ملخص
تروم ورقتنا هذه تسليط الضوء على أبرز الخصائص والمميزات التي تسم اللغة العربية العلمية، فضلا عن كونها تعمل على استعراض أبرز الآليات اللسانية التي تساهم في تأهيل وإغناء اللغة العلمية بالمصطلحات والتعابير العلمية الدقيقة التي تخول لها ولوج الميادين العلمية اعتمادها فيها.
وعليه، فإن ورقتنا هذه تتأسس على سؤال جوهري هو:
- ما أبرز الخصائص التي تمتاز بها اللغة العربية العلمية؟
مقدمة
تعمل اللغة كما هو معلوم على تحقيق عدة وظائف في حياة الأفراد والناس، وذلك في كونها تعد الوسيلة المثلى التي تساعدهم التواصل والتفاهم فضلا عن نقل مشاعرهم وآرائهم وأفكارهم، وهي بذلك –أي اللغة– وسيلة لا غاية يحقق بموجبها الأفراد العديد من الأغراض داخل مجتمعهم.
ولا تكاد تغيب اللغة عن مجالات الحياة إذ نجدها حاضرة بقوة فيها رغم اختلافها وتباينها، وأساس حضورها يتمثل في كونها تعكس وتطاوع المجال أو القطاع الذي توظف وتتداول فيه، وتكتسب كذلك قوتها وقيمتها بناء على مجموعة من العوامل والمؤشرات نجد من أبرزها العامل العلمي الدقيق.
وتعتبر اللغة العلمية تلك اللغة التي تعمل على نقل معلومات علمية متخصصة خاصة بقطاع أو مجال علمي محدد، وتتأسس اللغة العلمية المتخصصة في جوهرها على معجم علمي متخصص قوامه المصطلحات التي تعد أساسها وسمتها المميزة. وتتباين قدرات اللغات في استيعاب واستقطاب المصطلحات العلمية بمختلف تخصصاتها من مصدرها الذي وجدت وأنتجت فيه، واللغات كي تنجح وتوفق في ذلك تعمل على تسخير مجموعة من الآليات التي تندرج ضمن نسقها اللغوي الداخلي حتى تصنف في خانة اللغات العلمية العالمية.
بناء على ما تقدم، فإن ورقتنا هذه تعنى بالكشف عن أبرز الخصائص المميزة التي تطبع اللغة العربية العلمية والتي تميزها عن باقي الأنماط والأنواع الأخرى التي تندرج ضمن اللغة العربية. وعليه، فإنها تنطلق من جملة من التساؤلات المهمة من أبرزها نذكر:
- هل تعتبر اللغة العربية لغة علمية؟ وإن كان الجواب بنعم، فكيف يمكن تحديدها؟
- وما أبرز الخصائص التي تمتاز بها اللغة العربية العلمية؟
- وما الآليات التي يمكن أن تسهم في تأهيل وإغناء اللغة العربية العلمية؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات، سنعمل في خطوة أولى على تقديم تعريف للغة العربية العلمية، وبعد ذلك سنسلط الضوء على أبرز وأهم الخصائص التي تميز نسق ونظام اللغة العربية العلمية، كما سنعمل في خطوة ثانية وأخيرة على استعراض أبرز الآليات التي تساعد في تأهيل اللغة العربية العلمية.
اللغة العربية العلمية
تعتبر اللغة العلمية لغة متخصصة وخاصة في أساسها وجوهرها، وذلك نظرا لاحتوائها على ذخيرة لغوية قوامها المصطلحات المتخصصة التي تتصل بمجال أو حقل علمي خاص ومحدد. فضلا عن كونها توظف للتعبير عن أغراض ومعارف متخصصة ودقيقة.
وتعرف اللغة العلمية بحسب كارم السيد غنيم (1990) بكونها اللغة التي يستطيع بها الفرد أن يستوعب ما هو متاح من علم وفكر، وهي اللغة التي تمكن أفراد الأمة بمرونتها ودقتها من تأصيل علومهم وتنقيحها والإبداع في جوانب شتى منها.(1)
وعليه، نصرح بأن اللغة العلمية تشكل فرعا ينتمي إلى أصل هو اللغة العامة، ذلك أن اللغة العامة الكبرى تتفرع عنها مجموعة من اللغات الصغرى تشكل طبقات لغوية تحتية، مثال ذلك: اللغة الأدبية، اللغة العلمية والتقنية، اللغة اليومية. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية العلمية هي لغة خاصة يتم استعمالها وتوظيفها في الأوساط العلمية من طرف أشخاص أو فئة محددة وخاصة من الناس، وهي أيضا تلك اللغة التي تحرر بواسطتها التقارير والأبحاث والنشرات العلمية المتخصصة.
وهذا ما يؤكده علي القاسمي (2019) إذ يصرح بأن اللغة التي تكثر فوها الألفاظ الخاصة والمصطلحات العلمية والمهنية يمكن تسميتها باللغة الخاصة. ويسميها بعض اللغويين بلغة الأغراض الخاصة لتمييزها عن اللغة العامة التي تستعمل لأغراض الحياة اليومية.(2)
وتتصل اللغة العلمية بالعديد من المجالات والتخصصات العلمية والتقنية التي تستلزم أسلوبا لغويا علميا وتقنيا، وهذا ما يؤكده كل من طارق عبد الهادي العاني وآخرين (1990) إذ يصرحون بأن اللغة العلمية تعمل على معالجة مواضيع متعلقة بالعلوم الطبيعية وتطبيقاتها في حقول الصناعة والطب والهندسة والزراعة والتعدين والاقتصاد وإدارة الأعمال والتحليل السكاني وعلم النفس وتصنيف الأجناس البشرية والقانون والسياحة والأثار والتاريخ والجغرافية.(3)
ولا تختلف اللغة العربية عن اللغات الأخرى في هذا الطرح، نظرا لكونها تتوفر على مجموعة من التنوعات اللغوية التي تضمها، وهي كذلك تضم فروعا لغوية محددة، من قبيل اللغة العربية العلمية واللغة العربية الأدبية.
عموما، يمكن القول إن اللغة العربية العلمية تكتسي أهمية بالغة في الوقت الراهن نظرا لكونها تعكس النمط اللغوي العربي الذي يتم اللجوء إليه في إعداد البحوث والدراسات العلمية الدقيقة والمضبوطة التي تتطلب وتستلزم أسلوبا لغويا دقيقا ومباشرا يضمن إيصال وتبليغ المعارف والمعلومات العلمية بشكل واضح وشفاف للمتخصصين.
خصائص اللغة العربية العلمية
تمتاز اللغة العربية العلمية بأسلوبها العلمي والتقني القائم على الاختزال والدقة، فضلا عن كونها تقوم في نسقها على شبكة مصطلحية متخصصة تطبعها وتَسِمُها بخاصية العلمية، علاوة على أنها تعتمد الأسلوب التقني الواضح والمباشر في التعبير عن القضايا العلمية المتخصصة.
وتتقاطع اللغة العلمية مع اللغة الخاصة في العديد من الخصائص والسمات اللغوية التي تمنح اللغة علميتها ودقتها، ومن أبرز هذه الخصائص نذكر:
- الوضوح.
- البساطة.
- الدقة.
- العلمية والموضوعية.
- الاختزال والاقتصاد.
- أحادية الدلالة.
عموما، يمكن القول إن اللغة العربية العلمية تنحو نحو استعمال أسلوب يغلب عليه الطابع التقني الدقيق والمختزل، فضلا عن كونها تمتاز بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن الأنماط والأنواع اللغوية الأخرى. والتي تشترك فيها مع اللغة الخاصة التي تعتبر أصلها الذي تنتمي إليه.
آليات تأهيل اللغة العربية العلمية:
تتمتع اللغة العربية كغيرها من اللغات المعاصرة الأخرى بمجموعة من الإمكانات والقدرات اللسانية التي تحكم نسقها اللغوي ككل، والتي تمكنها من إنجاح عمليتي توليد واستيراد أو بالأحرى استقطاب ما جد واستحدث من المفردات والمصطلحات المتخصصة المعبرة التي ترتبط بميادين وحقول معرفية مختلفة سواء أكانت حياتية عامة أم علمية متخصصة.
واستنادا على ما سلف، فإن عملية تأهيل اللغة العربية العلمية تتم عبر آليتين أساسيتين يمكن تقديمهما كالآتي:
- آليات توليد المصطلحات العلمية: تتوفر اللغة العربية في نسقها اللغوي الداخلي كغيرها من اللغات العالمية المعروفة على مجموعة من الآليات والمبادئ التوليدية التي تعتمدها في خلق وإحداث مفرداتها ومصطلحاتها المعبرة، وتعرف هذه الوسائل بشكل عام بآليات التوليد أو الإنتاج اللغوي وتتمثل في كل الطرق والعمليات التي تسلكها اللغة لتجديد وإنماء معجمها. ومن بين هذه الوسائل نذكر: الاشتقاق والتركيب والنحت…
- آليات نقل المصطلحات العلمية: تعتمد اللغة العربية كذلك على مجموعة من الوسائل اللغوية التي توظفها لاستقطاب واستيراد ما جد من المفردات والمصطلحات العلمية المتخصصة من اللغات المتطورة الأخرى في سياق التبادل اللغوي القائم على مبدإ حوار وتداخل اللغات.
وتعتبر وسائل الترجمة والاقتراض والتعريب أبرز الوسائل التي تعتمدها اللغة العربية في عملية استقطاب ونقل المفردات والمصطلحات المتخصصة من اللغات الأخرى، وجدير بالذكر هنا أن هذه الوسائل تحكم الجانب العلائقي الخارجي للغة، كما أنها تعد أهم الوسائل التي تسهم في تطويع وتنمية اللغة العربية وذلك عبر رفدها وتزويدها بما جد من المفردات العلمية المستحدثة.
خلاصة
تعتبر اللغة كما هو معلوم أداة تعين الأفراد على قضاء مطالبهم وحاجاتهم داخل مجتمعهم، وبواسطتها يتواصلون ويتفاعلون كما يعتمدونها في التعبير عن أفكارهم ونقل أحاسيسهم، وتعد اللغة في المجال العلمي ضرورة لا غنى عنها، إذ تعد أساسا ورافعة مهمة لتحقيق التطور والرقي العلمي، بناء على الخصائص والمميزات التي تتأسس عليها، والتي تجعل منها وسيلة مهمة في إعداد الدراسات العلمية الدقيقة، فضلا عن توفر اللغة العربية على العديد من الآليات والمبادئ اللسانية التي تسهم بشكل إيجابي في تنمية وتأهيل النمط العلمي منها.
المراجع
- العاني عبد الهادي طارق وآخرون، (1990)، الترجمة العلمية والتقنية من الإنكليزية إلى العربية، جامعة بغداد.
- غنيم السيد كارم، (1990)، اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة، مكتبة ابن سينا.
- القاسمي علي، (2019)، علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، مكتبة لبنان ناشرون.
(1) كارم السيد غنيم، (1990)، اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة، مكتبة ابن سينا. ص36
(2) علي القاسمي، (2019)، علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية، مكتبة لبنان ناشرون. ص93،94
(3) طارق عبد الهادي العاني وآخرون، (1990)، الترجمة العلمية والتقنية من الإنكليزية إلى العربية، جامعة بغداد. ص35
البريد الإلكتروني: malmousanas@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة