كان يُعتقد سابقًا أن الإبل مقاومة لمعظم الأمراض التي تصيب الماشية بشكل عام، على أساس أنها تعتبر من الحيوانات شديدة التحمل بسبب قدرتها على العيش في الظروف القاسية والقاحلة. لكن البيانات الجديدة أشارت إلى أن الإبل معرضة لعدد كبير من العوامل المسببة للأمراض وتـُصاب الإبل بالعديد من الأمراض، شأنها في ذلك شأن جميع حيوانات المزرعة. ويرجع السبب في الاعتقاد بأن الإبل مقاومة للأمراض لقلة الأبحاث في هذا المجال في العقود الماضية، ونقص الخبرات في مجال أمراض الإبل وكذلك شح المعلومات الوبائية المتعلقة بهذه الأمراض. ومن الأسباب أيضاً افتراض أن الإبل من الحيوانات المجترة مثلها مثل الابقار والأغنام وبالتالي توقع أن تصاب بطاعون الأبقار ومرض الحمى القلاعية ومرض الجلد العقدي أو جدري الأغنام، لكن الإبل ليست مجترات حقيقية وهناك اختلافات كبيرة في قابلية الإبل والمجترات للكثير من الأمراض التي تهم الصحة الحيوانية، وفي الواقع أن الإبل لديها أمراضها الخاصة بها مثل جدري الإبل الذي لا يصيب الماشية الأخرى. وبخلاف أمراض الحمى القلاعية والطاعون البقري اللذين لا يصيبان الإبل، هنالك الكثير من الأمراض الفيروسية التي تصيب الماشية والتي لا يُعرف حدوثها في الإبل وتشمل الحمى النزلية الخبيثة (MCF)، سرطان الدم البقري (Bovine leukemia)، جدري البقر، داء الكلب الكاذب، والورم الحليمي البقري. كما لا تصاب الإبل بأمراض الأغنام مثل الالتهاب الرئوي التقدمي (Ovine progressive pneumonia)، جدري الأغنام أو الماعز، الورم الحليمي، ومرض السكرابي (Scrapie).
الصحة الجيدة والرفاهية
من المعلوم أن الصحة الجيدة هي أحد مبادئ الرفاهية (welfare) التي يجب الحرص عليها من المربين والمجتمع والدولة، وتجنيب هذا الحيوان المحبوب الأمراض والإصابات والألم. وفي حالة عدم الاهتمام بصحة الإبل تظهر آثار واضحة على رفاهيتها وإنتاجها وتكاثرها سواء كان تحت أنظمة الإنتاج التقليدي الرعوي المشاع، أوفي أنظمة الإنتاج الكثيف والذي يتزايد حالياً خاصة بعد إنشاء مزارع كبيرة لإنتاج الحليب في عديد من البلدان العربية. في هذه الأنظمة المكثفة يتم تربية الإبل في مساحات ضيقة وتحرم من الرعي خارج حظائرها في مخالفة لطبيعة هذه الحيوانات التي ترعي مثل الصيد في مساحات واسعة. وتحرم أيضاً من مواليدها إلا في فترات قصيرة عند الحلب وتحرم أيضاً من حياتها التناسلية الطبيعية. وحتى في الأنظمة المشاعية التقليدية وفي ظل عدم توفر الرعاية البيطرية وعدم وجود لقاحات وأدوية جيدة تصبح الإبل عرضة للأمراض مما يؤثر على رفاهيتها وانتاجها. من المبشر في هذا المجال تصاعد الاهتمام برفاهية الإبل حيث تم نشر العديد من البحوث والكتب التي تتحدث عن موجهات رفاهية الإبل من حيث المساحة المناسبة لكل حيوان ومواصفات الحظائر وعدد ومساحات المعالف والمشارب. أيضاً هنالك بحوث حول تقييم الألم عند الإبل واعتماد مقياس مركب للألم عند الإبل وقياس تفاعل الإبل مع الألم والانزعاج وكل ذلك من أجل تعزيز الصحة الجسدية والنفسية للإبل ورفاهيتها. من المهم جداً العمل على نشر التوعية بصحة ورفاهية الإبل وحشد الجهود لعكس هذا التوجه المهم في قوانين الرفق بالحيوان ولجان أخلاقيات البحث العلمي والتوعية المجتمعية وخلق رأي عام مساند لرفاهية الإبل.
أمراض الإبل المعدية وغير المعدية
تصاب الإبل بأمراض معدية وأمراض غير معدية. الأمراض غير المعدية هي أمراض غير حادة لا تنتقل من حيوان إلى آخر. وتنتج عن مجموعة من العوامل الجسدية والوراثية والبيئية والسلوكية، ولا تنجم عن الجراثيم أو مسببات العدوى مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات. أما الأمراض المعدية أو السارية هي الأمراض التي تنتقل من حيوان إلى آخر وتسببها هذه الجراثيم. من أهم الأمراض غير المعدية عند الإبل هي أمراض الجهاز الهضمي وتشكل نسبة عالية من مجموع الأمراض غير المعدية، وتسبب خسائر اقتصادية كبيرة كما تسبب نفوق الحيوانات وانخفاض إنتاج الحليب واللحم ومن أهمها الاضطرابات الهضمية وإسهال الغذاء واحتباس المعدة ونقص الفيتامينات والأملاح مثل الكالسيوم والفسفور والماغنيسيوم والحديد والنحاس واليود والسلينيوم مع فيتامين E والتسمم الغذائي، بالإضافة للأمراض التناسلية مثل تحوصل المبايض و أورام المبايض واحتباس الجسم الأصفر وتدلّي وارتداد المهبل والرحم وهنالك مرض لين الدماغ السنجابي (الطير) الذي يشتبه أن سببه نقص فيتامين ب.
أما الأمراض المعدية الوبائية فمنها التي تسببها الفيروسات مثل جدري الإبل (camel pox) وهو مرض جلدي يعد من أكثر أمراض الإبل الفيروسية انتشارا، وهو سريع العدوى خاصة بين صغار الإبل حيث يؤدي إلى نفوق أعداد كبيرة منها وبالتالي يحدث خسائر اقتصادية كبيرة وقد تم رصده في جميع مناطق تربية الإبل في العالم باستثناء القارة الأسترالية. وهنالك مرض يشبه الجدري هو الإكزايما السارية (contagious ecthyma) التي تظهر بكثرة في الخريف خاصة في السودان وشرق افريقيا وهنالك مرض البابلوما أوالثآليل (papillomatosis) وهو مرض حميد لا يقتل الإبل، ولدينا أمراض فيروسية أخرى انتقلت من المجترات الصغيرة (الماعز والضأن) مثل مرض طاعون المجترات الصغيرة (PPR) الذي ينتشر في شرق افريقيا ومرض حمى الوادي المتصدع (RFV) الذي يسبب إجهاض ووفيات، وسجل عدة مرات في موريتانيا. ومن الأمراض المهمة التي تسببها الباكتيريا مرض البروسيلا (الحمى المالطية) والتسمم المعوي والتهاب الضرع ومرض جونز (نظيرالسل/ السماق). أما أهم الامراض التي تسببها الطفيليات فتشمل الجرب والتربانوسوما (الزمبور/ السرا) ونقف الأنف والديدان والكوكسيديا.
أمراض الإبل التي تنتقل للإنسان
تشكل الأمراض المعدية التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر، تحديًا كبيرًا للصحة العامة في جميع أنحاء العالم. إن علاقتنا الوثيقة مع الإبل خاصة في المجتمعات البدوية وعادة شرب حليب الإبل طازجاً تجعلنا عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة بواسطة هذه الحيوانات المحببة لدينا. وبعد اكتشاف فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (الكورونا) ووجود أدلة علمية مقنعة على أن الإبل مضيف ناقل لفيروس الكورونا، زاد الاهتمام بالإبل باعتبارها مضيفًا وسيطًا محتملاً ناقل الأمراض للبشر. وتعتبر متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي تسبب معدل موت في البشر يصل لحوالي 34% أهم الأمراض التي تنقلها الإبل للإنسان يليها مرض البروسيلا ومرض الطاعون الناجم عن باكتيريا يرسينيا بيستيس، وجدري الإبل، التهاب الكبد E، والجمرة الخبيثة (anthrax) وحمى الوادي المتصدع. من الملاحظ أن بعض الأمراض المنتقلة للإنسان مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والتهاب الكبد الوبائي، لا تسبب أعراضا مرضية واضحة في الإبل ولكنها تؤثر بشكل خطير على البشر.
ينتقل داء البروسيلا للبشر بشكل رئيسي عن طريق استهلاك منتجات الألبان النيئة الملوثة بالباكتيريا خاصة بين المجتمعات الريفية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد تم توثيق أدلة على انتقال المرض من الإبل إلى البشر في خمسة منشورات من الإمارات العربية المتحدة (2008)، والقرن الأفريقي(2007)، وقطر(2015)، وإسرائيل (2011, 2016)، مما يسلط الضوء على استهلاك حليب الإبل الخام كمصدر للعدوى. الطاعون البشري (human plague) أو الموت الأسود، هو مرض مدمر ينتقل من الفئران المصابة طبيعيًا إلى البشر من خلال لدغات البراغيث. لقد تم تسجيل حالات الطاعون في هذه الإبل وتم الإبلاغ في السنوات الماضية عن حالات طاعون مرتبطة باستهلاك لحوم الإبل أو الاتصال بالإبل المصابة في دول مختلفة منها السعودية (2005) والأردن (2005) وافغانستان (2011). سجلت حالات لمرض جدري الإبل في البشر في الصومال (1982) والهند (2009) والسودان (2011) لكن لحسن الحظ ونظرًا للطبيعة الخفيفة نسبيًا لمرض جدري الإبل لدى البشر والقدرة المحدودة للفيروس على الانتشار بين البشر، فإن الخطر على صحة الإنسان من هذه العدوى النادرة يعتبر منخفضًا حاليًا.
الفجوات المعرفية في امراض الإبل
هنالك امراض كثيرة أدت لوفيات واسعة في قطعان الإبل في مناطق مختلفة من العالم ولم يتم تشخيصها ومعرفة أسبابها. منها حالات مرض تنفسي في منطقة القرن الافريقي تحدث على فترات منذ تسعينات القرن الماضي ومنها متلازمة التواء الرقبة (Wry Neck) التي وصفت في الإبل في السودان والهند وبعض الدول الأخرى ولا تعرف أسبابها. وهي تتطوّر ببطء وتنتهي إما بموت الحيوان نتيجة لعجزه عن الرعي أو شفاءه وفي تلك الحالة يظل التواء الرقبة طيلة حياة الحيوان. ومنها مرض الدبدبة حيث شوهد هذا المرض لأول مرة بين الإبل في البادية بمنطقة الدبدبة في الشمال الشرقي للملكة العربية السعودية كحالات فردية إلا أن نسبة النفوق كانت عالية جداً. تبدأ الأعراض بحمى ورعشة إضافة إلى شلل الشفة السفلى، ثم ينتشر الرعاش والشلل إلى بقية الجسم ويرقد الحيوان ويموت خلال أيام معدودة. وهنالك “متلازمة الهبوب” وهي حالة فريدة ومجهولة السبب في الإبل تشتمل على مزيج من الأعراض المتباينة وغير المرتبطة بجهاز أو عضو معيّن في الجسم.
أسباب قلة معرفتنا بأمراض الإبل
إلى زمن ليس بالبعيد كانت تربية الإبل تتم بعيداً عن المراكز الحضرية وتعالج أمراضها بعلاجات تقليدية موروثة عبر الأجيال عدا القليل من الأمراض التي تعالج بأدوية الطب البيطري الحديث مثل مرض الجفار (الزنبور)، لكن علينا أن لا نغفل أن من أسباب عدم استشارة الطبيب البيطري بواسطة البدو هو عدم المام الطبيب نفسه بأمراض الإبل نتيجة لنضعف مناهج أمراض الإبل في كليات الطب البيطري و استخدم البدو طرق وأساليب تقليدية كثيرة في معالجة أمراض الإبل منها المعالجة بواسطة الكي بالنار وبالأعشاب والنباتات الطبية مثل السنماكه -الحبة السوداء-الحنظل -الشيح-القرض والقرع والحرمل والسمسم والحلبة والكافور والمراهم المحضرة من الشبة والحناء والصبر والسمن ورماد العظام و المعالجة بالزيت والقطران والكبريت وغيرها .
حالياً تغير الوضع للأفضل ودخل الطب البيطري الحديث في معالجة أمراض الإبل على أساس علمي صحيح بكوادر بيطرية مؤهلة وبإمكانيات علاجية جيدة من طرق تشخيص حديثة مثل استخدام السونار (Ultrasound) وإدخال أدوية خاصة بأمراض الإبل وإدراج الإبل ضمن الحيوانات المستهدفة بالعلاج من قبل شركات إنتاج الدواء مع تحديد الجرعة الخاصة بالإبل وتطوير طرق تشخيص سريعة لبعض أمراض الإبل. ويرجع الفضل في ذلك لإدخال مناهج أمراض الإبل في الكليات العلمية البيطرية واكتساب المهارات العملية في العيادات البيطرية حتى من قبل أطباء لم يدرسوا إلا القليل عن أمراض الإبل. ومن البشائر الأخرى إنشاء مستشفيات متخصصة في أمراض الإبل في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وكذلك تسمية المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) لمختبرات هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية كأول مختبر مرجعي متعاون في مجال أمراض الإبل وإنشاء شبكة الشرق الأوسط للإبل (CAMENET) وقيام المنظمة العالمية للإبل (ICO) لكن لا زال الطريق طويلاً.
ورغم أن هنالك حالياً اهتمام متزايد بالإبل كحيوانات متعددة الأغراض، انعكس ذلك بمزيد من البحوث في مسببات أمراض الإبل وعلم الأمراض ولكن نجد أن القليل جدًا من هذه الدراسات قد وجه نحو السيطرة على تلك الأمراض. كما أنه لم يتم التحقق من صحة معظم تقنيات التشخيص المخبرية لأمراض الإبل وأغلب البروتوكولات المحددة لتطعيم الإبل ضد الأمراض ذات الأهمية الاقتصادية لا تزال غير متوفرة وهناك ندرة المعلومات حول فعالية اللقاحات في الإبل والجرعات المناسبة وقياس فعاليتها.
الطريق إلى المستقبل
لمواجهة هذه التحديات هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث حول أمراض الإبل المعدية وغير المعدية، واستخدام التقانات الحديثة مثل تقنية الجيل التالي لتسلسلات الحمض النووي (next generation sequencing في تشخيص أمراض الإبل المعدية المبهمة، وتطوير اللقاحات ودراسة كفاءة اللقاحات المستخدمة في الحيوانات الأخرى وتطوير وإدخال علاجات فعالة للإبل لتسهيل مكافحة أهم أمراض الإبل.
من الضروري التنسيق بين المختصين في مجال أمراض الإبل من أطباء بيطريين في الحقل ومستشفيات الإبل والباحثين في المختبرات والمنظمات والجمعيات المهتمة بهذا المجال، والربط الشبكي بينهم لتبادل المعلومات وعقد الندوات وورش العمل عن أمراض الإبل ورسم الخرائط الوبائية لأمراض الإبل ومعرفة توزيعها ومدى تأثير العوامل البيئية على انتشارها ودراسة الأثر الاقتصادي لها ومن ثم تحديد طرق التحكم والسيطرة عليها. وعلى المختبرات المرجعية العمل على توحيد الاختبارات التشخيصية والتحقق من صحتها وفقًا للدليل الصادر عن المنظمة العالمية لصحة الحيوان.
إن الأمراض المعدية التي تنتقل من الإبل للإنسان ذات أولوية قصوى ومن الضروري لمعالجة المخاطر التي تشكلها وضع وتنفيذ برامج للسيطرة على هذه الأمراض، وتفعيل مفهوم الصحة الواحدة (One Health) بتنسيق جهود السلطات الطبية والبيطرية وزيادة الوعي بهذه الأمراض وطرق انتقالها بين المربيين والعاملين في المجالات ذات الخطورة (المسالخ وأسواق الحيوانات(.
تواصل مع الكاتب: abdelmalik.khalafalla@adafsa.gov.ae
مواضيع ذات صلة
– السنة الدولية للإبليات 2024
– دراسة الجمل العربي
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة