يؤكد الواقع المُعاش على أنّ اللغة العربية تعيش ظرفاً صعباً ووضعاً متدهوراً نتيجة لعوامل شتى يتداخل فيها ما هو لغوي، وما هو سياسي واقتصادي وثقافي، الشيء الذي أدى إلى تقليص نطاق استعمالها وحصرها في مجالات محددة بعينها.
اليوم العالمي للغة العربية 2023
ولعل أبرز الإشكالات التي تعترض اللغة العربية داخل الوطن العربي ترجع أساساً إلى سطوة وهيمنة اللغات الأجنبية على مجموعةٍ من المجالات والقطاعات الحيوية خصوصاً الاقتصادية، والعلمية، والسياسية، والإدارية… فضلاً عن قصور العناية والاهتمام بها. وهو ما يعكسه التوجّه نحو المناداة باعتماد العاميات المحلية بدلاً من اللغة العربية في المجالات الحياتية مما أدّى إلى تقزيم مكانة هذه اللغة وانحسارها في مجالاتٍ محددة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هناك مجموعة من الانطباعات السائدة التي تحدّ من قدرة وقيمة اللغة العربية، وتنفي عنها سمة التطور، والتي تعتبرها لغة جامدة وقاصرة لا تستطيع مجاراة العصر بمختلف مكوناته ومجالاته.
وفي ظل هذا التدهور الذي تعرفه اللغة العربية وجب القيام بنهضةٍ لغويةٍ شاملة، قادرة على إعادة الاعتبار لها، وذلك عبر النهوض بها وتمكينها في جميع مجالات الحياة وذلك عبر تأكيد قدرتها في مواكبة ومسايرة متطلبات العصر المختلفة بشكلٍ سهلٍ ويسير. وهذه النهضة لا ينبغي أن تقتصر على دارسي للغة العربية فقط، بل لابد من تضافر جهود كل الفاعلين والمتخصصين في مختلف الحقول والتخصصات العلمية والتقنية، وذلك من أجل وصول اللغة العربية لمكانتها الأولى حينما كانت لغة العالم في عصور الازدهار، فضلاً عن التأكيد على الأدوار المهمة التي تلعبها اللغة العربية على صعيد كل المجالات؛ ذلك أنها الأداة المؤدية للتطوّر العلمي، وإنتاج المعرفة ونقلها، كما أنها سبيل الازدهار والانتعاش الاقتصادي، وأداة التواصل الفعال في المجتمع.
وعلى عكس كل الدعوات والحملات المغرضة التي تروم النَيل من اللغة العربية، والحدّ من قدرتها الواصفة والمعبّرة، نجد بأنّها أثبتت وبشكلٍ مستمر بأنها لغة كباقي اللغات العالمية الحية المعتمدة، وذلك بحكم أنها دائمة التطور، وذلك بالنظر إلى ما تتأسّس عليه من ذخيرةٍ لغوية هائلة، معبرة ودائمة التطور، بحسب متطلبات العصر سواء الحياتية منها أو الفنية أو الاقتصادية أو العلمية وما إلى ذلك.
وتكتسب اللغة العربية قيمة راهنيتها مما تتوفّر عليه من آليات إنتاجية في نسقها اللساني؛ من اشتقاقٍ وتعريبٍ ونحت واقتراض. الشيء الذي يمكّنها من إنتاج وتحديث تروثها المفرداتية المعبرة والواصفة بشكلٍ مستمرّ وسلس، فضلاً عن كونها تبقى حاضرة في صُلب كل التطورات والتغيرات المتسارعة التي يمليها العصر ومتطلباته المختلفة.
وارتباطاً بما سبق، فيمكن اعتبار اللغة العربية بمثابة كائنٍ حي ينمو ويتطور باستمرار بناءً على المستجدات التي يفرضها العصر، والتي تقتضي منها أن تكون مسايِرة ومواكبة له. ولهذا فإن كل تطور يطرأ على مستوى العصر يوازيه تطور على مستوى اللغة نظراً لكونها تشكّل المجال الناظم والواصف له. وعموماً يمكن القول إنّ تطورات العصر المختلفة تشكّل في أساسها وجوهرها رائزاً (معياراً) يختبر مدى حيوية وقدرة اللغة العربية على مسايرة المستجدات الطارئة في مختلف المجالات. وانطلاقاً من ثبات وصمود اللغة العربية في وجه التغيّرات الدائمة، فقد تبيّن وبشكلٍ جلي أنها تتأسس على ذخيرة معجمية غنية، مما يتيح لها سهولة التعبير عن مختلف الأحداث والوقائع بشكلٍ دقيق.
وفي النهاية، يمكن التأكيد على أنّ اللغة العربية تضطلع بقدرةٍ هائلة في استيعاب متطلّبات العصر الطارئة في مختلف مناحي الحياة سواء العامة منها أو المتخصصة؛ العلمية والاقتصادية والثقافية وغيرها. وهذا بفضل ما تتوفّر فيها من إمكاناتٍ وآليات تسعفها في توفير المفردات والمصطلحات المعبرة اللازمة متى اقتضى واستلزم الأمر(العصر) ذلك.
المراجع
– ممدوح محمد خسارة، (2017)، التنمية اللغوية: طريق إلى المعاصرة، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة، دمشق.
– بوجمعة وعلي، (2018)، اللغة العربية والتنمية: الميسرات والمعيقات، E-kutub Ltd.
تواصل مع الكاتب: malmousanas@gmail.com
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة