أولاً وقبل الخوض بين سطور هذه المقالة، وجب لفت الانتباه لتعريف الثقب الدودي Wormhole قبل الولوج بعصب موضوعنا. الثقب الدودي هو ممر تخيلي طويل الامتداد، شاسع المساحة، يوجد داخل الثقب الأسود، ومُحـتــَـوٍ داخل نسيجي الزمن والمكان (الزمكان)، وإلى الآن لم يُرصد بالفعل، ولكنه قُدِم كأحد أضلاع المثلث الثلاثة لنظرية النسبية العامة، حيث استخدم الفزيائيان أينشتاين وروزن هذه المصطلح، حيث قدمَا هذه النظرية في عام 1935.
وقد افترضا أنَّ الثقب الدودي هو جسر أو ممر طويل يوجد داخل الثقب الأسود، ومن المحتمل أن يكون هذا الثقب محل الحديث -الثقب الدودي- متصلاً بثقب أبيض من طرفه الآخر وهكذا دواليك، كما يطلق عليها أيضاً جسور أينشتاين-روزن.
من المفترض أن تنشأ الثقوب السوداء Black Hole جراء انهيار وموت نجمٍ ما وانتهاء فترة تواجده بالكون، لينشأ منه هذا الثقب الأسود، ولكن لا يقوم من تلقاءِ نفسِهِ بخلق ثقباً دودياً، وهذا الأخيرا يشرح مورفولوجياً إلى أنه يحتوي على فمين كرويين (ناحيتين مفتوحتين) يصل بينهما ممر طويل ومستقيم، يلقبه بعض الفلكيين بالحنجرة، وهذا المسار(الخط) المستقيم يمكنه الالتفاف، وهناك بعض التخيلات التي تُعزى لهذه الثقوب البيضاء، فعلى سبيل المثال وعندما يتم شحن الثقب الدودي بكمية كافية من المادة الغريبة Exotic Matter فإن ذلك وبالتبعية يؤدي إلى إمكانية استخدام الثقوب البيضاء في ارسال إشارات ومعلومات ورسائل للمسافرين عبر الفضاء.
” إنَّ الـتَـفـْـرِقَةَ بَيـْـنَ المَاضِي والحَاضِر والمُسْتَـقـْـبــَــل لهِي وَهمٌ مُقيمٌ عَنيدٌ “
-ألبرت أينشتاين-
المواد الكونية
ووجب لفت الانتباه إلى مصطلحٍ فلكيٍّ مهم، وهو المادة الغريبة Exotic Matter، وهو عبارة عن مادة كونية تمتلك كثافة سالبة للطاقة، وكذلك تتميز بامتلاكها لضغطٍ سالب، ويجب عدم الخلط بينها وبين المادة المضادة Antimatter وكذلك أيضاً المادة المظلمة Dark Matter، حيث أن المادة المضادة هي عبارة عن الشيء المعاكس للمادة الأصلية، فمثلاً البوزيترون يمتلك شحنة موجبة، بينما الإلكترون يمتلك شحنة سالبة، ولكن يشبه البوزيترون الإلكترون في كل شيءٍ آخر بخلاف الشحنة، فالبوزيترون موجب الشحنة، ولكن الالكترون سالب الشحنة، لذا البوزيترون مادة مضادة، وأما عن المادة المظلمة فهو الاسم الذي تمَّ اعطاؤه لتلك المادة التي تنفلتُ نتيجةً لتحليل منحنيات دوران المجرة.
الثقوب الدودية بين النظرية والخيال
كان التصوُّر القديم للكون لا يتحمَّل أيَّ انبعاج في النسيج الكوني، فمثلاً كان التصور القديم للكون والمجرات ينصُّ على أنه لا يمكن خرق وتبعُّج الكون، لأن هذا سيؤدي وبالتبعية لانتهاء العالم بأسره، مثل محاولة طيِّ لوح زجاجي رفيع، ومن ثمَّ سينكسر، هكذا التشبيه الدقيق على حدٍّ سواء. بعد ذلِكَ جاء أينشتاين وقدَّمَ نظرية النسبية العامة، والتي قال فيها أن الكون عبارة عن اتحادٍ بين الزمان والمكان، وأطلقَ عليه "نسيج الزمكان"، والذي ينص على أن الكون عبارة عن نسيج زمكاني مطَّاط يمكن تشكيله وخرقه كقطعة العجين بالضبط. ونصَّت النظرية سالفة الذكر على وجود عددٍ من الثقوب، هي السوداء والبيضاء، والدودية، والأخير ابتدأ كحل لمعادلات أينشتاين نظرياً أي أنه نظرياً موجودٌ بالفعل، ولكن عملياً لا يوجدُ ما يؤكدُ وجوده. لم تتمكن الأجهزة الاصطناعية البشرية إلى الآن من رصدٍ لأي ثقبٍ دوديٍّ، ولكن هناك تصوُّراتٍ خيالية فقط، ويُعَّدُ أهم تصوَّرٍ له هو نموذج أينشتاين-روزن -سَالـِـف الذِكْرِ بالسطورِ الأُولَى- والذي افترضا فيه أن الثقب الدودي عبارة عن ثقبٍ أسود يبتلع أيَّ شيءٍ اقتربَ مِنْهُ مهما كان، بما في ذلك الضوء بسرعته الخارقة، التي تبلغ 300,000 كم في الفراغ، وينتهي من الطرف الآخر بنوعٍ آخر من الثقوب يُسمَى الثقب الأبيض، ووظيفته عكس وظيفة الثقب الأسود تماماً، كما وضحنا مسبقاً بالسطور الأولى، حيث أن وظيفة الثقب الأسود الرئيسية هي ابتلاع أيِّ شيءٍ يمرُ بجانبه، وعلى النقيض الثقب الأبيض، الذي يرمي أيَّ شيءٍ بداخله للخارج، مثل مشهد الانفجار العظيم بالضبط، وأهم ما يميز ما يحدث بداخل الثقب الأبيض هو أن الزمن يسير بالاتجاه المعاكس السلبي، فبدلاً من أن يتقدم الزمن للأمام، فإنه يمر بالخلف، وهذا يُعاكِس ويُضاد كل قوانين الفيزياء النظرية التي طُبِقَت في كوننا المُعَاش، وأيضاً في الكون المُعَاش هناك قانونٌ فيزيائيٌّ ومنطقيٌّ قبل أن يكون فيزيائي، وهو أن السببَ أو المُسَبِبَ يسبق النتيجة، والذي يُسمى قانون السببيَّة، ولكن في الثقوب الدودية -كما تصورا أينشتاين وروزن- النتيجةُ تسبقُ السببَ أو المُسَبِبَ، أي بالعَكْسِ تماماً!
النموذج الثاني الذي يتصوَّرُ الثقوب الدودية، هو نموذج يتبعُ نظرية الأوتار الفائقة، والذي يتبنى فكرة أن بعد وقتٍ قصيرٍ من الانفجار العظيم، حدثت مجموعة من التقلبات حصلت على المستوى الكمِّي من الجُسيمات، وهذه التقلبات كانت السبب وراء بناء عددٍ لا بأس به من الجسور عددها لا يمكن إدراكه والتي تتواجد بين مختلف زوايا الكون، وهذا الجسور عبارة عن خيوط رفيعة مربوطة ببعضها البعض عن طريق أوتار سُمِيَت بالأوتار الكميَّة، وبعد الانفجار العظيم تبعثرت الكثير من الثقوب البيضاء نتيجة لقوى الانفجار العظيم، وأصبحت المسافات بينها تُـقَـاسُ بآلاف السنين الضوئية، ويقترحُ النموذج أنَّ الثقوب الدودية تُشبِهُ إلى حدٍ كبير الثقوب السوداء فقط، بالشبه فقط، ولكن لا تتألف منها، لدرجة إننا وإن نظرنا إلى الثقوب الدودية من بعيد يُتخيَّلُ لنا أنها ثقوباً سوداءً ولكنها لسيت كذلك.
الثقوب الدودية اصطناعياً
حاول العلماءُ وبجديَّة ابتكارَ وصُنعَ ثقبٍ دوديٍّ في الفضاء، بعدما قالوا أن الثقوب الدودية من المستحيل تواجدها طبقاً للنظريتين أو التصورين السابقين، ولكن هذا وبالعلم يتطلبُ عددًا من الشروط، وهي؛ أن يكون الثقب الدودي يربطُ بين مكانين على مسافةٍ شاسعةٍ وكبيرة للغاية، وأن لا يحتوى على ما يُطلَق عليه أُفق الحدث، وهي المنطقة الموجودة في الثقب الأسود والتي بدروها مسؤولةٌ عن ابتلاع أيِّ شيءٍ يمرُ من خلالها، والشرط الثالث والأهم وهو ان يمتلك هذا الثقب الدودي مساحة معينة تسمح ألا تكون جاذبيته كبيرة لدرجة قتل المسافرين من البشر عبر هذا الثقب الاصطناعي.
الزمن كبعد رابع بين الخيال والواقع… وهل هو موجودٌ بالفعل؟
أضافت النسبية التي قدمها لنا المَشْكُورُ سَعْيـُـه وإن قل ألبرت أينشتاين، الزمن كبعد رابع، بحيث أنه كان من المنظور الكلاسيكي للأبعاد أنها تشمل الطول والعرض والارتفاع، ولكنه أتى بإضافةٍ هي الأولى من نوعها، وهي إضافة الزمن كبعد رابع، ومن ثمَّ فإن نسيج الزمان ونسيج المكان متلازمان، ليعطيا بجمعهما معاً نسيج الزمكان، فنحن نمارس كلاسيكية الأبعاد الثالثة (الطول، العرض، الارتفاع)، ونستخدمهم في حياتنا يومياً، فنحن نسير للأمام وللخلف ويعدُ ذلك طولاً، ونسير في اليسار واليمين ويعدُ ذلك عرضاً بالنسبة للسير في الأمام والخلف، وعندما نقفز للأعلى وللأسفل فهذا بالنسبة للطول والعرض ارتفاعاً، وهكذا، أما البعد الرابع (الزمن)، والذي وطبقاً لنظرية أينشتاين مقياساً مطلقاً لسرعة حركة الأجسام، ومن ثمَّ يمكننا الآن القول بأن الزمن دالة في السرعةِ النسبيةِ بين الأجسام، ويتباطأ البعد الرابع كلما كان الفارق بين السرعة النسبية هذه بين جسمين متحركين يقترب من سرعة الضوء، وعندما تصبح السرعة مساوية تماماً لسرعة الضوء، وعليه فإن البعد الرابع هذا (الزمن) يتوقف تماماً عندما تصبح سرعة هاذين الجسمين مساوية تماماً لسرعة الضوء (300,000 كم)… هكذا وباختصار مفهوم البعد الرابع طبقاً لنظرية آينشتاين.
المراجع
مراجع لغير المتخصصين:
– https://nasainarabic.net/main/articles/view/wormholes-may-be-lurking-in-the-universe-new-studies
> Morris, Michael S. and Thorne, Kip S.. "Wormholes in spacetime and their use for interstellar travel: A tool for teaching general relativity". American Journal of Physics 56, 395-412 (1988).
مراجع للمتخصصين
– Einstein, Albert and Rosen, Nathan. "The Particle Problem in the General Theory of Relativity". Physical Review 48, 73 (1935)
– Dzhunushaliev, Vladimir. "Strings in the Einstein's paradigm of matter"
مراجع إضافية
1- Wormholes may be viable shortcuts through space-time after all, new study suggests: an online-published scientific topic. On link: (https://2u.pw/IlKYh).
2- Einstein's theory of general relativity: an online-published scientific topic. On link: (https://2u.pw/wIlYy).
3- General Relativity: an online-published video. On link: (https://2u.pw/Bou0h).
4- When time didn’t exist, through the wormhole with Morgan, an online-published video. On link: (https://2u.pw/Lg1pg).
5) Relativity: the special and the general theory, a book as online-published one, available on link: (https://www.f.waseda.jp/sidoli/Einstein_Relativity.pdf).
تواصل مع الكاتب: metwallyhamza45@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة