مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

تراثنا العلمي يتكلم العربية

اليوم العالمي للغة العربية 2021
الكاتب

الأستاذ الدكتور/ هادي أحمد الشجيري

الجامعة العراقية/كلية التربية

الوقت

01:46 صباحًا

تاريخ النشر

18, ديسمبر 2021

 

أتمثل مفتخرًا بلغتي بقول الشاعر:

لغتي أمُّ اللغات         والهدى والمكرمات

قد حباها الله فضلاً     فاق موفور اللغات

(من قصيدة: العربية أم اللغات والحياة، شعر أكرم جميل)
(مجلة العربية / العدد / ديسمبر 2006) 

 

ثم أقول متحسرًا: متى يتكلم العلم العربية؟

كلمة أعجبتني للأستاذ محمود فوزي المناوي في مقال له بعنوان: متى يتكلم العلم العربية؟

وممَّا قال فيه: ((أيها السادة لن نمل من الترديد أن الفرق بين التعريب والتغريب نقطة، ولكنها نقطة سوداء بحجم الكرة الأرضية، تغشى عيوننا فلا نرى ما حولنا، وعندما حدثونا عن تنوير مُصْطَنَعٍ بدَّلوا هذه النقطة بقرص الشمس عند الظهيرة، فبَدَلَ أنْ ينير الطريق غشيت الأبصارُ فضللنا الطريق)) (المقال المذكور ص 22).

وأنا أقول: لقد تحدث العلم إلى عهد قريب بالعربية، وأنصت لندائه من سكن في شرق الأرض وغربها، فطربت أسماعهم لذاك الحديث، وخطت الأنامل ما سمعت بقلم عربي فصيح، فتلك خزائن المخطوطات مليئة بتلك الشواهد الصوامت، لو وجدت من يستنطقها.

لعلك أيها القارئ الفطن قد فاتك كتاب ابن النديم المعنون بالفهرست، وابن النديم من علماء القرن الرابع الهجري توفي سنة (385هـ)، فقد سبقنا بألف عام ويزيد، وكتابه الفهرس مرجع لما قبله في موضوعات الفنون ومن صنف فيها من القدماء والمحدثين بالنسبة إلى زمنه.

ألم تقرأ مقالته السابعة في الفن الثاني منها؟ ألم تسمع منه أخبار المهندسين وصناع الآلات وأصحاب الحيل والحركات؟ ألم تقلب النظر في الآلات وصناعها؟ (ينظر الفهرست: 371).

ألم تقرأ الفن الثالث من تلك المقالة؟ ألا يشدك أخبار المتطببين من القدماء والمحدثين وأسماء ما صنفوه من الكتب؟ ألم تسمعه وهو يحدث عن أسماء كتب الهند في الطب الموجودة بلغة العرب؟ (ينظر: الفهرست 398).

ألم تسمعه وهو يتحدث عن الكتب المؤلفة في السمومات والصيدنة؟ ألم تسمع مقالته العاشرة في أخبار الكيمائيين والصنعويين من الفلاسفة من القدماء والمحدثين؟ (ينظر: الفهرست 440).

ألم تتنبه إلى حملة الترجمة إلى العربية في مختلف العلوم ومن مشهور اللغات آنذاك، تلك الحملة النهمة التي انتشرت في ثنايا كتابه، وهو يتحدث عن المؤلفات التي ترجمت في  مختلف العلوم وأشهر مترجميها، ألا ترى كيف وسعت العربية مختلف العلوم واللغات!

لقد بلغت العربية بسماحة قرآنها، وبأخلاق حملتها مشرق الأرض ومغربها، بل تعدت البلدان إلى الأبدان، فخامرت العقول والصدور فَسَرَتْ إلى الأنامل أحرفا من نور؛ فأخذت كثير من البلدان التي وصلتها العربية وقرآنها تتكلم باللغة الجديدة، التي أصبحت لغة عالمية، وكان من نتائج ذلك أن فتحت اللغة العربية صدرها لتراث الإنسانية وحفظت ما تركه الأقدمون.

بل كان العلماء المسلمون من غير العرب يفضلون كتابة مؤلفاتهم بالعربية، حتى أن أبا الريحان البيروني الذي أتقن عدة لغات كتب كل مؤلفاته التي تربو على المئة باللغة العربية، وقال مقولته المشهورة: أن أهجى بالعربية أحب إلي من أمدح بالفارسية، ووصف البعض كتابه: التفهيم لأوائل صناعة التنجيم بأن أسلوبه سلس خال من الالتواء، يخرج منه القارئ بثروتين، أدبية وعلمية، ويشعر بلذتين لذة الأسلوب العلمي ولذة المادة العلمية. (ينظر: التراث العلمي:31).

كما امتدح البعض أسلوب الخوارزمي في كتابه الجبر والمقابلة ووصفوه بأنه أسلوب أخّاذ لا ركاكة فيه ولا تعقيد، ينمّ عن أدب رفيع وإحاطة بدقائق اللغة. (ينظر: التراث العلمي: 32).

اقرأ وتمعن في مقدمة كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، أهي مقالة أدبية أم بيان منهج لكتاب في علم النبات؟ لعمري إنهما معًا، فممَّا جاء فيها: (قد أتينا فيما قدمنا من أبواب كتابنا هذا على ما استحسنا تقديم ذكره قبل ذكر النبات نبتا نبتا، فلم يبق إلا ذكر أعيان النبات، ونحن آخذون في تسميتها وحُلُوِّ كل واحد منها بما انتهى إلينا من صفته أو شاهدناه، وإن كان في شيء من ذلك اختلاف مما يرى أن ينبغي أن يذكر ذكرناه، إن شاء الله، وجلعنا تصنيف ما نذكر منها على أوائل حروف أسمائها وإن اختلط جل الشجر فيه بدقة، واختلط أيضا الشجر بالأعشاب وبقلها وجنبتها وغير ذلك من أصنافها التي جنسناها فيما سلف وصنفناها، لأن وصفنا إياها نبتا نبتا سيلحق كل واحدة منها بجنسه عند من فهم عنا ما قدمنا وما أخرنا، وإنما آثرنا هذا التصنيف على توالي حروف المعجم لأنه أقرب إلى وجدان المطلوب وأهون مؤونة على الطالب من كل تصنيف سواه)). (نقلا عن: التراث العلمي: 136).

أين نحن من أولئك الذين توقدوا علما، فأناروا القرون الخاليات بنور العلم، أين نحن من تلك الشعلة التي كانت لقب غير واحد من أهل العلم؟ فأبو القاسم ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق المتوفى سنة (571ه)، لقبه البغداديون بشعلة نار، فما كان يعرف ببغداد إلا بهذا الاسم، قال عنه الإمام أبو العلاء الهمذاني (ت 569هـ): ((ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلا شعلةَ نار من توقده وذكائه ،وحسن إدراكه))(الأحمدية: افتتاحية العدد 14).

وبمثل هذه الهمم عمل من سبقنا فأورثونا علمًا جمًّا، امتازت به أمتنا عن كل الأمم، فمن له لغة كلغتنا؟ ومن له تاريخ كتاريخنا؟ ومن له تراث كتراثنا؟ ومن له إرث كمكتباتنا؟

سنوات طوال طوتها العربية في صدور رجالها، وسطور مخطوطتها، تلك السنوات الغابرات تاريخ حافل بالمنجزات، حفظتها لنا أقلام النساخ وألواح المخطوطات.

يا طلاب العلم اقرؤوا صحائف التاريخ وافخروا بعلمائكم واقتفوا آثارهم، واسمعوا أصواتهم فآثارهم تخبركم بأنَّا لم نكن في سالف العصر عَالةً، بل كُنَّا قادة القوم وسادة، سدناها بالعلم وفضلناها بالدين واليقين.

وطنوا العلم دياركم وقيِّدوه بلسانكم، ولا ترضوا لأنفسكم أن تكونوا أسفل القوم؛ فَيَقْصِمَ التطلُّعُ إلى عِلْيَةِ القوم أعناقَكُم.

إن العربية لغة العلم والدين والدنيا فلا عذر لنا في هجرها وهدم بنائها، وتحريف ألفاظها، وتشويه نظامها .

إنها لغة العلم والفكر والإبداع، تنمو بنمو عقول أبنائها فإن تخاذلت عقولنا عن الإبداع فهذا تقصير منّا لا من لغتنا، فهي تدون ما أنتجته عقولنا، وليس عليها أن تبدع بالنيابة عنا!

والله ما أنصفناها إذ لم نكتف بظلمها، وتقصيرنا في حفظها، بل زدنا إلى ذلك أنَّا حمَّلناها تقصيرنا وتكاسلنا. من لم يدون اسمه في سجل العلم عاجز، وأعجز منه من ضيع ما ورث، فليت شعري بماذا نصف من يسفه تراثنا ويسخر من مفاخرنا بعلمائنا من أدعياء العلم في عصرنا ؟

ولي في الختام دعوات:

دعوة: أن يتوجه الباحثون إلى قراءة حياة الأئمة المتقدمين والاقتداء بهم في حبهم للعلم وتفانيهم في طلبه وإنفاق العمر في تحصيله ونشره.

وأخرى: أن نقرأ تاريخنا العلمي قراءة متبصرة للوقوف على ما أبدعه علماؤنا في هذا الميدان مما كان له الأثر الكبير في بناء الحضارة الإنسانية.

وثالثة: أن نوجه جهود الباحثين إلى إبراز آثار أئمتنا السابقين، لبعث أفكار بناة حضارتنا من علمائنا المتقدمين بتحقيق ما خلفوه لنا من تراث فكري، مخبوء بين ألواح المخطوطات المنسية على رفوف المكتبات.

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x