تحكم سرديّتان مفهوم الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة: إحداها تتعلّق بالتطرّق للفرص الجديدة التي يمكن تحقيقها، أمّا الأخرى فهي توقّع المخاوف من الأثار السلبية المتأتّية عنه مثل خسارة عمّال لوظائفهم. هناك بعض التنبؤات المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي لم تتحقّق، في حين تبيّن أنّ البعض الآخر منها يعدّ أقلّ بكثير مما كان متوقّعًا. ومع ذلك، تأتي فوائد كبيرة من التعلّم الآلي والعميق وقدرتهما على معالجة مجموعات البيانات الكبيرة واكتشاف الأنماط. وبفضل الخوارزميات والشبكات العصبية، يشهد عالم الأعمال مزيدًا من الأتمتة وتحسين كفاءة العمليات وازدياد العائدات وما إلى ذلك. وفي الوقت الراهن، يمكن أن نرى بوضوحٍ أكبر كلّ من نقاط القوة والضعف في الخوارزميات، والتي يرتبط بها الذكاء الاصطناعي، كونها الإرشادات التي تسمح للحاسوب بتنفيذ المهام. في هذه المقالة، سنستعرض نقاط الضعف تلك المرتبطة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي والتي قد تعيق تطوير هذه التقنية.
بطء المعالِجات (Processors) في المواكبة
شكّلت التحسينات في الحوسبة مكونًا رئيسيًا لتقدم الذكاء الاصطناعي. وطبقًا لمختبر أبحاث "OPEN AI"، فإنّ التقنيات التي ترتكز على الخوارزميات سوف تتطوّر ببطء، وذلك لأنّ معالِجات الحواسيب التي تتضاعف قوّتها كلّ عامين، لن تكون سريعة بما فيه الكفاية. وللحفاظ على الوتيرة الحالية الذكاء الاصطناعي، يتعيّن على أجهزة الحواسيب مضاعفة قوتها كلّ 3 إلى 4 أشهر. وهذا يعدّ أحد أبرز الأسباب لحدوث تباطؤ في المواكبة. كما هناك عدد من التحديات المرتبطة بمكونات الأجهزة (Hardware) ومواصفاتها، وإمدادات الطاقة، وغيرها. وربما تكمن الحلول في الحوسبة الكمومية، وهي طريقة جديدة في المعالجة لزيادة عمليات السرعة الحسابية بشكل يفوق قدرات أجهزة الحواسيب التقليدية. لكن هذه التقنية لا تزال في بدايتها، ما يعني أنه علينا أن ننتظر ونرى!
تكاليف باهظة
في حديثٍ لـ "وايرد" وهي مجلّة أميركية متخصّصة في مجال التقنية والأعمال، يوافق نائب رئيس الذكاء الاصطناعي في فيسبوك "جيروم بيسنتي"، على أنّ مشاكل الأجهزة قد تحول دون تطوّر نمو الذكاء الاصطناعي. ويشير بيسنتي أيضًا إلى عقبةٍ أخرى أمام توسّع الذكاء الاصطناعي وهي عامل التكلفة. وكنا سبق وتناولنا في ورقةٍ بحثية مجموعة تحديات تواجه هذه التقنية من بينها التكاليف الظاهرة، وكذلك الخفية التي تتمثّل في جمع البيانات وهيكلتها، ونماذج التدريب، وما إلى ذلك. ومن الأمثلة الواقعية نذكر أنّ تكلفة تدريب نموذج معالجة اللغة الطبيعية للأغراض العامة المعروف بإسم "GPT-3"، من إنتاج مختبر أبحاث "Open AI" تبلغ أكثر من 4.5 مليون دولار أميركي. وتعدّ هذه مجرّد تكاليف أساسية، ناهيك عن التعديلات أو التحديثات المعقدة التي قد تطرأ عليه.
شراكة ليست سهلة
يُنظَر للذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة باعتباره أشبه بفانوسٍ سحري. ومن هذا المنطلق، قامت شركات وصناديق استثمار بجمع الأموال والدخول في غمار التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلّا أنها لم تتمكن من تحقيق أرباح. وبالنسبة للعديد من الشركات التي اختارت وضع عمليات تسويق مبيعاتها على عاتق الخوارزميات، فإنّ قلة العائدات أثبت أنّ الاستثمار لم يكن مشجّعًا. واليوم، أصبحت إدارات هذه الشركات أكثر ثقة في أنّ الذكاء الاصطناعي قد يستطيع تحسين بعض العمليات، إلّا أنّه يولّد الكثير من البيانات التي لا يمكن فهمها بالنسبة لمديري البيانات العادي، الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالإحباط. بمعنى آخر: ليس بالضرورة أن يكون لدى مندوبي المبيعات أدنى فكرة عن سبب إبرامهم لصفقةٍ ما، كما تقترح الخوارزميات. وفي هذا السياق، وجدت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة البيانات الدولية (IDC) لشركاتٍ عالمية تستخدم الذكاء الاصطناعي أنّ 25% منها فقط اختارت اعتماد حلول شاملة ذكية على نطاق الشركة، إلّا أنّ أغلبية المستجيبين اعترفوا أنّ مشاريعهم تعاني من أخطاء وفشل. وهذا يدل على أنّ الذكاء الاصطناعي ليس من السهل تقييمه ويمكن أن يكون غير مفهوم ومحبط في العمل.
أخطاء جسيمة
عام 2020 ، أعلنت غوغل أن برمجيتها لتشخيص سرطان الثدي قد تفوقت على أداء البشر. وأثارت الورقة البحثية مجموعة من الانتقادات في الوسط العلمي. ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينظر المجتمع العلمي بعين التشكيك حيال تقدّم ما في المجال البحثي. ومن الأمثلة التي يمكن أن نستشهد بها هو حاسوب "واطسون" من شركة آي بي إم حينما رُوّج أنه سيكون "أفضل طبيب على وجه الأرض"، في حين كان لزامًا على الشركة نفسها أن تبرّر أخطاء "الطبيب واطسون" العديدة كوصف دواء من شأنه أن يزيد النزيف لدى مريض لديه نزيف حاد في الأساس. كما لم ينتج عن استخدام شركة "ديب مايند" لنظام الذكاء الاصطناعي "ألفا فولد" من التنبؤ باستنتاجات مرضِية حيال فيروس كوفيد 19، واتّضح أن تدفّق البيانات المتأتية عن الجائحة كان من الصعب تفسيرها. وعلى الرغم من أنّ الشبكات العصبونية المستخدَمة في التعلم الآلي يمكنها التعرّف على الأنماط بشكل فعّال، كما الحال في التعرّف على الوجه، إلّا أن هذه القدرة قد لا تعمل مع البيانات غير المتجانسة كما حصل مع حالة الفيروس.
خوارزميات غير مرنة
قد تتفوّق الخوارزميات في حلّ مشاكل معينة، وأداء مهام محددة، مثل تلك التي تواجهها في لعبة الشطرنج. غير أنها تميل للمحدودية في مواجهة المواقف والمعلومات الجديدة. ويسمّيها البعض بأنها "الهندسة غير المتكرّرة". هذا الإطار الضيق للخوارزميات وصلابتها الوظيفية يمكن رؤيته بوضوح في مجال الروبوتات. ففي حين أن وسائل الإعلام تنشر بكثافة مآثر الحركات البهلوانية للكلاب الآلية، نرى أنّ الأمثلة قليلة حيال تقديم نماذج لآلاتٍ يمكنها الانتقال بسلاسةٍ من أداء نشاطٍ إلى آخر. ولعلّ المظهر الأكثر تعقيدًا يتمثّل في مشاكل المساعد الصوتي المكلَّف بمعالجة اللغة الطبيعية. صحيحٌ أنه يمكن للمساعد التحدّث بطلاقةٍ طالما أنّ البيانات والأسئلة المطروحة عليه تعدّ دقيقة، لكن بمجرد أن يخرج المتكلم عن السياق المفاهيمي والوضعي المحدّد سلفًا، تأخذ إجابات المساعد منعطفًا نحو اللا معنى. ويتفق العديد من الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي لن يتمكّن من فهم السياقات الاجتماعية والمفاهيمية والوضعية. وعليه، ستبقى الآلات موضوعة على الدوام تحت التدريب، ونفترض أنّها لن تكون قادرة على تجاوز مجموعة مهاراتها المحدودة والمحدّدة.
ماذا بعد؟
قد يكون كلما ازدادت الضوضاء حيال شيء ما، زاد احتمال التوقعات المرتفعة خصوصًا حيال التقنيات، وهذا قد يثير شهية اللاعبين في السوق ووسائل الإعلام والمستهلكين. إلّا أنه غالبًا ما يعقب ذلك موجة من خيبة الأمل وشعور بعدم إيفاء الوعود. لا ننكر أنّ الذكاء الاصطناعي له فوائد جمّة وقد تطرقنا لفوائده في مقالاتٍ سابقة، لكننا نعتقد أنّ التفكير النقدي لا بدّ أن يكون حاضرًا حيال هذه التقنية وغيرها من التقنيات، بل إنّ إدراك أوجه القصور الأساسية في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيدًا. كما ينبغي عدم المبالغة حيال ذلك، فنحن لن نضطرّ لزرع رقائق في أدمغتنا لمواكبة الآلات، بل لعلّها هي التي تكافح من أجل مواكبة البشر في الوقت الراهن!
المراجع الأجنبية
- Business Wire (2019). IDC Survey Finds Artificial Intelligence to be a Priority for Organizations but Few Have Implemented an Enterprise-Wide Strategy. Available at: https://bwnews.pr/2ZMPXY7
- Knight, W. (2019). Facebook's Head of AI Says the Field Will Soon ‘Hit the Wall’. Available at: https://bit.ly/3mtkJ0v
- Li, C. (2020). Open AI's GPT-3 Language Model: A Technical Overview. Available at: https://bit.ly/3nHg8Y1
- McKinney, S.M., Sieniek, M., Godbole, V. et al (2020). International evaluation of an AI system for breast cancer screening. Available at: https://go.nature.com/3CASPp5
- Open AI (2018). AI and Compute. Available at: https://bit.ly/3pUbTLG
المراجع العربية
تواصل مع الكاتب: mohamadmaaz1991@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة