ستتناول هذه الورقة دراسة أحد أهم ركائز النهضة العربية والإسلامية في القرون الوسطى وهي "دار الحكمة" كمجال ثقافي وعلمي شهد أبرز التطورات، والمنجزات لأهم النخب العلمية التي زاولت دراستها باستخدام اللغة العربية. ولا يختلف اثنان حول الدور الذي خلفه العصر العباسي في تفتق أهم الابتكارات العلمية والتقنية التي فتحت طريقا سويا لمستقبل البشرية.
إن غاية هذا البحث ليس فقط إبراز، وتوضيح أهمية دار الحكمة البغدادية فقط، لكن الغاية والهدف من هذا البحث أيضا هو تتبع وإبراز دور اللغة العربية في تطور مختلف العلوم مع إنجازات العلماء المسلمين من خلال الإطار الأكاديمي الذي تجمعوا فيه، وهو "دار الحكمة" وإمكانية تجديد هذا المشروع العلمي والحضاري في شكل مجامع ومؤسسات علمية طموحة تستخدم لغتها الأم وهي لغتنا العربية.
ومن أجل تأكيد مدى صحة هذه الفرضيات، اعتمدنا في دراستنا على عدة مصادر تراثية أهمها كتاب الفهرست لابن النديم وكتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي، وكتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة. وهذا بتكييف نصوصها واستخلاص معطياتها الإحصائية والرقمية، ولن تكون محاولتنا ذات جدوى دون توجهنا نحو اكتشاف وتفكيك بنية هذه النصوص واستخراج كل مكنوناتها وخاماتها المعرفية والعلمية والرقمية. وستكون قراءتنا النقدية والمتفحصة لهذا النصوص أو تلك هي إحدى القراءات الممكنة كطريق آخر لفهم هذا التراث وفهم الأبعاد الدلالية لأسمائه وبنيته اللفظية. وسيمكننا من إحصاء العلماء وتحديد بلدانهم وتعدادهم وأهم تخصصاتهم وآثارهم وتأثيرهم على البحث العلمي في المجمل.
تظهر أهمية دراستنا هذه من حيث أنها ستعمل على تحديد الأسس والمبادئ العامة لمجمل الأحكام المعرفية، وتحويلها إلى معطيات رقمية باعتبارها معطيات مفتاحية دلالية لدراسة الظاهرة العلمية في ذلك العصر ، والتي ستعكس فعليا حالة الظاهرة طوال قرون منذ تأسيس دار الحكمة ببغداد إلى غاية مراحل نضج العلوم العربية، وإبداعات علمائها مركزين بذلك على التخصصات العلمية العقلية كنموذج يمثل المنهج التجريبي الذي استلهم منه وسار على خطاه العلماء الأوربيون في العصر الحديث. والقصد من كل ذلك تبيين أثر ودور بيت الحكمة وإمكانيات اللغة العربية في تخريج النخب المبدعة التي أثرت على صيرورة البحث العلمي الأوربي لعدة قرون وسيمكننا هذا العمل من معرفة أسباب و أهمية نجاح مثل هذه الأفكار وهذه التجارب العلمية الناجحة والرائدة و إسقاطها على واقعنا بإنشاء مثلا مؤسسة ومنصات علمية مختلفة.
أهم المراحل التي مرت بها الحركة العلمية بُعَيْد تأسيس بيت الحكمة:
- المرحلة الأولى: عصر النقل والترجمة
- المرحلة الثانية: عصر النضج والتأليف
- المرحلة الثالثة: تكوين الهيئات والمؤسسات العلمية.
وفي خاتمة هذا العرض فقد أردت أن أستلهم من الماضي كل ايجابياته في استخلاص العبر من إنشاء دار الحكمة، التي جعلت من اللغة العربية أداة للتطور والنجاح فأخرجت لنا علماء، لايزال يضرب بهم المثل ولهم الفضل في ازدهار ليس فقط الأمة العربية بل البشرية جمعاء..
كما أنني حاولت جاهدا أن أحلل وأناقش النص، وأحوّله إلى حالة رقمية لتكون أداة مقارنة بين حالتين أو ظاهرتين مختلفتين زمنيا الأولى هي حالة زمنية منقضية لكنها ناجحة، والثانية حالة زمنية آنية ناشئة.
ووجدت هذا التماثل في الغرض والمقصد والتشابه في الدواة والأدوات، فالحرف عربي والعلم عربي والإنسان عربي وإن اختلف جنسه. وبذلك فإن استثمرنا في لغتنا وفي تراثنا سيكون لدينا كل هذا الزخم، الماضي بتاريخه وتراثه، والحاضر بطموحه وإرادته، والمستقبل بتحقيق كل نجاحاته وإنجازاته.
كانت تلك مقتطفات من مقال "دور اللغة العربية في تخريج النخب العلمية" للدكتور جمال عناق
لقراءة المزيد اضغط هنا
للاطلاع على المقال كاملا مع مصادره تجدونه في ملف بي دي اف في أعلى الصفحة
البريد الإلكتروني: djamel.annak@univ-tebessa.dz
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة