مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

جدري القرود البشري

الكاتب

أ.د. عبدالرؤوف علي المناعمة

الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين

الوقت

12:28 مساءً

تاريخ النشر

23, مايو 2022

تم الإبلاغ عن انتشار مرض جدري القرود البشري في 11 دولة مع وجود 80 حالة مؤكدة وأكثر من 50 حالة قيد التحقق ومن المرجح أن يتم الإبلاغ عن المزيد من الحالات مع توسع نطاق الترصد والمراقبة. من الدول التي ظهر فيها المرض الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، فرنسا، إيطاليا، اسبانيا والبرتغال والسويد.

مقدمة

جدري القرود مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ (يُنقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان)، وتُماثِل أعراض إصابته للإنسان تلك المصاحبة للمصابين بالجدري (مرض الجدري Smallpox، مرض تم القضاء عليه تماماً من خلال برامج لقاحات موسعة) ولكنه أقل شدّة. كانت آخر حالة لمرض الجدري عام 1979 بينما الإصابات بجدري القرود تحدث بشكل متفرق في بعض أجزاء أفريقيا.

ينتمي فيروس جدري القرود إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري. وقد كُشِف لأوّل مرّة عن هذا الفيروس في عام 1958 في الدانمرك، أثناء التحري عن أحد الأمراض الشبيهة بالجدري والتي كانت قد انتشرت بين القرود. تم الكشف عن جدري القرود بين البشر للمرة الأولى في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية لدى طفل يبلع من العمر 9 سنوات كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري في عام 1968. وبعد هذه الحالة تم الإبلاغ عن حدوث حالات في المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي انتشر فيها المرض بشكل واسع عامي 1996 و1997.

وفي العام 2003 تم الإبلاغ عن حالات مؤكّدة من جدري القرود في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة الأفريقية، وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا قد خالطوا كلاب البراري الأليفة مخالطة لصيقة. واندلع في عام 2005 تفشي لجدري القرود في السودان وأُبلِغ عن وقوع حالات متفرقة في أجزاء أخرى من أفريقيا.  وفي العام 2016، حدثت 26 إصابة وحالتي وفاة في إطار اندلاع فاشية أخرى للمرض بجمهورية أفريقيا الوسطى.

يُعدّ جدري القرود مرضًا ذا أهمية للصحة العامة العالمية لأنه لا يؤثر فقط على بلدان غرب ووسط إفريقيا، بل يؤثر على بقية العالم، فقد تم الإبلاغ عن جدري القرود في مسافرين من نيجيريا إلى "فلسطين المحتلة" في سبتمبر 2018، وإلى المملكة المتحدة في سبتمبر 2018، وديسمبر 2019، ومايو 2021 ومايو 2022، وكذلك إلى سنغافورة في مايو 2019، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية في يوليو ونوفمبر 2021.

في مايو 2022، تم تحديد حالات متعددة من جدري القرود في العديد من البلدان غير الموبوءة.  ولا تزال الدراسات جارية حاليًا لفهم علم الأوبئة ومصادر العدوى وأنماط الانتقال.

حول الفيروس

فيروس جدري القرود هو فيروس DNA ثنائي الشريط ومغلف، ينتمي إلى عائلة Poxviridae وهناك نوعان من الفصائل الجينية المُميِّزة لفيروس جدري القرود: سلالة وسط إفريقيا (حوض الكونغو) وسلالة غرب إفريقيا.  تسبب سلالة حوض الكونغو مرضاً أكثر خطورة، ويُعتقد أنه أكثر قابلية للانتقال.

المضيف الطبيعي لفيروس جدري القرود MonkeyPox Natural hosts

تم تحديد أنواع مختلفة من الحيوانات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس جدري القرود. بما في ذلك: السناجب الحبلية، وسناجب الأشجار، والفئران المغمورة في غامبيا، وقوارض أخرى، إضافة إلى الرئيسيات غير البشرية وأنواع أخرى. لا يزال الشك قائماً بشأن التاريخ الطبيعي لفيروس جدري القرود، وهناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد الخزان (المستودعات) الدقيقة وكيفية دوران الفيروس في الطبيعة.

انتقال المرض

يُعتبر جدري القرود مرضاً حيواني المنشأ؛ أي انه ينتقل من الحيوان إلى الانسان. يحدث هذا الانتقال إما عن طريق الاتصال المباشر بالدم أو سوائل الجسم وإما من خلال الآفات الجلدية أو المخاطية للحيوانات المصابة. في أفريقيا، تم العثور على أدلة على الإصابة بفيروس جدري القرود في العديد من الحيوانات. يُعد تناول اللحوم غير المطبوخة بشكل كافٍ إلى جانب المنتجات الحيوانية الأخرى للحيوانات المصابة أحدَ عوامل الخطر المحتملة. كما وتزيد فرصُ تعرض الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الغابات أو بالقرب منها للحيوانات المصابة؛ مما يزيد احتمالية انتقال الفيروس لهم.

أما عن انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، فإنه يحدث عبر الاتصال الوثيق بإفرازات الجهاز التنفسي أو الآفات الجلدية لشخص مصاب أو أشياء ملوثة حديثًا. عادةً ما يتطلب الانتقال عبر جزيئات الجهاز التنفسي (الرذاذ) اتصالًا طويلًا وجهاً لوجه؛ مما يعرض العاملين الصحيين وأفراد الأسرة وغيرهم من الأشخاص المخالطين للحالات النشطة لخطر أكبر. ومع ذلك، فقد ارتفعت أطول سلسلة انتقال موثقة في المجتمع في السنوات الأخيرة من ست إلى تسع إصابات متتالية من شخص لآخر.

يمكن أن يحدث انتقال العدوى أيضًا عن طريق المشيمة من الأم إلى الجنين (مما قد يؤدي إلى الإصابة بجدري القرود الخلقي) أو أثناء الاتصال الوثيق أثناء الولادة وبعدها. في حين أن الاتصال الجسدي الوثيق هو عامل خطر معروف جيدًا للانتقال، فمن غير الواضح في هذا الوقت ما إذا كان يمكن أن ينتقل جدري القرود على وجه التحديد من خلال طرق الانتقال الجنسي. هناك حاجة للمزيد من الدراسات لفهم هذا الخطر بشكل أفضل خاصة أن عددا من المصابين في هذا التفشي الحالي هم من الشواذ جنسياً (المثليين).

فترة الحضانة

تتراوح فترة حضانة جدري القرود ما بين 6 أيام و16 يوماً، بيد أنها يمكن أن تتراوح بين 5 أيام و21 يوماً.

 

ويمكن تقسيم مرحلة العدوى إلى فترتين كالتالي:

  • فترة الغزو (صفر يوم و5 أيام)، ومن سماتها الإصابة بحمى وصداع شديد وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر وفي العضلات ووهن شديد (فقدان الطاقة).
  • فترة ظهور الطفح الجلدي (في غضون مدة تتراوح بين يوم واحد و3 أيام عقب الإصابة بالحمى) والتي تتبلور فيها مختلف مراحل ظهور الطفح الذي يبدأ على الوجه في أغلب الأحيان ومن ثم ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. ويكون وقع الطفح أشدّ ما يكون على الوجه (في 95% من الحالات) وعلى راحتي اليدين وأخمصي القدمين (75%). ويتطوّر الطفح في حوالي 10 أيام من آفات بقعية ذات قواعد مسطّحة إلى حويصلات (صغيرة مملوءة بسائل) وبثرات قد يلزمها ثلاثة أسابيع لكي تختفي تماماً.

 

ويتراوح عدد الآفات (البثور) بين بضع آفات وعدة آلاف منها، وهي تصيب أغشية الفم المخاطية (في 70% من الحالات) والأعضاء التناسلية (30%) وملتحمة العين (20%)، فضلاً عن قرنيتها (مقلة العين). ويُصاب بعض المرضى بتضخّم حاد في العقد اللمفاوية قبل ظهور الطفح، وهي سمة تميّز جدري القرود عن سائر الأمراض المماثلة.

وعادةً ما يكون جدري القرود مرضاً محدوداً ذاتياً وتدوم أعراضه لفترة تتراوح بين 14 و21 يوماً، ويُصاب الأطفال بحالاته الشديدة على نحو أكثر شيوعاً بحسب مدى التعرض لفيروسه والوضع الصحي للمريض وشدة المضاعفات الناجمة عنه. ومن المُحتمل أن تسفر بعض الإصابات عن عدوى دون السريرية (غير المصحوبة بأعراض).

ويشهد معدل الإماتة في الحالات تبايناً كبيراً بين الأوبئة، ولكنّ نسبته لا تتجاوز 10% في الحالات الموثقة التي تحدث معظمها بين الأطفال. وعموماً فإن الفئات الأصغر سنّاً هي أكثر حساسية على ما يبدو للإصابة بجدري القرود.

تشخيص المرض

تشتمل التشخيصات التمايزية السريرية على أمراض أخرى مسببة للطفح، مثل الجدري والجدري المائي والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية. ويمكن أن يكون تضخّم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدري.

ولا يمكن تشخيص جدري القرود بشكل نهائي إلاّ في المختبر حيث يمكن تشخيص عدوى الفيروس بواسطة عدد من الاختبارات المختلفة التالية:

  • الفحوصات المناعية الأنزيمية واختبار الكشف عن المستضدات (نظرا لوجود ظاهرة التفاعل الخلطي بين الأنواع المختلفة من فيروسات الجدري فمن الصعب التشخيص الدقيق بهذه الفحوصات)
  • تفاعل البوليميراز المتسلسل (ربما يكون الاسهل والأسرع)
  • عزل الفيروس بواسطة زرع الخلايا

 

العلاج واللقاح

لا توجد أيّة أدوية أو لقاحات مُحدّدة متاحة لمكافحة عدوى جدري القرود، ولكن يمكن مكافحة فاشياته. وقد ثبت في الماضي أن التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في الوقاية من جدري القرود، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أُوقِف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من العالم. ورغم ذلك فإن من المُرجّح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ المرض مساراً أخف وطأة.

الوقاية من المرض

الوقاية من اتساع نطاق انتشار جدري القرود عن طريق فرض قيود على تجارة الحيوانات

  قد يسهم تقييد عمليات نقل الثدييات الأفريقية الصغيرة والقرود أو فرض حظر على نقلها إسهاماً فعالاً في إبطاء وتيرة اتساع نطاق انتشار الفيروس إلى خارج أفريقيا. وينبغي ألا تُطعّم الحيوانات المحبوسة ضدّ الجدري، بل ينبغي عوضاً عن ذلك عزل تلك التي يُحتمل أن تكون مصابة منها بعدوى المرض عن الحيوانات الأخرى ووضعها قيد الحجر الصحي فوراً. وينبغي أيضاً وضع جميع الحيوانات التي قد تخالط أخرى مصابة بعدوى المرض قيد الحجر الصحي ومناولتها في إطار اتخاذ الاحتياطات المعيارية وملاحظتها في غضون 30 يوماً من أجل الوقوف على أعراض إصابتها بجدري القرود.

الحدّ من خطورة إصابة الناس بعدوى المرض

إن المخالطة الحميمة للمرضى أثناء اندلاع تفشيات جدري القرود البشري هي من أهمّ عوامل الخطر المرتبطة بالإصابة بعدوى الفيروس المسبّب للمرض. وفي ظل غياب علاج أو لقاح محدّد لمكافحته، فإن الطريقة الوحيدة للحد من إصابة الناس بعدواه هي زيادة الوعي بعوامل الخطر المرتبطة به وتثقيف الناس بشأن التدابير التي يمكنهم اتخاذها من أجل الحد من معدل التعرّض له. ولا غنى عن تدابير الترصد والإسراع في تشخيص الحالات الجديدة من أجل احتواء المرض.

وينبغي أن تركزّ رسائل التثقيف على الحد من الخطرين التاليين:

  • الحد من خطر انتقال العدوى من إنسان إلى آخر: ينبغي تجنّب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بعدوى جدري القرود، ولابد من ارتداء قفازات ومعدات حماية عند الاعتناء بالمرضى، كما ينبغي الحرص على غسل اليدين بانتظام عقب الاعتناء بهم أو زيارتهم.
  • الحد من خطر انتقال المرض من الحيوانات إلى البشر: ينبغي أن تركّز الجهود المبذولة للوقاية من انتقال الفيروس في البلدان التي يظهر بها المرض على طهي كل المنتجات الحيوانية بشكل جيّد قبل أكلها، كما ينبغي ارتداء قفازات وغيرها من ملابس الحماية المناسبة عند التعامل مع الحيوانات المريضة أو أنسجتها الحاملة للعدوى وأثناء ذبحها.

 

مكافحة العدوى في مرافق الرعاية الصحية

يجب على العاملين الصحيين أن يلتزموا بالاحتياطات المعيارية في مجال مكافحة العدوى عند الاعتناء بالمرضى المصابين بعدوى يُشتبه فيها أو مؤكدة من فيروس جدري القرود، أو خلال جمع أو نقل عيّنات من أولئك المرضى.

ولابد أن ينظر العاملون الصحيون والمعنيون بعلاج المرضى المصابين بجدري القرود أو الأفراد الذين يتعرّضون لهم أو لعيّنات تُجمع منهم، في إمكانية حصولهم على تطعيم ضدّ الجدري من سلطاتهم الصحية الوطنية، مع الحرص على ألا تُعطى لقاحات الجدري القديمة لمن يعانون من ضعف في أجهزتهم المناعية.

كما أنه على العاملين في المختبرات الطبية الحرص اتخاذ احتياطات مكافحة العدوى القياسية عند التعامل مع عينات لمرضى مشتبه بهم أو حالات مؤكدة.

ما علاقة جدري القرود بالجدري وجدري الماء؟

 إن الأعراض السريرية لجدري القرودmonkeypox  تشبه الجدري Smallpox، وهي عدوى يسببها  فيروس أورثوبوكس تم القضاء عليه في جميع أنحاء العالم.  مرض الجدري كان أكثر سهولة في الانتقال وكان قاتلاً في كثير من الأحيان حيث مات حوالي 30 ٪ من المرضى. تم اكتشاف الحالة الأخيرة للجدري المكتسب بشكل طبيعي في عام 1977، وفي عام 1980، تم الإعلان عن القضاء على الجدري في جميع أنحاء العالم بعد حملة تلقيح عالمية. لقد مرت 40 سنة أو أكثر منذ أن توقفت جميع البلدان عن التطعيم الروتيني.

هناك أيضا مرض يعرف بجدري الماء Chickenpox تتشابه أعراضه مع المرضين السابقين لكن خطورته أقل بكثير منهما ويسببه فيروس ينتمي لعائلة فيروس الهيربيس Herpesviruses

 

مراجع:

 

تحديث للبيانات بتاريخ 21/5/2022

 

تواصل مع الكاتب: elmanama_144@yahoo.com

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
05/24/2022 3:25 مساءً
عنوان التعليق
كتب مؤلفات طبية للنشر
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x