مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الأزمة الصحية للنازحين داخليا

حالة طوارئ عالمية مهملة
الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

10:20 صباحًا

تاريخ النشر

26, نوفمبر 2024

.

في كل عام، يضطر ملايين الأشخاص إلى الفرار من منازلهم بسبب النزاعات أو العنف أو الكوارث الطبيعية. وفي الوقت الذي يجتذب فيه اللاجئون الذين يعبرون الحدود الاهتمام الدولي غالبا، فإن النازحين داخل بلدانهم ــ الذين يطلق عليهم اسم النازحين داخليا ــ يظلون موضع تجاهل إلى حد كبير رغم أن عددهم يفوق بكثير عدد اللاجئين: ففي عام 2023، فاق عدد النازحين 68 مليون نازح داخليًا في جميع أنحاء العالم، مقارنة بـ 43 مليون لاجئ دولي. وكان لهذا الإهمال عواقب وخيمة على صحتهم وبقائهم على قيد الحياة، كما أظهر ذلك مقال نُشر في دورية Nature في 19 نوفمبر الجاري.

وبحسب المؤلفين، إن النازحين داخليا هم الأشخاص غير المرئيين في الأزمات الإنسانية. وعلى عكس اللاجئين، فإنهم لا يعبرون الحدود الدولية، وبالتالي لا يستفيدون من الحماية القانونية التي توفرها اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين. من الناحية النظرية، يتمتع النازحون داخليا بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون في بلدهم، ولكن من الناحية العملية، غالبا ما يتعذر الحصول على هذه الحقوق. ومما يزيد الوضع سوءا أن المجتمع الدولي لا يعير الكثير من الاهتمام لهذه الفئة وبالتالي لا يخصص الموارد الكافية لمعالجة أوضاعهم.

بين عامي 2010 و2019، انخفضت المساعدات الدولية للرعاية الصحية للنازحين داخليًا من 5.34 دولارا أمريكيا للشخص الواحد إلى 3.72 دولارا فقط، بينما زادت المساعدات المقدمة للاجئين بمقدار 18.55 دولارا لتصل إلى 23.31 دولارا للشخص الواحد. ونتيجة لذلك، شكّل نصيب الفرد من المساعدات المقدمة للنازحين داخليا، في عام 2019، سدس ما تم تخصيصه للاجئين.

وينعكس هذا الخلل أيضا في البحث العلمي. ويظهر تحليل المنشورات الطبية الحيوية على مدى فترة 40 عاما أن المقالات المنشورة عن صحة اللاجئين تزيد بما يتراوح بين 15 إلى 20 مرة عن تلك التي نشرت عن صحة النازحين داخليا.

احتياجات صحية

ويواجه السكان النازحون داخليا ظروفا معيشية محفوفة بالمخاطر، مما يؤثر بشكل مباشر على صحتهم. وتشير الدراسات إلى أن معدل وفياتهم أعلى بشكل كبير من معدل الوفيات بين السكان غير النازحين الذين يعيشون في نفس البلد، وحتى معدل الوفيات بين اللاجئين. على سبيل المثال، في السودان وميانمار، تفوق معدلات الوفيات في مخيمات النازحين داخليا بكثير العتبة التي تعتبر حالة طوارئ صحية دولية.

كما أن النازحين داخليا هم أيضا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2016 في جمهورية الكونغو الديمقراطية أن الأطفال دون سن الخامسة الذين يعيشون في مخيمات النازحين كانوا أكثر عرضة للإصابة بالملاريا بمقدار الضعف مقارنة بأولئك الذين يعيشون في القرى المجاورة. وكان النازحون داخليًا في كولومبيا، بين عامي 2009 و2016، أكثر عرضة للأمراض المعدية من الأشخاص غير النازحين. ويمكن أن تستمر عواقب هذه الظروف الصحية على مدى عدة أجيال، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة.

أسباب الأزمة الصحية

يقول المؤلفون إن هناك عدة عوامل تفسر هشاشة وضعية النازحين داخليا. ويعود ذلك بالأساس إلى كون أن معظمهم يعيشون في البلدان النامية حيث البنية التحتية والأنظمة الصحية هشّة. بين عامي 2009 و2021، سجلت 83 دولة أو منطقة نزوحا داخليا مرتبطا بالصراع أو العنف، مقابل دولة واحدة فقط كانت ذات دخل مرتفع. وكثيرا ما يفقد النازحون داخليا منازلهم وسبل عيشهم فهم يعانون من التمييز ويتهمون في بعض الأحيان بالارتباط بالصراعات التي يفرون منها. وتجعل العوائق القانونية والإدارية من الصعب عليهم الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل السكن والتعليم والرعاية الصحية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن آثار تغير المناخ والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تفاقم وضعهم، مما يجبرهم في كثير من الأحيان على العيش في بيئات أكثر خطورة.

لماذا يتم إهمالهم؟

تكمن إحدى المشاكل الرئيسية، وفق المؤلفين، في عدم الاهتمام بقضايا النازحين داخليا، وعلى خلاف اللاجئين، فإن وضعهم لا يجذب نفس القدر من الاهتمام من وسائل الإعلام أو الحكومات الأجنبية. وفي بعض الأحيان، فإن الصراعات التي تؤثر عليهم تجعل الوصول إليهم غاية في الصعوبة بالنسبة للوكالات الدولية والصحفيين.

كما أن المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية لا تملك سياسات أو خطط محددة لتلبية احتياجات النازحين داخليا. على سبيل المثال، لا تذكر خطة العمل لمنظمة الصحة العالمية بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين هذه الفئة إلا بالكاد. ونادرا ما تقوم الوكالات الإنسانية والجهات المانحة الدولية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بدمج احتياجات النازحين داخليا في برامجها الصحية. وفي كثير من الأحيان، يتم مساواة احتياجاتهم باحتياجات عامة السكان، متجاهلة التحديات الفريدة التي يواجهونها.

العواقب العالمية

لا يقتصر الأثر الصحي للنازحين داخليا على معاناتهم، ففي الصراعات، لا تنجم غالبية الوفيات بشكل مباشر عن العنف، بل عن أمراض يمكن الوقاية منها أو علاجها، مثل الإسهال أو سوء التغذية. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، بين عامي 2003 و2004، تشير التقديرات إلى أنه مقابل كل شخص يقتل بسبب العنف، توفي تسعة بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية للنازحين داخليا يمكن أن تساهم في انتشار الأمراض على نطاق عالمي. ففي عام 2024، على سبيل المثال، انتشرت سلالة جديدة من جدري القرود بسرعة بين النازحين داخليا الذين يعيشون في مخيمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أدى الاكتظاظ وسوء الحالة الصحية بشكل عام في هذه المخيمات إلى انتقال العدوى بسرعة، وهو ما أثر أيضا على الأطفال، مع ارتفاع معدلات الوفيات والمراضة. تم إعلان هذا التفشي “حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا” من قبل منظمة الصحة العالمية.

حلول عاجلة يجب تنفيذها

في مواجهة هذه الأزمة، يقول المؤلفون إن بعض المبادرات تقدم بصيصا من الأمل. ومن بين هذه المبادرات تلك التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في عام 2022، بشأن النزوح الداخلي، وتهدف لتعزيز التنسيق والاستجابات العالمية لهذه القضية. ومع ذلك، هناك حاجة إلى بذل جهود أكبر بكثير. ويتعين على منظمة الصحة العالمية أن تدمج احتياجات النازحين داخليا في سياساتها الصحية. كما يجب على الحكومات والجهات المانحة الدولية تخصيص موارد محددة للاستجابة للتحديات الصحية التي تواجهها هذه الفئة من السكان. وتُعد المبادرات الطويلة الأجل، مثل إدراج النازحين داخليا في الجهود الرامية إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة، أمرا ضروريا.

إلى جانب ذلك، يجب أن يلعب البحث العلمي أيضا دورا رئيسيا من خلال مزيد الاهتمام بقضايا النازحين داخليا. كما أنه من الضروري جمع المزيد من البيانات حول صحة هذه الفئة وفهم كيفية تكييف الأنظمة الحالية لتلبية احتياجاتهم. ويمكن للأدوات التكنولوجية، مثل صور الأقمار الصناعية وبيانات الهاتف المحمول، أن تساعد في مراقبة تحركاتهم ووصولهم إلى الخدمات الصحية.

وخلص الباحثون إلى أنه لا يمكن حل المشاكل الصحية للنازحين داخلياً من خلال التدخلات الصحية وحدها، بل يتعين كذلك ضمان حصولهم على مياه الشرب والصرف الصحي والأمن وسبل العيش. ويتطلب ذلك استجابة إنسانية أوسع نطاقا، ومتكاملة مع جهود التنمية الطويلة الأجل.

المصادر:

Health of people who are displaced in their own countries is a neglected global crisis

.

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

.

التعليم في مرحلة ما بعد الصراع في مناطق النزاعات

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x