مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

تلسكوب جيمس ويب الفضائي ومهمته العلمية

الكاتب

رائد محمد سليمان

مركز الفيزياء الفلكية | هارفارد وسميثسونيان - كامبريدج، الولايات المتحدة الأمريكية

الوقت

11:04 صباحًا

تاريخ النشر

14, يوليو 2022

فكرة تلسكوب جيمس ويب بدأت في عام 1989 من خلال ورشة عمل لدراسة عمل جيل قادم من تلسكوب الفضاء الذي سوف يأخذ مكان تلسكوب هابل. اقترحت ورشة العمل آنذاك أن تدرس وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) جدوى عمل تلسكوب قريب من الأشعة تحت الحمراء يبلغ طوله 10 أمتار في مدار أرضي مرتفع أو تلسكوب بطول 16 مترًا يوضع على سطح القمر لدراسة المجرات مستعملاً الطيف العالي من الأشعة تحت الحمراء.

ولكن الفكرة تبلورت إلى حقيقة في عام 2002 عندما اختارت ناسا الفرق وعلماء الفلك الذين سيتولون قيادة المشروع من تصميم وبناء تلسكوب ذا مرآة يزيد قطرها عن ستة أمتار، وأن يكون في مدار بعيد عن مدار القمر. وبعد كل هذه السنين توجت الجهود بإطلاقه في 25 ديسمبر 2021، من موقع كورو في غيانا الفرنسية التابع لوكالة الفضاء الأوروبية على متن صاروخ آريان 5. وتم وضعه في مدار حول الشمس على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض في ما يسمى نقطة لاغرانج الثانية، أي أن القمر سيكون أقرب لنا من تلسكوب جيمس ويب. عند هذه النقطة، سيقوم الدرع الشمسي لتلسكوب جيمس ويب بحجب ضوء الشمس والأرض والقمر وسيساعد هذا تلسكوب ويب في أن يبقى بارداً، وهو أمر مهم جدًا بالنسبة لتلسكوب يرصد عن طريق الأشعة تحت الحمراء. وقد كلّف تلسكوب جيمس ويب عشرة مليارات دولار. حوالي 9.7 مليار دولار من الولايات المتحدة؛ وجاءت 810 ملايين دولار من وكالة الفضاء الأوروبية، و160 مليون دولار جاءت من وكالة الفضاء الكندية.

ما هو تلسكوب جيمس ويب الفضائي؟

هو مرصد فضائي يعمل في منطقة الأشعة المرئية والأشعة تحت الحمراء (من مناطق الطيف الكهرومغناطيسي) ويبلغ قطر المرآة الأساسية له 6.5 متراً مما يجعل مساحة التجميع 25 متراً مربعاً (حوالي 6.25 ضعف مساحة تجميع تلسكوب هابل)، والمرآة الأساسية مكونة من 18 مقطعاً سداسياً وتزن 705 كغم ومصنوعة من البريليوم المطلي بالذهب. تبلغ الدقة الضوئية حوالي 0.1 ثانية قوسية بطول موجة 2 ميكرون (درجة واحدة = 60 دقيقة قوسية = 3600 ثانية قوسية). إن الرؤية بدقة 0.1 ثانية قوسية تعني أن ويب يمكنه رؤية تفاصيل بحجم فلس أو سنت أمريكي يبعد مسافة حوالي 24 ميلاً (40 كم)، أو ملعب كرة قدم يبعد مسافة 340 ميلاً (550 كم).

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يستعمل الأشعة تحت الحمراء للرصد وهذا أمر مهم. ونتيجة لكبر مساحة المرآة الأساسية للتلسكوب، يمكننا أن ننظر بعمق في الفضاء وننظر إلى الوراء بالزمن (لأن الضوء يستغرق وقتًا للانتقال من هناك إلى هنا، وكلما نظرنا بعيدًا، كلما نظرنا إلى الوراء بالزمن أكثر- على سبيل المثال تستغرق أشعة الشمس 8 دقائق لتصلنا). يتوسع الكون وبالتالي كلما نظرنا إلى مسافة أبعد، كلما زادت سرعة تحرك الأجسام بعيدًا عنا، مما يؤدي إلى إزاحة الضوء إلى الأحمر. وهذا هو السبب لاستخدام الأشعة تحت الحمراء للرصد.

وتلسكوب جيمس ويب لديه أربعة أجهزة علمية لالتقاط صور وأطياف للأجسام الفلكية. ستوفر هذه الأجهزة تغطية بطول الموجة من 0.6 إلى 28 ميكرون (1 ميكرون هو 10-6 متر). وهذه الأربعة أجهزة علمية هي: كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة (NIRCam) ، ومطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة (NIRSpec)، وجهاز الأشعة تحت الحمراء المتوسطة (MIRI) ، ومستشعر التوجيه الدقيق / التصوير بالأشعة تحت الحمراء القريبة والمخطط الطيفي غير المشقوق ( FGS-NIRISS).

النتائج الأولية لتلسكوب جيمس ويب الفضائي

صورة لخماسية ستيفان من جهاز MIRI مع مكونات الغاز الساخن القريب من الثقب الأسود

Credits: IMAGE: NASA, ESA, CSA, STScI
 

خماسية ستيفان عبارة عن مجموعة مرئية من خمس مجرات تقع في كوكبة بيغاسوس تبعد 290 مليون سنة ضوئية عنا. الصورة تم أخذها من جهازي NIRCam و MIRI على متن ويب. تحتوي المجرة NGC 7319 (المجرة التي في أعلى الصورة) على نواة مجرية نشطة، وهي عبارة عن ثقب أسود فائق الكتلة تبلغ كتلته 24 مليون ضعف كتلة الشمس. فهي تسحب المواد وتصدر طاقة ضوئية تعادل 40 مليار شمس من شمسنا. الضوء الذي نراه لا يأتي من الثقب الأسود نفسه، ولكن من منطقة حوله تسمى قرص التراكم. هذا هيكل على شكل قرص من مادة تسقط إلى الداخل، وجذبت بفعل جاذبية الثقب الأسود. بمجرد عبور الضوء لأفق الحدث، أو نقطة اللاعودة، فإنه يختفي عن الأنظار. لكن خارج أفق الحدث، لا يزال بإمكاننا رؤيته ورؤية أي ضوء ينبعث منه. تلسكوب جيمس ويب استطاع على أن يقيس الغاز المحيط بالثقب الأسود الهائل وتحديد مكوناته. رصد MIRI العديد من المناطق المختلفة كما يمكن رؤيته في الصورة أعلاه، بما فيها الرياح المتدفقة للثقب الأسود  (المشار إليها بالدائرة الصغيرة) والمنطقة المحيطة بالثقب الأسود الهائل نفسه مباشرة (المشار إليها بالدائرة الكبيرة) وقد أظهر الرصد أن الثقب الأسود يكتنفه غبار السيليكات.

يُظهر الطيف في اللوحة العليا، والتي هي التدفق الخارجي للثقب الأسود، منطقة مليئة بالغازات المتأينة الساخنة، بما في ذلك الحديد والأرجون والنيون والكبريت والأكسجين. يعد وجود خطوط انبعاث متعددة من نفس العنصر بدرجات مختلفة من التأين أمرًا ذا قيمة لفهم خصائص التدفق الخارج وأصوله. يكشف الطيف في اللوحة السفلى أن الثقب الأسود فائق الكتلة يحتوي على خزان من غاز أكثر برودة وكثافة بكميات كبيرة من الهيدروجين الجزيئي وغبار السيليكات الذي يمتص الضوء من المناطق المركزية للمجرة.
 

مجرة بعيدة في SMACS 0723  اخذت من قبل NIRSpec على متن تلسكوب جيمس ويب
Credits: IMAGE: NASA, ESA, CSA, STScI

الصورة أعلاه لمجرة بعيدة، بعثت هذه المجرة (المشار إليها بالمربع الكبير) ضوءها منذ 13.1 مليار سنة وقد تم رصدها من قبل مطياف الأشعة تحت الحمراء القريبة. هذا الجهاز حساس للغاية بحيث يمكنه قياس ضوء المجرات الفردية التي كانت موجودة في الكون المبكر جدًا. وهذه هي المرة الأولى التي يتم رصد أطياف المجرات البعيدة. وتُظهر اللوحة السفلى التركيب الكيمائي للمجرة ومنها يمكن معرفة الحرارة وكثافة الغاز المتأين فيها. هذه المعلومات ستشير إلى كيفية تشكل نجومها ومقدار الغبار الذي تحتويه. هذه البيانات غنية حيث لم يتم اكتشافها من قبل من هذا البعد وبهذه الجودة والدقة.

يعتبر تلسكوب جيمس ويب الفضائي التلسكوب الأكثر تطوراً والأغلى على الإطلاق ولكنه إنجاز علمي كبير، فقد يساعدنا في العثور على كوكب شبيه بالأرض. ولديه القدرة على إعادة كتابة كتبنا الدراسية بشكل أساسي بسبب مدى تأثيره في زيادة نظرتنا ومعرفتنا للكون. 

 

المصادر

– https://webb.nasa.gov/
– https://webbtelescope.org/

 

تواصل مع الكاتب: rsuleiman@cfa.harvard.edu​

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x