مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الموائل البحرية في الكويت ..الواقع والمخاطر

الكاتب

الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

12:55 مساءً

تاريخ النشر

06, أكتوبر 2021

تضم البيئة البحرية في الكويت مجموعة من الموائل ذات التنوع البيولوجي، تشمل أنظمة الشعاب المرجانية، والموائل الطينية وشواطئ تعشيش السلاحف البحرية، ذات أهمية من الناحية البيئية لتنوع الكائنات البحرية التي تعيش فيها وكذلك لمجموعات الطيور المهاجرة. لكن موقعها في الطرف الشمالي الغربي للخليج حيث يتميز البحر بمياهه شديدة الملوحة -رغم قربها من مصب نهري دجلة والفرات- وبتباين واسع في درجات الحرارة، جعل العديد من الأنواع والموائل البحرية تقترب من أقصى قدرتها الطبيعية من التحمل الفسيولوجي. ونتيجة لذلك، فإن الكثير منها أصبحت حساسة جدا لأية ضغوط بشرية إضافية، مثل التلوث الكيميائي وتصريف النفايات السائلة وتدمير الموائل والقمامة البحرية، وإدخال الأنواع الغازية.

في دراسة مراجعة نشرت في عدد شهر فبراير 2021 من دورية (Marine Pollution Bulletin) العلمية، قام فريق من الباحثين الكويتيين والبريطانيين بدراسة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها الموائل البحرية الرئيسية في الكويت وأنواع المؤشرات المرتبطة بها، بهدف تقييم حالة التنوع البيولوجي البحري في الكويت والمساعدة في توفير البيانات اللازمة لجهود الرصد والحفظ المستقبلية.

 الموائل الساحلية

وفقا للدراسة، يضم الشريط الساحلي للكويت الذي يمتد على ما يقارب من 500 كيلومتر، مجموعة متنوعة من الموائل بما في ذلك المستنقعات المالحة والسهول الطينية والسهول الرملية والموائل الخشنة والصخرية.

تحتوي رمال المد والجزر في الكويت والسهول الطينية على تنوع هائل من الكائنات القاعية بما في ذلك 271 نوعًا مسجلاً من الرخويات Mollusca ، وتحتوي العديد منها على طبقة ميكروبية ضخمة .وتُستخدم المسطحات الطينية كمناطق تغذية رئيسية لمغذيات الحيوانات القاعية بما في ذلك الحشائش والروبيان والقشريات الأخرى والرخويات، إلى جانب ثلاثة أنواع من طائر النطاط. تعتمد العديد من الأسماك على الإنتاجية والسلاسل الغذائية المرتبطة بالمسطحات الطينية الموجودة في خليج الكويت توفر الشواطئ الرملية موطنا مهما لتعشيش السلاحف، بينما توفر المناطق الصخرية موطنا وملجأ للطحالب والقشريات.

وقد أثبتت الدراسات أن الموائل الصخرية تتدهور بفعل صيد بعض أنواع السرطانات مما يؤدي إلى انتشار واسع للحيوانات اللاطئة كالديدان الأنبوبية والمحار الصخري على الصخور بالإضافة إلى التدمير المادي للموائل الصخرية نفسها. يقول مؤلفو الدراسة إن الآثار اللاحقة على التنوع البيولوجي الساحلي لا تزال غير محددة كميا بسبب شح المعلومات حول أنماط التوزيع المكاني والزمني للكائنات الرئيسية في هذه الموائل.

وتشمل الموائل الساحلية كذلك بعض المستنقعات المالحة مثل محمية برك الجهراء التي تؤوي أنواعا مختلفة من النباتات الملحية والطيور والاسماك، وتسع جزر طبيعية مثل جزيرة بوبيان التي تعتبر موقعا مهما لأنواع الطيور التي تستخدم المسطحات الطينية والمستنقعات المالحة التي تحيط بسواحلها.  

بحسب الباحثين، فإن العديد من جزر الكويت ومسطحات المد والجزر ستشملها مخططات التنمية والتهيئة العمرانية التي تعدل الساحل. وأصبح جزء كبير من الساحل الآن خاضعًا لعمليات الردم والامتداد باتجاه البحر للإسكان والاستجمام والتنمية الصناعية. وقد أدى ذلك إلى تدهور النظم البيئية البحرية عالية الإنتاجية التي تعتمد عليها مصايد الأسماك.

شهدت العديد من الموائل الساحلية في الكويت انخفاضًا ملحوظًا في الحجم خلال العقود الأخيرة مع تأثر المستنقعات المالحة بشكل خاص. وتشير بعض الدراسات إلى انخفاض وصل إلى 40 بالمائة في الأنواع الموجودة موسمياً داخل المستنقعات المالحة الكويتية. ويُعتقد أن هذا الانخفاض مرتبط بظروف الجفاف المتزايدة المرتبطة بإزالة الأشجار والشجيرات للتطوير الحضري.  

الشعاب المرجانية

يوجد في المياه الكويتية، بحسب الدراسة، ما يقرب من 12 من الشعاب المرجانية تتفاوت مساحاتها من رقعة صغيرة وشعاب مهدبة على الشاطئ إلى الشعاب والخلجان. وتحتوي هذه الشعاب على ما لا يقل عن 36 نوعا توفر موطنا لـ 124حوالي نوعا من الأسماك.  

تتركز أكبر الشعاب المرجانية في الكويت حول الجزر الجنوبية، ولا سيما أم المراديم وكبر، وتتكون أساسا من الشعاب المرجانية الحجرية. لكن هذه الموائل المرجانية تعتبر الأكثر تطرفا بيئيا في العالم لوجودها خارج المناطق الاستوائية والمدارية في منطقة ذات مستوى عال من الملوحة وتباين واسع للحرارة مما يشكل نظاما بيئيا مضغوطا بشكل طبيعي. كما تعتبر الرواسب وتلوث المياه من العوامل الإضافية التي تعيق تطور المرجان، رغم أن الباحثين يعتقدون أن التباين الحراري هو السبب الوحيد الأكثر أهمية لانخفاض الشعاب المرجانية في المنطقة. وتشير الدراسات الاستقصائية المبكرة للشعاب المرجانية في الكويت إلى التعرض التاريخي لفترات الإجهاد الحاد خاصة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

تتعرض الشعاب المرجانية في الكويت، وفقا للدراسة، لتأثيرات بشرية متعددة، خاصة تلك القريبة من المراكز السكانية الرئيسية ويمكن الوصول إليها بسهولة لهدف الاستجمام، مما يضر بها ويزعج مجموعات الطيور والسلاحف البحرية التي تعشش في هذه الجزر الصغيرة. كما يُعتقد أيضًا أن الصيد الجائر عن طريق الصيد بالرمح وصيد القوارب الترفيهية قد أثر على صحة الشعاب المرجانية في العديد من المناطق. ومن المحتمل حسب الباحثين أن تتأثر الصغيرة منها والقريبة من الشاطئ بتصريف مياه الصرف الصحي غير المنضبط ، والنشاط الصناعي، والبناء الساحلي..

وبحسب الدراسات السابقة، فإن الشعاب المرجانية في الكويت تتعرض لتهديد كبير، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 70٪ من غطاء الشعاب المرجانية الخليجية الأصلية يمكن اعتبارها ضائعة، مع وجود 27٪ أخرى مهددة أو في مراحل حرجة من التدهور.

 عشب البحر

من المعروف، كما تقول الدراسة، وجود نوعين من الأعشاب البحرية المحلية في المياه حول الكويت، عادة ما تكون محصورة في الركائز الرملية والطينية في المياه القريبة من الشاطئ التي يقل عمقها عن 10 أمتار. وهي موائل مهمة للجمبري(Penaeus semisulcatus)  ومحار اللؤلؤ،(Pinctada imbricata radiata)  وكذلك للعديد من أنواع الأسماك. كما تحافظ أحواض الأعشاب البحرية على السلحفاة الخضراء Chelonia mydas وعدد كبير من أبقار البحر (Dugong dugong) المصنفة ضمن الكائنات المعرضة لخطر الانقراض. على الرغم من توزيعها على نطاق واسع على طول شواطئ الخليج، إلا أنها محدودة داخل البيئة البحرية للكويت.، إذ لا تزيد مساحتها الجملية عن 50 كيلومتر مربع.

كائنات متنوعة ومهددة

تعتبر الأسماك الغضروفية Chondrichthyes مثل أسماك القرش والشفنين (Batoidea)، أنواعا سمكية كبيرة بطيئة النمو ومتأخرة النضج منخفضة الخصوبة. وهذه الخصائص تجعلها، وفقا للباحثين، مؤشرات مثالية لصحة النظام البيئي الأوسع. ويرجع ذلك إلى موقعها في أعلى سلسلة الغذاء البحري فضلاً عن قابليتها للاستغلال المفرط والصيد العرضي والانقراض الإقليمي. وقد تم توثيق وجود 37 نوعًا من أسماك القرش والشفنين داخل المياه الكويتية التي وفرت الكويت تاريخيًا موطنًا لما لا يقل عن ثلثي أسماك القرش وأنواع الشفنين الموجودة في منطقة الخليج، لكن أعدادها في انخفاض الصيد العرضي.

لا تتوفر سوى معلومات قليلة جدا عن أعداد الحيتان وأنواعها في المياه الكويتية. ويعتبر دلفين المحيط الهندي الأحدب(Sousa plumbea) ، المهددة بالانقراض ، أحد أكثر أنواع الدلافين مشاهدة في المياه الكويتية. وقد أثبتت دراسات سابقة، على سبيل المثال، أن أعداد الدلافين الموجودة قد انخفضت بنسبة 71٪ بين عامي 1986 و1999. وقد تكون دوافع هذا الانخفاض مرتبطة بالتلوث وانخفاض المدخلات النهرية من نهر شط العرب والصيد العرضي وانخفاض مصادر الغذاء. قد تورطت

وسجل الباحثون وجود خمسة أنواع من السلاحف البحرية في منطقة الخليج: السلحفاة الخضراء (C. mydas)، والسلحفاة ضخمة الرأس (Caretta caretta). تعتبر السلحفاة الخضراء أكثر الأنواع مشاهدة في المياه الضحلة حيث تتغذى على الأعشاب البحرية. بينما تفضل السلاحف منقار الصقر (Eretmochelys imbricata) موائل الشعاب المرجانية الضحلة وأشجار المانغروف عند مصبات الأنهار حيث تتغذى على اللافقاريات البحرية ، وخاصة الإسفنج . إلا أن إن صيد السلاحف البحرية يمثل تهديدا خطيرا مستمرا للمجموعات المتبقية من هذه الكائنات.

كما تتميز الموائل البحرية الكويتية بتنوع كبير في أنواع الطيور بما في ذلك المهاجرة منها التي تتخذ من الكويت محطة رئيسية على مسار طيران بين غرب آسيا وإفريقيا ويقضي بعضها فصل الشتاء في الكويت. وقد تم تسجيل 415 نوعا من الطيور في الكويت، ترتبط 31٪ منها ارتباطا وثيقا بالموائل المائية. وتعتبر الطيور البحرية هي أكثر مجموعات الطيور المهددة وقد تسارع تدهورها خلال العقود الأخيرة لتبلغ نسبة الأنواع المهددة منها  28 بالمائة على الصعيد العالمي.  

في يناير 2015، أظهرت الاحصائيات وجود ما مجموعه 66،070 طائرًا من 67 نوعًا في الموائل الطبيعية البحرية الكويتية، تشمل واحدًا من أعلى تركيزات العالم من طيور الزقزاق Dromas ardeola)). كما تستضيف الجزر الصغيرة المرجانية مثل كُبر وقاروح وأم المراديم بعض أكبر مستعمرات الطيور البحرية في شمال الخليج.

يعتقد مؤلفو الدراسة أن الطيور المائية الكويتية تعاني حالياً من عدة ضغوط أدت إلى انخفاض أعدادها مثل تلك الناتجة عن الصيد العرضي والتلوث والتغير المناخي إضافة إلى الأنواع الغريبة الغازية والأنواع المحلية المثيرة للمشاكل.

استنتج الباحثون أن الكويت ومنطقة الخليج عموما تواجه العديد من التحديات فيما يتعلق بالتأثيرات البشرية على البيئة البحرية، كما أن المعارف حول صحة التنوع البيولوجي البحري في الكويت غير مكتملة وعفا عليها الزمن وغالبًا ما يتم استنتاجها من دول الخليج الأخرى. وخلصوا إلى أن هناك حاجة ملحة لقاعدة بيانات قوية لدعم التقييمات الوطنية وخطط الإدارة المستدامة في جميع البلدان المطلة على الخليج العربي، وهو ما يتطلب تنسيق عمليات المراقبة عبر الحدود والقيام بتدابير فعالة كتطوير المحميات البحرية المنسقة إقليمياً لتكون ملاذا للكائنات المهددة.
 

موائل بحرية في الكويت

 

ساحل الكويت

 

المصادر

 

تواصل مع الكاتب: gharbis@gmail.com

 


 الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.


يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

     

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x