يعمل البُحّاث والعلماء في المستشفيات والجامعات والشركات منذ عقود عديدة على تطوير أدويّة مفيدة لعلاج الأنواع المتعددة لمرض السرطان. ورغم تحقيق بعض النجاح في ذلك، إلا أنه لايزال السرطان ذلك المرض الذي يخيف البشر ويقلقهم لعدم وجود الأسلوب الناجع في محاولة علاج جميع أنواعه. ومن بين أسباب ذلك هو أنه مرضٌ ذو تفاعلٍ شخصي، فقد يستجيب مريض لعلاج نوع من السرطان وقد لايستجيب آخر لنفس العلاج لنفس نوع المرض، وهذا في مُجمله عائد إلى التفاعل المناعي البشري الشخصي للمرض، هذا بالإضافه إلى أن بعض أنواع السرطانات تصيب بعض مكونات الجهاز المناعي نفسه.
ومن هنا اتّجه الكثير من الباحثين في كل مكان إلى إستخدام أساليب الجهاز المناعي لمحاولة العلاج فيما يُسمّى بالمعالجة المناعية immunotherapy والتي قطعت شوطاً لا بأس به في علاج أو محاولة علاج بعض أنواع مرض السرطان مثل الورم الميلاني. وكما يُعرف بشكل عام، فإن الخلايا السرطانية تتم مهاجمتها بخلايا الجهاز المناعي أو منتجاته مثل الأجسام المضادّة، لأن الخلايا السرطانية تحوي على أسطحها جزيئات مُسْتَضِدَّة ترتبط بخلايا أخرى، فلو كان هناك أجسام مُضادّة لهذه المستضدات فقد تُنهي أو تقلل من وحشية هذه الخلايا السرطانية، وتُعين الجهاز المناعي على التخلص منها.
منذ أيام نُشرت مقالة في مجلة إنجلترا الجديدة الطبية (New England Journal of Medicine, June 5, 2022) ، وهي مجلة علمية مرموقة، تتحدث عن تواجد دواء جديد يسمّى دوستارليماب (Dostarlimab) أخفى الورم السرطاني في سرطان المستقيم لجميع المرضى الذين تمت عليهم الدراسة السريرية في مستشفى بمدينة نيويورك، وعددهم إثني عشر مريضاً، هم الذين أكملوا الدراسة. وتمَّ تصنيع هذا العقار في إحدى الشركات العالمية، وجميع هؤلاء المرضى كان لديهم مرض سرطان المستقيم بسبب طفرة وراثية تسمى قصور عدم التطابق dMMR. واختفى المرض، بحيث لم يعد له ظهور بالفحوصات المعروفة مثل التنظير الداخلي والفحص السريري والتصوير المقطعي PET والرنين المغناطيسي، وقد كان مُخططاً أن يتبع هذا العلاج الطرق الأخرى الكيماوية وخلافه، ولكن لم يلاحظ أن هناك حاجة إليها. وهذه الدراسة تُعتبر أنها أظهرت بعد ستة أشهر من بداية التجارب السريرية نتائج لم تحدث من قبل في محاربة السرطان رغم غلاء الدواء.
وهؤلاء المرضى تفادوا العلاجات الجراحية والكيماوية والإشعاعية لتجنب الأعراض الجانبية الشديدة والتي لم تحدث لهم عند استخدام هذا الدواء الجديد. وفيما عدا بعض الأعراض الجانبية الطفيفة (مثل إعياء، غثيان، إسهال أو إمساك، آلام المفاصل) فقد مضى على بداية الدراسة عامان وجميع المرضى بخير.
ويدخل هذا الدواء في نطاق العلاج المناعي حيث أنه عباره عن أجسام مُضادَّة أحادية النسيلة (Monoclonal antibodies) تتحد مع نوع مهم من المستضدّات الموجودة على أسطح الخلايا السرطانية المسببة لسرطان المستقيم وسرطان بطانة الرحم عند الإنسان. وكونه أحادي النسيلة فإنه لا يَرى إلاّ المستضد الذي تَكَوّن ضِدُّه وهو PD-L1/PD-L2، وثبت أن هذا العلاج لهذا النوع من سرطان المستقيم يدعو للتفاؤل، وتمت الموافقه المُسَرَّعَة على استخدامه لهذا المرض من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية والإتحاد الأوروبي منذ شهر إبريل الماضي.
ولكن لابد أن نذكر أن هناك بعض التحفظات حتى لا يظن الناس أن السرطان قد انتهى أمره وأصبح سهل العلاج كما تُلَمّحُ إليه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فمن المآخذ على هذه الدراسة أن عدد المرضى قليل وغير كافٍ لمعرفة ما إذا كان هناك أعراض جانبية مهمة عند استخدام هذا الدواء، كما وأنه لم يُستخدم هذا الدواء على معظم أنواع سرطانات القولون والمستقيم، وإنما فقط على أولئك الذين يشكلون 10-15% من مرضى سرطان المستقيم في المرحلتين الأولى والثانية منه، ولاتُعرف فائدة هذا العلاج على بقية مرضى سرطان المستقيم، ومن الأفضل لو كانت المتابعه لمدة أطول من عامين، وبالتالي فإن الباحثين أنفسهم يرون أن هذه النتائج تعطي لمحة مبكرة عن فاعلية الدواء، ويُطالبون بدراسات أخرى مُعمّقة، ويعتبرون أن دراستهم تُعطي نتائج جيدة ولكن مبدئية، فالطريق لا يزال طويلاً وما أوتينا من العلم إلاّ قليلا.
كتبه يوم: 10 يونيو 2022
المرجع
– PD-1 Blockade in Mismatch Repair–Deficient, Locally Advanced Rectal Cancer
> June 5, 2022, DOI: 10.1056/NEJMoa2201445
https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJMoa2201445
تواصل مع الكاتب: profahdal@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة
تعرف على جائزة منظمة المجتمع العلمي العربي 2022