قبل فترة، أرسل لنا أحد الأفاضل مقالاً يطلب نشره عبر موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، وكان موضوع المقال وتخصص الباحث هو علم الإنسان أو ما يسمى "الانثروبولوجيا"، ويذكر فيه ما يقوله ونسمعه دائماً من علماء الأنثروبولوجيا، أن أفريقيا هي موطن الإنسان الأول الذي (تطور)…. وما إلى ذلك، أرسلنا اعتذاراً للكاتب عن عدم قبول المقال للنشر، لأن فيه ما ينافي عقيدتنا الإسلامية.
لم أقتنع يوماً بما يقوله علماء الانثروبولوجيا من أن أفريقيا هي موطن (الإنسان الأول)، رغم تحفظي الشديد على هذه التسمية. فنحن المسلمين، نعتقد يقيناً أن الإنسان الأول هو أبونا آدم عليه السلام. وأن أول بيت وضع للناس لعبادة الله هي الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وعلى هذا فإن الجزيرة العربية هي أول موطن للإنسان على هذه الأرض. وهاهي الأبحاث تتوالى لإثبات قناعتي التي كانت من دافع إيماني وليس علمي.
قد يقول البعض بأن هناك حفريات قديمة جدا (للإنسان) في أفريقيا، وهذا بالنسبة لي يمكن تفسيره بأن تلك الحفريات لم تكن لأبناء آدم (نحن البشر الموجودون على الأرض اليوم)، بل ربما كانت لنوع مختلف من خلق الله، الذي يخلق ما يشاء سبحانه، وكثير من تلك المخلوقات قد انقرض. وكثيراً ما يردد أولئك العلماء وبناء على تلك الحفريات والنظريات، أن البشر هاجروا من افريقيا إلى العالم ومنهم من كانت هجرته (عبر) شبه الجزيرة العربية، التي يعتبرونها ممراً ليس أكثر. ربما يعتمد العلماء على الوضع البيئي الصحراوي القاسي في الوقت الحالي لشبه الجزيرة العربية، في أنها كانت ممراً للهجرات. واليوم وكما تبين البحوث التي يقوم بها علماء وفرق بحثية متعددة عالمية وبالتعاون مع باحثين من السعودية، ومنها الورقة التي بنينا عليها هذا المقال، أن الجزيرة العربية كانت مروجاً وأنهارا وبحيرات وحياة وحضارات، فالحمد لله رب العالمين.
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :"لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا " ، والمقصود بأرض العرب هي شبه الجزيرة العربية، وتعود تعني أنها كانت كذلك وستعود كما كانت. كما أن القرآن الكريم أخبرنا عن حضارات قامت على هذه الأرض مثل عاد وإرمها التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وغيرهم. فأين هذا مما يصوره علماء الأنثروبولوجيا من البدائية والهمجية لإنسانهم في أفريقيا؟
في ١٨ أغسطس ٢٠٢١ نُشرت دراسة في مجلة العلمي الجديد بقلم ميشيل مارشال تذكر ما يلي: " لعقود من الزمان، كان يُنظر إلى إفريقيا على أنها مهد الإنسانية. نشأ أقدم (أشباه البشر) المعروفون هناك منذ حوالي سبعة ملايين سنة وبقوا في القارة لفترة طويلة، و(تطوروا) إلى أشكال مختلفة بما في ذلك تلك التي أعطتنا حفريات مشهورة مثل أردي ولوسي. بينما بدأت بعض المجموعات تتجول في أماكن أبعد منذ حوالي مليوني سنة، ظلت إفريقيا مركزية في قصتنا. أقدم بقايا معروفة من جنسنا البشري، Homo sapiens، المعروف أيضًا باسم الإنسان الحديث، من إفريقيا. لقد ظهرنا هناك منذ حوالي ثلاثمائة ألف عام، وبقينا هناك ربما حتى حوالي ستين ألف عام، عندما حملت هجرة واحدة خارج إفريقيا البشر المعاصرين في جميع أنحاء العالم – أو هكذا اعتقد علماء الأنثروبولوجيا".
يقول باحثون من معهد ماكس بلانك في ألمانيا: " نتيجة لهذه الافتراضات، حتى وقت قريب لم يكن يُعرف أي شيء تقريبًا عن أشباه البشر في شبه الجزيرة العربية". بل إن البعض قال إنه لم يكن هناك فترة ما قبل التاريخ في شبه الجزيرة العربية.
حتى وقت قريب… نعم إنها نظريات ليس أكثر، والعلماء اليوم يؤكدون أنهم كانوا على خطأ.
للأسف، هذا الكلام يدرس في مدارسنا وكأنه حقيقة، بل وتقدم عليه رسائل ماجستير ودكتوراه وبحوث منشورة في المجلات، رغم أنه مخالف للعقيدة. يدرس الطالب ويبحث في شيء ويقرأ في القرآن شيئاً آخر. فإلى متى تستمر هذه التبعية في العلم؟
في العقود القليلة الماضية اهتم العلماء لفهم أكثر لتغير المناخ في عصور ما قبل التاريخ. واستخدموا سجلات مثل رواسب أعماق البحار ولب الجليد، ووضعوا نماذج المناخ على فهم تحولاته عبر العصور. وكشفت تلك البحوث عن أنه وخلال 2.5 مليون سنة شهدت الأرض تغيرات مناخية وفترات جليدية، وقد أثرت تلك الدورات المناخية على الظروف في شبه الجزيرة العربية. وحسب هؤلاء الباحثون، فإن هذه النتائج تشير إلى أن الجزيرة العربية كان بها العديد من الأنهار والبحيرات في الفترات الأكثر رطوبة، لذلك بدأوا في البحث عن تاريخ شبه الجزيرة العربية. وقام الفريق بالبحث عن الآثار الموجودة تحت الرمال في صحراء النفوذ وفي الجبال، ووجدوا بقايا بحيرة، وفي الرواسب التي يبلغ عمرها حوالي خمسة وسبعون ألف سنة وجدوا أدلة على الأعشاب والأشجار، جنباً إلى جنب مع الأدوات الحجرية التي تشير لوجود الإنسان.
ومنذ ذلك الحين نُشر الكثير من النتائج المماثلة من قِبل عدد من المجموعات البحثية التي تعمل هناك. كلهم يجمعون على أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف من الحفريات القديمة في شبه الجزيرة العربية لم يتوصلوا إلا على بضع مئات منها. وأن البشر عاشوا فيما يعرف الآن بصحراء الربع الخالي، وكما يقولون إن منطقة مندفان البحيرة فيه منطقة منبسطة كانت ذات يوم بحيرة، عثر فريق البحث على أدوات حجرية تعود إلى ما بين ثمانين ومائة ألف عام ماضية. بل يذكر الباحثون أنهم وجدوا آثاراً لحيوان فرس النهر والذي يحتاج إلى وجود مياه دائمة بعمق أمتار. وغير ذلك من آثار الحيوانات المختلفة.
ومما جاء في المقال أيضاً أنه في العام الماضي أي 2020 ادعى فريق من الباحثين أن آثار الأقدام التي وجدت في شبه الجزيرة العربية تنتمي للإنسان الحديث، وأن تاريخها يعود إلى ما بين 112 – 121 ألف سنة. كما يعتقد الباحثون أيضاً أن أشباه البشر (قبل الإنسان الحديث) كانوا موجودين أيضاً في شبه الجزيرة وبلاد الشام قبل خمسمائة ألف عام".
الله سبحانه يخاطبنا نحن البشر الموجودون حالياً على الأرض، بقوله "يا بني آدم". أي أننا جميعاً من نسل آدم عليه السلام الذي خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلّمه الأسماء كلها وأمره بعمارة الأرض وخلقه وذريته لعبادته وكرمه عن سائر مخلوقاته. كلنا ولد آدم، ولم نتطور من أشباه إنسان كما يدعي الذين لا يعلمون.
وأنا على يقين أن البحوث النزيهة سوف تثبت في يوم ما أن أصل بني آدم في شبه الجزيرة العربية، هذا أيضاً إيمان لدي وليس نتائج بحوث.
النظريات العلمية ونتائج واستنتاجات الباحثين تتغير حسب ما يجدون من أدلة أو ما يضعون من نظريات، ولكن العقيدة الإسلامية ثابتة، لذا فإن نصيحتي للعالِم المسلم، يجب أن يقيس ويزن كل قول وكل نظرية أو استنتاج بشري بميزان العقيدة، ولا يردد فقط ما يقوله الآخرون والذين لا يعلمون.
الحمد لله رب العالمين
المرجع
تواصل مع الكاتب: mmr@arsco.org
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي.
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل
أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة