يواجه الوطن العربي تحديات بيئية ومناخية متزايدة نتيجة تغير المناخ والكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية المستمرة. وفي هذا السياق، نظمت منظمة المجتمع العلمي العربي ورشة علمية بعنوان “دور العلم في إدارة الكوارث والتخفيف من آثارها في الوطن العربي”، ضمن فعاليات اليوم السنوي للمنظمة لعام 2024، والذي عقد في 15 ديسمبر في قاعة الريان بفندق شيراتون الدوحة.
تهدف الورشة إلى جمع الخبراء والباحثين لمناقشة أحدث تطورات البحث العلمي في مجال إدارة الكوارث وتطبيقاته في الوطن العربي وتقديم بعض الحلول الاستراتيجية التي تم إرساؤها في الدول الأكثر عرضة لهذه المخاطر. ومن خلال استعراض مجموعة من المحاضرات القيمة، تناول المشاركون العديد من القضايا المرتبطة بالكوارث، بدءا من تأثير التغيرات المناخية على الفيضانات، وصولا إلى دور الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للأزمات. كما تم تسليط الضوء على تجربة اليمن في مواجهة الكوارث المتعددة التي تواجهها والحد من مخاطرها.
التحديات البيئية والمناخية: تعرية التربة تفاقم خطر الفيضانات في شمال إفريقيا
في المحاضرة الأولى تناول الدكتور عادل الصالحي، من جامعة عبد المالك السعدي في المغرب، والفائز بجائزة منظمة المجتمع العلمي العربي لهذا العام، تأثير تعرية التربة على تفاقم الفيضانات في شمال إفريقيا. وأشار إلى أن المنطقة العربية تواجه تحديات بيئية غير مسبوقة، من بينها الفيضانات المفاجئة والجفاف المتكرر مما يؤدي إلى ضعف التربة وزيادة حدة الفيضانات، مع نقص كبير في البيانات والمعطيات.
وأوضح الصالحي أن الدراسة التي أجراها وشملت بلدان شمال أفريقيا، باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد ونماذج رياضية متقدمة، مكنت من إحراء تقييم شامل للتعرية والفيضانات وانتاج بيانات عالية الجودة ومفتوحة المصدر تحدد بدقة الأماكن التي تعاني من مخاطر عالية لهتين الظاهرتين. وأظهرت الدراسة زيادة ملحوظة في مخاطر الفيضانات نتيجة التعرية والانجراف، خاصة في المناطق ذات البنية التحتية الضعيفة.
ووفقا للنتائج التي توصل إليها، يواجه سنويا ما يقارب 29 ألف شخص خطر الفيضانات في شمال إفريقيا، بزيادة قدرها 7 آلاف شخص عما كان عليه الأمر قبل عقدين. وأكد الصالحي على أهمية تبني استراتيجيات شاملة لا تقتصر على الحلول الهندسية، بل تشمل كذلك تعزيز وعي المجتمعات وزيادة قدرتها على التكيف عبر برامج توعوية وتثقيفية.
الذكاء الاصطناعي في إدارة الكوارث: أداة المستقبل
من ناحيته، تناول الدكتور محمد صلاح عبد الظاهر من الجامعة الأمريكية في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، دور التقنيات الحديثة في تعزيز مرونة الاستجابة للكوارث الزلزالية. وأشار إلى أن علم الزلازل تبنى بشكل متزايد أدوات متطورة مثل شبكات الاتصالات بالبيانات (DCNs)، وإنترنت الأشياء (IoT)، والطائرات بدون طيار (UAVs).
كما سلط الضوء على مساهمات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الزلزالية وتطوير أنظمة الإنذار المبكر مشيرا إلى أن هذه الأدوات تساعد الأبحاث العلمية الجارية حاليا في دراسة بعض المؤشرات التي تسبق الزلالزل مثل تشوه المجال المغناطيسي في طبقة اليونوسفير فوق بؤرة الزلزال المتوقع. وأكد عبد الظاهر أن تطبيق هذه التقنيات مع استراتيجيات وقائية مدروسة يمكن أن يساهم في حماية الأرواح وتقليل الأضرار الناتجة عن الزلازل.
وفي محاضرة أخرى، استعرض الدكتور محمد عمران من معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، الإمكانات التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواجهة الكوارث. وأوضح كيف يمكن لتقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات والاستشعار عن بُعد تحسين الاستعداد للكوارث وإدارة الأزمات.
وبين الدكتور عمران، من خلال تقديم أمثلة واقعية، كيف ساهم الذكاء الاصطناعي وجمع البيانات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إنقاذ الأرواح وبناء مجتمعات أكثر مرونة. وأكد أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التنبؤ بالكوارث بل يمتد إلى تحسين استجابات الطوارئ وتقييم الأضرار بشكل سريع وفعال.
ضمان الأمن الغذائي خلال الأزمات
وناقشت الدكتورة حنان الخليفة من معهد الكويت للأبحاث العلمية، في مداخلتها، أهمية تعزيز الأمن الغذائي المحلي أثناء الكوارث. وأوضحت أن الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا، أثرت بشكل كبير على إنتاج الغذاء وسلاسل التوريد.
وأبرزت الخليفة أهمية تقليل الاعتماد على الواردات العالمية من خلال استغلال الموارد الطبيعية المحلية، مثل الطحالب البحرية والنباتات الفطرية. وأشارت إلى أن تعزيز الإنتاج المحلي للسلع الغذائية الاستراتيجية يمكن أن يخفف من تأثير الأزمات على أمن الغذاء واستدامته.
الأمراض المعدية في زمن الحروب والكوارث
من غزة، قدم الدكتور عبد الرؤوف المناعمة من الجامعة الإسلامية محاضرة تسلط الضوء على انتشار الأمراض المعدية خلال الأزمات الإنسانية. وأوضح أن العوامل البيئية، مثل الاكتظاظ وسوء النظافة ونقص مياه الشرب، ساهمت في تفشي الأمراض مثل التهاب الكبد الوبائي والأمراض الجلدية.
استعرض المناعمة جهود حملة توعية محلية تهدف إلى تقليل انتشار الأمراض المعدية عبر تثقيف السكان حول النظافة الشخصية وسلامة الغذاء. ورغم التحديات، حققت الحملة نجاحًا ملموسًا في تحسين الوعي الصحي.
اليمن في مواجهة الكوارث: استراتيجيات وطنية ونظم إنذار مبكر لتعزيز الصمود
حظيت اليمن باهتمام خاص ضمن الورشة حيث تم تسليط الضوء التحديات البيئية والإنسانية التي تواجه البلاد نتيجة الكوارث الطبيعية والنزاعات. وقدم المهندس ياسر عبدو الغبير، مدير عام السياسات والبرامج البيئية بوزارة المياه والبيئة اليمنية، مداخلة بعنوان “التوجهات الوطنية نحو تمكين الجيل القادم من القدرة على الصمود في اليمن”، مشيرًا إلى التأثيرات المدمرة للكوارث التي تسببت في نزوح أكثر من 4.5 مليون شخص، وأثرت على حياة مليون شخص آخرين.
وأوضح الغبير أن اليمن يتأثر بشدة بتغير المناخ، حيث يعاني من الفيضانات والجفاف والزلازل والعواصف الرملية، مما يشكل تهديدا كبيرا للموارد المائية والزراعة والأمن الغذائي. كما أن شح المياه جعل اليمن سابع أكثر الدول ندرة بالمياه عالميًا، مع تراجع المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 3 إلى 8 أمتار سنويًا في المناطق الحرجة. هذا التدهور أدى إلى تراجع الأراضي الزراعية وزيادة التصحر، مما يهدد سبل العيش لحوالي ـ75% من السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ولتخفيف آثار هذه التحديات، أطلقت الحكومة اليمنية “الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث”، التي تعتمد على إطار سنداي الدولي وأهداف التنمية المستدامة.
وتهدف الاستراتيجية إلى تمكين اليمن من الحد من مخاطر الكوارث وتعزيز قدرتها على الصمود من خلال دمج نهج للحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع التغيرات المناخية. كما تمكن من تعزيز الحوكمة وبناء قدرات المجتمع وحماية الخدمات الأساسية وتعزيز التنمية المستدامة بغرض تعزيز ثقافة الوعي بالمخاطر والإدارة الاحترازية للكوارث بهدف حماية الأرواح والمحافظة على سبل العيش وضمان الرفاهية المستدامة للأجيال الحالية والمستقبلية
من جهة أخرى، قدم الدكتور ناظم العبسي، منسق مشروع اليونسكو للحد من مخاطر الكوارث في اليمن، نبذة عن مشروع نظام الإنذار المبكر في مدينتي صنعاء القديمة وشبام القديمة. ويهدف المشروع إلى حماية المجتمعات الضعيفة في هاتين المدينتين التاريخيتين من الفيضانات المفاجئة، ويشمل إنشاء منظومة متكاملة للإنذار المبكر في مدينة شبام، وتعزيز النظام القائم في صنعاء، مع التركيز على رفع الوعي المجتمعي وبناء القدرات لدى السلطات المحلية.
بتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بدأ تنفيذ المشروع عام 2021 باستخدام تقنيات متطورة. ومن المتوقع أن يستفيد منه أكثر من 71,000 شخص، بما في ذلك سكان شبام وصنعاء ومستخدمي طريق وادي السائلة. كما يتضمن المشروع تنفيذ حملات توعوية تستهدف ألف أسرة، لتعريفهم بتدابير الوقاية الأساسية وأفضل الممارسات لزيادة الصمود أمام الكوارث.
يُعتبر نظام الإنذار المبكر أداة حيوية لمعالجة الأخطار المحتملة، إذ يتألف من أربعة عناصر: معرفة المخاطر، أنظمة المراقبة، الاتصال، والقدرة على الاستجابة. يعمل النظام على تقديم تحذيرات مبكرة للسكان والسلطات، مما يساعد في حماية الأرواح والممتلكات. يعكس هذا المشروع رؤية شاملة لتعزيز الاستعداد المجتمعي لمواجهة الكوارث، وضمان مستقبل أكثر أمانًا للأجيال القادمة في اليمن.
الإدارة الذكية والمستدامة للكوارث
واختُتمت الورشة بمحاضرة للدكتور عصام شحرور من منظمة المجتمع العلمي العربي، الذي قدم رؤية متكاملة حول الإدارة الذكية للكوارث.
وبحسب الدكتور شحرور فإن إدارة الكوارث تنقسم إلى أربعة مراحل: تتمثل الأولى في الإدارة الاحترازية للتوقي من المخاطر الكوارث قبل وقوعها من خلال وجمع البيانات من الأحداث السابقة لإعداد البنية التحتية القادرة على الصمود. تلي هذه المرحلة مرحلة الإنذار المبكر بعد وقوع الكارثة وقبل بداية تأثيرها المدمر، وهي مرحلة قصيرة ومهمة يجري فيها اتخاذ الإجراءات السريعة والناجعة للتقليل من الخسائر في الأرواح والبنى التحتية والممتلكات والإنشاءات.
وفي المرحلة الثالثة يبدأ تأثير الكارثة الفعلي الذي يؤدي إلى تدهور أداء الإنشاءات مما يؤدي إلى حصول النسبة الأكبر من الأضرار وفي وقت وجيز. ثم يلي دلك المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التعافي.
وأوضح شحرور كيف يمكن للأنظمة الذكية تحسين إدارة الكوارث عبر جمع البيانات من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية والشبكات الاجتماعية. وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحول هذه البيانات إلى إجراءات فعالة للتنبؤ بالكوارث والاستجابة لها. وأكد على أهمية الابتكار في تعزيز الاستعداد للكوارث وتقليل آثارها.
تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com