلى المتجر في ذروة نضجها؟ أو كيف تظل بعض الفواكه صالحة للأكل لأيام بينما تفسد أخرى بسرعة؟ تكمن الإجابة في العمليات البيولوجية لنضج الثمار والتقنيات المبتكرة التي تساعدنا على الاستفادة من هذه العملية. إن نضج الثمار هو مجموعة العمليات التي تحدث منذ المراحل المتأخرة من النمو والتطور حتى تصبح الثمار صالحة للاستهلاك. ويؤدي نضج الثمار إلى تغيرات في خصائص جودة الثمار. وعادة ما يلين تماسك لحم الثمار، ويرتفع محتوى السكر، وتنخفض مستويات الحموضة. وتنطلق المواد العطرية المتطايرة، وتتطور نكهة الثمار. ويتغير لون الثمار، مع تلاشي اللون الأخضر غالبا، كما تنخفض صلابة الثمار.
هذا التحول المعقد تنظمه الهرمونات والانزيمات الموجودة داخل الثمار نفسها، ويمثل الإيثيلين دورا رئيسيا وهو هرمون نباتي غازي يعرف بهرمون النضج ويعمل على تحفيز عملية النضج للعديد من الفواكه، جنبًا إلى جنب مع هرمونات وإشارات أخرى. تحتوي الفاكهة غير الناضجة عمومًا على مستويات منخفضة من الإيثيلين. مع نضج الفاكهة يتم إنتاج الإيثيلين كإشارة لتحفيز نضج الفاكهة. يستمر إنتاج الإيثيلين في الزيادة بعد الحصاد، مما يقلل من عمر الفاكهة وقدرتها على التخزين وزيادة قابليتها لهجمات مسببات الأمراض. وبالتالي، فإن مراقبة وإدارة معدلات إنتاج الإيثيلين ذات أهمية بالغة حتى لا تنضج الفاكهة أكثر من اللازم على الشجرة أو أثناء التخزين بعد الحصاد، مما يجعلها غير قابلة للتسويق ويقلل الربحية.
أنماط نضج الثمار
تنقسم الثمار عمومًا إلى مجموعتين: ثمار كلايمكتيرية (لها ذروة تنفس أثناء النضج)، والنوع الثاني هو ثمار غير كلايمكتيرية (ليس لها ذروة تنفس). وبشكل عام، يمكن للثمار الكلايمكتيرية أن تنضج بعد الحصاد، في حين لا يمكن للثمار غير الكلايمكتيرية النضج بعد الحصاد. وتتميز الثمار الكلايمكتيرية النضج بزيادة معدل التنفس، ثم زيادة كبيرة في تخليق الإيثيلين أثناء النضج (الشكل 1). كما يُعرف إنتاج الإيثيلين في هذه الثمار أيضًا بالتحفيز الذاتي، مما يعني أن التركيز الأولي للإيثيلين يسبب زيادة في إنتاج الإيثيلين. وهذا يعني أنه بمجرد بدء إنتاج الإيثيلين، تزيد الثمار بشكل طبيعي من كمية الإشارة التي يتم إنتاجها لتسريع النضج. ومن أمثلة الثمار الكلايمكتيرية ثمار الطماطم والتفاح والجوافة والمشمش والخوخ وغيرها. تتميز الثمار غير الكلايماكتيرية بنمط نضج مختلف، فهي لا تشهد ذروة إنتاج الإيثيلين أو التنفس أثناء النضج (الشكل 1)؛ وبالتالي، يجب حصادها عندما تنضج تمامًا. ومنها ثمار الباذنجان والخيار والعنب والحمضيات وغيرها.
Fruit ripening patterns of climacteric versus nonclimacteric fruits. (Source: UC Davis).
إن فهم نمط نضج الثمار التي تزرعها مهم جدًا للإدارة الجيدة للمحصول، وتحديد تاريخ الحصاد الأمثل، بالإضافة إلى تصميم ممارسات التخزين بعد الحصاد. حيث يمثل اختيار توقيت جمع الثمار التحدي الأكبر الذي يواجه المزارعين والتجار، فالحصاد المبكر للغاية قد لا يؤدي إلى وصول الفاكهة إلى نضجها المثالي. أما الحصاد المتأخر للغاية فقد يؤدي إلى إفسادها قبل وصولها إلى المستهلك. وهنا يأتي دور التكنولوجيا.
منظمات الاثيلين والتحكم في النضج قبل الحصاد وبعده
يمكن التحكم في إنتاج الإيثيلين بطرق مختلفة في مرحلة ما قبل الحصاد وما بعده. على سبيل المثال، هناك ثلاث مركبات لتنظيم نمو النباتات قبل الحصاد تعمل على إدارة وتغيير إنتاج الإيثيلين، أو الحد منه، للتأثير على النضج، وهي Ethephon و Retain® و HarvistaTM
يعد إثيفون او اثيريل Ethrel® مواد كيميائية تطلق الإيثيلين. ويمكن استخدامها كمنظم للنمو قبل الحصاد لتحسين نضج الثمار، ويمكن استخدامها لتسريع عملية النضج. ومع ذلك، يعمل إيثيفون أيضًا على تسريع تساقط الثمار، وقد يؤثر سلبًا على قابلية تخزين الثمار.
على العكس يعمل ReTain®الذى يحتوى على المادة الفعالة: أمينو إيثوكسي فينيل جليسين (AVG)، حيث يعمل على تثبيط إنتاج الإيثيلين. ويمكن استخدام هذا لإبطاء عملية النضج. ويؤدي هذا أيضًا إلى تأخير تطور اللون، مما يسهم في التحكم في الحصاد وفى إطالة العمر التخزيني للثمار.
على نحو مشابه يعمل منتج HarvistaTM والذى يحوي المادة الفعالة: 1-Methylcyclopropene (1- MCP)، حيث يرتبط بمستقبلات الإيثيلين في خلايا الثمار وهذا ينافس الايثيلين في مواقع عمله، مما يحاكي كمية قليلة من الإيثيلين الفاعلة. وهذا يمنع الاستجابة للإيثيلين في الثمار، وبالتالي تأخير النضج.
يعمل كل من ReTain® وHarvista® على تأخير عملية نضج الثمار، مما يسمح بإبقاء الثمار على الشجرة لفترة أطول ومنع تساقطها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تأخير نضج الثمار يسمح بنضج ثابت في جميع أنحاء البستان. وهذا يساعد في إدارة فترات حصاد الثمار. فيما يتعلق بإدارة الإيثيلين بعد الحصاد، فإن 1-MCP عبارة عن مادة كيميائية صناعية لها بنية مشابهة جدًا للإيثيلين. فهي تشغل مواقع استقبال الإيثيلين من قبل الثمار، وبالتالي تؤخر نضج الفاكهة بعد الحصاد. يمكن أن يساعد هذا في الحفاظ على جودة الفاكهة، وحفظها وإطالة مدة عرضها وتخزينها، ولكن يمكن أن يكون لها أيضًا تأثيرات سلبية مثل زيادة الاضطرابات الفسيولوجية أثناء التخزين.
تتطلب رحلة الثمار من الحقل إلى السوق توازنًا دقيقًا بين العديد من العوامل التي تشمل النضج، التحكم في البيئة المحيطة، ومراقبة الجودة. بتطبيق تقنيات متقدمة، يمكن للمزارعين تحسين نوعية الثمار، تقليل الفاقد، وزيادة مدة صلاحيتها، مما يتيح لهم تلبية احتياجات السوق بشكل فعال.
في النهاية، تساهم هذه الاستراتيجيات في ضمان وصول ثمار طازجة ومغذية إلى المستهلكين، وتحقيق فوائد اقتصادية مستدامة لكل الأطراف المشاركة في عملية الإنتاج والتوزيع.
المصادر:
1- Osorio, S., Scossa, F., & Fernie, A. R. (2013). Molecular regulation of fruit ripening. Frontiers in Plant Science, 4.
2- Paul, V., Pandey, R., & Srivastava, G. C. (2012).
3- Capino, A., and Farcuh, M. (2022, December 14). Ethylene and the Regulation of Fruit Ripening.
تواصل مع الكاتب: sobhyderhab@hotmail.com