مع اقتراب عام 2024 من نهايته أضحت الحروب والصراعات والتوترات السياسية والانتخابات والظواهر المناخية المتطرفة هي المسيطرة عليه، وفى خلال نحو شهرين من الآن تُعقد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة في باكو (نوفمبر 2024)، وتتولى أذربيجان رئاسة القمة من الإمارات العربية المتحدة وفي ظل الوضع السائد هناك تحديات كبيرة يتعين على أذربيجان خوضها.
يُعقد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون في نهاية عام آخر من الظواهر المُناخية المُتطرفة والأرقام القياسية المُحطمة تزامنًا مع سلسلة من الإنتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية فى نحو أكثر من 70 دولة فى مختلف أنحاء العالم تغطي نصف سكان العالم، ويشمل ذلك المملكة المتحدة وأذربيجان نفسها وقبل أيام قليلة من القمة الولايات المتحدة.
المناخ فى عام 2023
من المُرجح أن نعرف بحلول مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين ما إذا كان عام 2024 هو أحدث الأعوام الأكثر سخونة على الإطلاق متفوقا على عام 2023 أم لا؟، بالتأكيد أضحى عام 2023 هو الأسخن على الإطلاق حتى الآن، كان عامًا من التأثيرات المناخية الأكثر خطورة وغير المسبوقة، 13 شهرًا متتاليا هي الأعلى فى الحرارة على التوالي وفقًا لبيانات كوبرنيكوس التابع للاتحاد الأوروبي أو 14 شهر وفقا للمركز الوطني للمعلومات البيئية (NOAA).
صنفت هيئة الرصد الأمريكية شهر يوليو 2024 باعتباره “الأكثر سخونة على الإطلاق” مع استمرار ارتفاع درجات حرارة المحيط وانخفاض غطاء الجليد البحري وسلسلة من الفيضانات والحرائق والعواصف المدمرة بالإضافة إلى موجات الحر القياسية.
هدف جديد لتمويل المناخ
المال هو المحور الأكثر أهمية في محادثات المناخ هذا العام، فلا صوت يعلو فوق صوت التمويل، حيث برزت قضية التمويل بوضوح في عام 2009 حيث تَعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل المناخ، بدءً من عام 2020 لدعم الدول النامية الأكثر فقرا فى خفض الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ. وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إنه بعد عامين من التأخير ربما تكون الدول قد أوفت بهذا التعهد في عام 2022 إلا أن منظمة أوكسفام الدولية أوضحت أن الدول الغنية لم تف بتعهدها بالقدر الكافيِ نظرًا لأن التمويل أخذ شكل قروض وليس منحا.
وتقول الدول الغنية إنها حشدت ما يقرب من 116 مليار دولار لتمويل المناخ في عام 2022 – وهو ما يتجاوز لأول مرة 100 مليار دولار سنويا.، وأوضحت منظمة اوكسفام العالمية (Oxfam) أن ما يقرب من 70% من هذه الأموال كانت في هيئة قروض ويتم تقديم العديد من هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة، وهو ما يضيف إلى أعباء الديون التي تتحملها البلدان التي تعاني العديد منها بالفعل من ديون ثقيلة.
قدرت منظمة أوكسفام العالمية أن “القيمة الحقيقية” للتمويل المناخي الذي تقدمه الدول الغنية في عام 2022 نحو 28 مليار دولار ولا تزيد عن 35 مليار دولار مع تخصيص 15 مليار دولار فقط على الأكثر للتكيف.
إن هذا التناقض بين الوعود المالية والواقع لا يزال يهدم الثقة التي تحتاجها البلدان من بعضها البعض ويؤثر تأثيرا سلبيا على تقدم العمل المناخي. وعلى أية حال تم تثبيت التعهد في اتفاق باريس في عام 2015 والذي تضمن أيضًا تدرج عملية التمويل، وهذا يعني الآن أن “هدفًا جماعيًا جديدًا محددًا” لتمويل المناخ من عام 2025 فصاعدًا مدرج على جدول أعمال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، حيث يتعين على مندوبي دول العالم العمل على إحراز تقدم بشأن كيفية تحويل هذا التمويل من مليارات إلى تريليونات.
ورغم أن المفاوضات لم تحدد رقماً محدداً إلا أن المطالبات تدور حول تريليون دولار، وهذا ليس مطلباً صريحاً للدول النامية بأن تقدم الحكومات الغنية عشرة أمثال الالتزام الأصلي المطلوب منها، إلا انه هو الأساسي للمجموعة الأكبر من المنظمات غير الحكومية هو أن يأتي تريليون دولار في الأساس من خلال التمويل العام من الدول الأكثر ثراء وهي نفسها أكبر الدول المسببة للانبعاثات تاريخياً ولا تزال من بين أكبر الدول المسببة للانبعاثات اليوم.
يتعين على البلدان ذات الانبعاثات العالية والدخل المرتفع أن تقود الطريق من باكو أذربيجان لخفض الانبعاثات والحد من الاستهلاك على المستوى الداخلى فضلاً عن تقديم الدعم للعمل المناخي في البلدان النامية. وتشير نتائج التقييم العالمي (Global Stocktake) أن نحو 5.8-5.9 تريليون دولار أمريكي مطلوبة لتنفيذ المساهمات المحددة وطنياً (NDCs) في البلدان النامية للفترة حتى عام 2030، إلى جانب نحو 215-218 مليار دولار أمريكي سنويًا للتكيف، فضلاً عن 4.3 تريليون دولار أمريكي مطلوبة للاستثمارات في الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم كل عام حتى عام 2030، وتزداد بعد ذلك إلى 5 تريليون دولار أمريكي سنويًا.
بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري
تضمن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون التزامًا تاريخيًا بالتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وكان هذا أول اعتراف رسمي في نتائج مؤتمر الأطراف منذ دورته الأولى بالمانيا بضرورة إنهاء استخدام الفحم والنفط والغاز وقد تم الترحيب به باعتباره بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، ولكن لا توجد أي مؤشرات إيجابية على التحرك في هذا الصدد، فقد تباطأت المفاوضات في بون حول كيفية مناقشتها في مؤتمر الأطراف بسبب مجموعة البلدان النامية ذات التفكير المماثل والتي تضم المملكة العربية السعودية والصين ومصر( الدولة المضيفة لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين). ومن جهة أخرى لم تشر أذربيجان الدولة المضيفة لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين إلى هذه النقطة إلا قليلاً باستثناء تكرار الالتزام نفسه. ومن الجدير بالذكر أن الفشل في البناء علي تعهد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين وتحقيق تقدم بشأن ما يعنيه ذلك للأطراف في رفع طموحاتها في التعهدات الجديدة ما هو إلا انتكاسة جديدة لتعهدات مؤتمر الأطراف.
نقطة التحول لتعهدات جديدة
إن مؤتمر الأطراف الثلاثين الذي ستستضيفه البرازيل في عام 2025 هو المؤتمر المحوري والنقطة التي يتعين على الأطراف الموقعين على اتفاق باريس أن تقدم بحلولها مساهماتهم الوطنية الجديدة، وهذا يعني تقديم أهداف أعلى لخفض الانبعاثات خلال هذا العِقد وفي العِقد المُقبل أيضًا إلى جانب الالتزامات بالتكيف.
ومما لا شك فيه أن القيادة فى العمل المناخي هامة للغاية، وهناك توقعات بأن تقدم الثلاث دول المضيفة لمؤتمر الأطراف فى دوراته 28و 29 و30 ( الإمارات العربية المتحدة وأذربيجان والبرازيل) مساهمات محددة وطنيا محسنة بحلول مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، ولكن التساؤل المطروح متى تحذو دول أخرى حذوهم فى تقديم مساهمات وطنية فعالة ومفيدة لعملية العمل المناخي الجماعى، ومن المؤكد أن الحاضرين في القمة يأملون في سماع أصوات إيجابية من الدول الكبرى المسببة للانبعاثات منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والهند بشأن التعهدات الجديدة المبكرة لعام 2025، ومع وعد الحكومة البريطانية الجديدة بالعودة إلى دور القيادة المناخية فالجميع مُتشوق للاستماع إلى خططها بشأن الأهداف الجديدة وذلك على إثر عودة حزب المحافظين لسدة الحكم بعد غياب دام ل 14 سنة تحت قيادة حزب المحافظين والتى تراجعت عن تنفيذ تعهداتها المناخية.
كما وأن الانتحابات الأمريكية تمثل نقطة قلق كبيرة لكل أطراف الاتفاقية الإطارية للتغيرات المناخية نظرا لما صرح به الرئيس السابق للولايات المتحدة قبل 8 سنوات عند توليه الحكم بانسحابه من اتفاقية باريس ووجهة نظره المعلنة بأن تغير المناخ خدعة وخططه لتفكيك المنظمات البيئية في مشروع 2025، ومن ثم ففوز ترامب من شأنه أن يلقي بظلاله على الإجراءات في باكو وما إذا كان سيتمكن بالفعل من تفكيك قانون بايدن لخفض التضخم (الذي يتدفق منه الكثير من التمويل إلى الولايات الجمهورية) وتباطؤ زخم السوق نحو التكنولوجيا النظيفة في الولايات المتحدة، ولكن من المؤكد بفوز ترامب فإن الولايات المتحدة ستخرج مرة أخرى من المسرح العالمي بشأن المناخ مما يترك ضغوطًا أقل بكثير على الآخرين لرفع مستواهم، فضلاً عن إعاقة المزيد من مساهمات الولايات المتحدة في تمويل المناخ. وعلى الجانب الآخر قد يُشكل فوز كامالا هاريس دفعة قوية للتقدم في مؤتمر المناخ.
المراجع
- Gareth Redmond-King, COP29 – what to expect…, August 13, 2024.
- https://unfccc.int/.
- UNFCCC, First global stocktake, December 2023.
البريد الإلكتروني للكاتب: assem20000@yahoo.com