.
في صباح يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، استيقظ ملايين السوريين على تغيير تاريخي في بلدهم: لقد انهار للتو نظام الأسد الذي حكم بقبضة حديدية لمدة 54 عاما. هذا السقوط يحمل بالنسبة للكثيرين، آمالا كبيرة في إنهاء الحرب الأهلية التي اندلعت منذ أكثر من عقد، وإعادة بناء البلاد من جديد، لكن التحديات تبدو هائلة خاصة بالنسبة للمجتمع العلمي السوري الذي عانى طوال الفترة السابقة بسبب التضييقيات التي أدت إلى هجرة الأدمغة وقلة الموارد والتدمير الذي لحق بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي.
تروي مريم نداف، الصحفية العلمية السورية المقيمة في لندن منذ عام 2013، في مقال نشر في دورية “نيتشر”، المشاعر الجياشة التي رافقت هذا الحدث التاريخي. ولدت ونشأت في حمص، ثالث أكبر المدن السورية التي دمرتها الحرب، فاضطرت إلى الفرار من سوريا في قلب الحرب الأهلية. ومنذ ذلك الحين، عاشت بعيدا عن موطنها الأصلي، لكن قلبها ظل في سوريا. وفي يوم سقوط النظام، انضمت مريم إلى الجالية السورية في لندن في ميدان الطرف الأغر للاحتفال بهذا النصر.
يفتح سقوط النظام في سوريا، وفق الكاتبة، حقبة من إعادة البناء، لكن التحديات تبدو هائلة، خاصة بالنسبة للمجتمع العلمي. في ظل نظام الأسد، عاش الباحثون والأكاديميون والطلاب في مناخ دائم من الخوف، تحت مراقبة الشرطة السرية المرهوبة. كان الولاء للنظام له الأسبقية على المهارات الأكاديمية. أولئك الذين فشلوا في إثبات ولائهم واجهوا السجن أو التعذيب أو المنفى.
تأثر المجتمع العلمي السوري، مثل جميع الشرائح الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية في البلاد، بشكل كبير بالصراع المستمر الذي بدأ في عام 2011. لقد دمرت الحروب إلى جانب سياسة القمع التي انتهجها النظام، المؤسسات التعليمية والعلمية. وتم استهداف المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث بتفجيرات ممنهجة. وفي بعض الحالات، تم استخدام المدارس، مثل المدرسة التي درست فيها مريم، كمدافن مؤقتة.
طوال القرن العشرين ورغم المضايقات السياسية في بعض الفترات، كان لدى سوريا مجتمع علمي متطور يضم مؤسسات علمية في مجالات مختلفة مثل الطب والهندسة والزراعة. وكانت البلاد موطنا للعديد من الجامعات ومراكز البحوث التي ساهمت في إنتاج المعرفة والتعليم على المستوى الإقليمي. ومع ذلك، أدت الحرب إلى عدد من التحديات التي تواجه المجتمع العلمي السوري مثل هجرة الأدمغة، وتدمير البنية التحتية ونقص الموارد المالية.
فقد غادر العديد من العلماء والباحثين من سوريا بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة أو قلة الفرص. وانجر عن هذه الهجرة خسارة كبيرة في الكفاءات والخبرات العلمية والهندسية والبحثية. كما تعرضت المؤسسات البحثية والمرافق الجامعية للضرر أو الدمار خلال النزاع، خاصة بواسطة غارات جوية إسرائيلية استهدفتها بشكل ممنهج، مما أعاق بشدة قدرات البحث العلمي. بالإضافة إلى ذلك أدى الصراع المستمر إلى نقص الموارد المالية المخصصة للتعليم والبحث. هذا فضلا عن تراجع التعاون الدولي في مجال البحث العلمي الذي أصبح صعبا بسبب العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، والمخاوف بشأن أمن الباحثين الأجانب العاملين في سوريا.
بعد سقوط نظام الأسد، تقول نداف إنه سيكون للعلماء السوريين في الشتات دور حاسم يلعبونه لإعادة بناء النظام التعليمي والعلمي السوري. ويعمل العديد منهم حاليًا في مؤسسات دولية ويحافظون على روابط قوية مع المجتمع العلمي العالمي. وستكون عودتهم أو دعمهم للمجتمع العلمي في سوريا أمرا ضروريا لتنشيط التعليم والبحث من جديد.
وفي الوقت نفسه، سيكون من الضروري حشد المهارات العلمية لمواجهة فظائع النظام. وستكون هناك حاجة إلى خبراء الطب الشرعي للتعرف على الضحايا في المقابر الجماعية، في حين ستساعد التحليلات الجغرافية المكانية في تحديد مواقع الاحتجاز أو الدفن الأخرى. ويجب جمع الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية والحفاظ عليها حتى يمكن تحقيق العدالة الدولية.
ولكن بعيداً عن هذه الاحتياجات المباشرة، سوف يكون لزاماً على سوريا أن تواجه التحدي المتمثل في الحرية الفكرية. بعد أكثر من نصف قرن من القمع، أصبح لدى الباحثين والطلاب السوريين الآن فرصة العمل دون القيود الخانقة التي يفرضها النظام الاستبدادي. هذه الحرية الجديدة، على الرغم من كونها مبهجة، إلا أنها تأتي مصحوبة بمسؤوليات. وسوف تتطلب إعادة بناء البلاد ونظامها التعليمي جهداً جماعياً ودعماً دولياً هائلاً.
يمثل سقوط نظام الأسد نهاية حقبة من الإرهاب وبداية فصل جديد من الأمل لسوريا. إن الطريق الذي سيفتح أمامنا معقد ومليء بالمزالق، لكنه يحمل حلما وهو إعادة بناء بلد يمكن أن يزدهر فيه العلم والتعليم والحرية في نهاية المطاف. لذلك على المجتمع الدولي، وخاصة العلماء من جميع أنحاء العالم، دعمهم في هذا التحول التاريخي.
المصدر: Nature
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com