مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ابتكره باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا

نظام متطور لإنتاج الماء السائل من رطوبة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

09:47 صباحًا

تاريخ النشر

28, أغسطس 2024

نجح فريق من الباحثين من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية في تطوير نظام يمكنه استخلاص الماء من الهواء بشكل مستمر باستخدام الطاقة الشمسية دون الحاجة إلى طاقة إضافية وصيانة يدوية متكررة.

يُعدّ هذا النظام الذي وصفه الباحثون في ورقة علمية صدرت مؤخرا في دورية (nature communications) العلمية نسخة متقدمة من نظم استخلاص المياه من رطوبة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية (SAWE)، ويمكنه إنتاج المياه العذبة بشكل منتظم لاستخدامها في الري حتى في مناطق الجافة التي تصل فيها نسبة الرطوبة إلى 40 في المائة، كما يقول المؤلفون.

الرطوبة مصدر وفير للمياه لكن طرق حصادها في حاجة لتطوير

في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من ملياري شخص في العالم من نقص المياه العذبة خاصة في المناطق القاحلة والنائية، تقدر الدراسات العلمية أن الغلاف الجوي يحتوي على نحو 13 تريليون طن من المياه، أي ستة أمثال المياه العذبة في أنهار العالم؛ كما يسمح الانحباس الحراري العالمي للهواء باحتجاز المزيد من بخار الماء، بنسبة نظرية تبلغ 7% لكل درجة مئوية من الاحترار.

وقد عمل الباحثون على مدى العقود الماضية على تطوير طرق مبتكرة لاستخلاص المياه من رطوبة الجو للاستفادة منها في الشرب والري، وتتكون هذه الأنظمة عادة من مواد ماصة للماء من رطوبة الجو وأنظمة تبريد تقوم بتكثيف بخار الماء ليصبح سائلا لكن هذه الحلول ظلت محدودة نسبيا لمردوديتها الضعيفة وحاجتها إلى تدخل الانسان يدويا إضافة لكونها تتطلب استخدام الطاقة، والتي عادة ما تكون كهربائية.

ورغم أن تقنيات حصاد المياه من الهواء معروفة منذ سنوات، ولكنها واجهت العديد من العقبات، أحدها هو بطء حركية المواد الماصة التي تقوم بجمع الرطوبة من الهواء في مرحلة أولى، ثم وبمجرد تشبعها، يغلق النظام ويعرض لأشعة الشمس لاستخراج المياه في مرحلة ثانية.

وتعني الحركية البطيئة أنه لا يمكن تنفيذ سوى دورة واحدة يوميًا، لذا فقد كانت تعمل تقليديًا باستخدام نهج من مرحلتين – التقاط الرطوبة في الليل وانتاج الماء السائل أثناء النهار. كما أن إيرادات هذه الأنظمة من الماء منخفضة، وتتطلب التدخل اليدوي بين الدورات، وبالتالي لا يمكنها توفير حصاد مستمر للمياه.

كيف يعمل الجهاز؟

في نظام استخلاص المياه من رطوبة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية الجديد نجح الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بحسب بيان للجامعة، بجعل التناوب بين مرحلتي التقاط الرطوبة وإنتاج الماء آليا من خلال إضافة جسر من القنوات الدقيقة يربط بين قسمي الالتقاط والحصاد في الجهاز مما يمكنه من العمل بشكل مستمر دون تدخل بشري.

ينقسم هيكل الجهاز إلى جزئين: جزء سفلي مكشوف له درجة حرارة الغرفة يقوم بالتقاط الماء من الهواء بصورة مستمرة، وقسم ثان علوي مغلق لكنه شفاف تسود داخله درجة حرارة مرتفعة بفعل الشمس ويقوم بتوليد المياه السائلة العذبة.  ويربط القسمين جسر من القنوات الدقيقة تحتوي على محلول ملحي لامتصاص الرطوبة. أثناء التشغيل، يقوم المحلول الملحي الموجود داخل القنوات الدقيقة في الجزء السفلي من الجهاز بامتصاص الماء من الغلاف الجوي. وبمجرد تشبعه، يصعد المحلول الملحي الغني بالماء إلى الأعلى عن طريق الخاصية الشعرية (تحاكي تقنية التناضح العكسي داخل النباتات). هناك، حيث يمتص الجهاز ضوء الشمس مما يرفع درجة الحرارة ويولد بخارا مركّزا يتكثف بعد ذلك على جدار الداخلي للقسم العلوي من الجهاز، فينتج مياها سائلة عذبة، بينما يعود المحلول الملحي المركّز مرة أخرى إلى القسم الأسفل لالتقاط المزيد من الماء من الهواء.

قام الفريق بتشغيل الجهاز دون الحاجة لصيانته لمدة 35 يوما على مدار موسمين لري الملفوف في منطقة ثول في المملكة العربية السعودية. وكشفت التجارب أن كل متر مربع من مساحة التقاط الرطوبة في الجهاز أنتج بين لترين وثلاث لترات من المياه يوميًا في الصيف، ومن لتر إلى ثلاث لترات يوميًا في الخريف. ووجد الباحثون أن النظام يمكن أن يعمل أيضًا في بيئات أكثر جفافا تكون الرطوبة فيها منخفضة نسبيا ولا تتجاوز 40%، مع إمكانية الوصول إلى طاقة قصوى تصل إلى 4.6 لتر لكل متر مربع في المناطق ذات الإشعاع الشمسي الوفير والرطوبة العالية.

كفاءة الجهاز في الري

لاختبار كفاءة المياه المنتجة بواسطة الجهاز في تطبيقات الري مقارنة بإمدادات المياه التقليدية، قام الباحثون بتجربة زراعة ثلاث مجموعات متطابقة من الملفوف سقيت الأولى بالماء المنتج من جهاز حصاد الماء من الهواء، والثانية بنفس الكمية من ماء الصنبور، ومجموعة ثالثة تركت دون ري. وأظهرت النتائج تماثلا للكتلة الحيوية المنتجة في المجموعتين الأولى والثانية بعد 20 يوما من الري، فيما لم تظهر المجموعة الثالثة أي علامات لنمو النباتات، مما يؤكد جدوى استخدام المياه المولدة من رطوبة الهواء في الري.

بالإضافة إلى ذلك، قام الباحثون بتقييم قدرة الري المستدامة للنظام على نوعين مختلفين من النباتات، الملفوف الصيني وأشجار السنط الملتوي(Acacia tortilis)، وذلك بناء على متطلباتها اليومية من المياه. ووجدوا أن نظام استخراج المياه من رطوبة الهواء بمساحة متر مربع واحد يمكن أن يحافظ على نمو ما يصل إلى متر مربع من الملفوف الصيني أو أن يدعم نمو أربع شجرات من السنط الملتوي عندما تكون نسبة الرطوبة 70٪. وتؤكد هذه النتائج على إمكانات التقنية المبتكرة في تطبيقات الري للحد من الاعتماد على موارد المياه الجوفية من خلال حصاد المياه من الهواء، وخاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.

الكلفة المنخفضة لنظام استخراج المياه من رطوبة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية المبتكر هي إحدى مميزاته الإضافية، يقول كياوكيانج جان، الذي شارك في الدراسة: “كانت المواد التي استخدمناها عبارة عن نسيج ماص للماء وملح منخفض التكلفة وإطار بلاستيكي. لقد اخترنا المواد لقدرتها على تحمل التكاليف وتوافرها، لذلك نتوقع أن تكون التكلفة معقولة للتطبيق على نطاق واسع في المناطق ذات الدخل المنخفض”.

وكتب المؤلفون في الدراسة أن نظام استخراج المياه من رطوبة الهواء باستخدام الطاقة الشمسية المبتكر: “يمثل هذا حلاً ثوريًا للري في المناطق التي تعاني من نقص المياه والتي تفتقر إلى موارد المياه السائلة”.

وحول الآفاق المستقبلية لهذا الابتكار، يقول جان لموقع فيزيكس وورلد “:نحن نعمل على تطوير نماذج أولية لوحدة استخراج المياه من الهواء لري النباتات والأشجار، حيث إن إنتاجية المياه يمكن أن تلبي احتياجات العديد من النباتات”.

المصادر

 


.

البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x